الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يومًا فذكر رجلًا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل وقُبر ليلًا، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يُصلَّى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك"(1).
والذي يترجح أن الأولى مراعاة الإسراع في الدفن، فمتى مات بأي ساعة من ليل أو نهار، فالأولى الإسراع بتجهيزه ودفنه.
خامسًا: صفة القبر:
القبر هو ما يقبر فيه الميت، وهو إما أن يكون لحدًا أو شقًا. فاللحد هو أن يحفر للميت من قاع القبر حفرة من جهة القبلة ليوضع فيها، ويجوز من خلف القبلة، لكنها من جهة القبلة أفضل، وسمي لحدًا؛ لأنه مائل من جانب القبر.
أما الشق فهو أن يحفر للميت في وسط القبر حفرة. واللحد أفضل من الشق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "اللَّحد لنا، والشق لغيرنا"(2).
ولا بأس كذلك بالشق إذا احتيج إليه؛ كأن تكون الأرض رملية لا يمكن حصول اللحد فيها، ولأن الرمل إذا حصل فيه اللحد انهدم.
سادسًا: كيفية الدفن:
1 -
إذا جيء بالميت ليدفن في قبره، فهنا اختلف أهل العلم في الكيفية؛ فذهب الحنفية (3) إلى أنه يستحب أن يدخل من جهة القبلة، بأن يوضع من جهتها
(1) أخرجه مسلمٌ في كتاب الجنائز، باب في تحسين كفن الميت، برقم (943).
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في اللحد، برقم (3208)، والترمذيُّ في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم:"اللحد لنا والشق لغيرنا" برقم (1045) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 618)، رقم (2747)، وصحيح سنن الترمذيُّ (1/ 305)، رقم (835).
(3)
بدائع الصنائع (1/ 318).
أي أن يكون الآخذ له مستقبل القبلة حين الأخذ. وذهب الشافعية (1) والحنابلة (2) إلى أنه يوضع عند آخر القبر ثم يُسَلُّ من قبل رأسه منحدرًا.
ونرى أن الأمر في ذلك واسع، فالأولى مراعاة الجهة الميسَّرة.
2 -
إذا أدخل الميت في قبره يسن وضعه على شقه الأيمن متوجهًا إلى القبلة، ورأسه ورجلاه إلى يمين القبلة ويساره، وعلى هذا جرى العمل عند أهل الإِسلام، بخلاف ما يفعله البعض من وضع الميت مستلقيًا على ظهره.
3 -
يسن لمن يقوم بدفنه أن يقول: بسم الله وعلى سنة رسول الله أو ملة رسول الله، كما جاء ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في القبر، قال:"بسم الله، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم "(3)، وفي رواية:"بسم الله وعلى ملة رسول الله -أو قال-: بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله"(4)، وفي رواية:"بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله"، وقال مرة:"بسم الله وبالله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم"(5).
بل جاء لفظ آخر بالأمر بذلك، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا وضعتم موتاكم في قبورهم، فقولوا: بسم الله وعلى سنة رسول الله"(6) وفي رواية:
(1) روضة الطالبين (1/ 133).
(2)
كشاف القناع (2/ 131).
(3)
أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في الدعاء للميت إذا وضع في قبره، برقم (3213)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 619)، رقم (2752).
(4)
أخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز، باب ما جاء في إدخال الميت القبر، برقم (1550)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/ 259)، برقم (1260).
(5)
أخرجه الترمذيُّ في كتاب الجنائز، باب ما يقول إذا أدخل الميت القبر، برقم (1046)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذيُّ (1/ 306) رقم (836).
(6)
صححه الألباني في صحيح الجامع، حديث رقم (832).
"وعلى ملة رسول الله"(1).
4 -
إذا انتهوا من وضعه داخل قبره، فإنه تحَل عقد الكفن؛ للاستغناء عنها، ويسوى اللَّبِن، وتسد الفُرَج بالمَدَرِ والقصب، أو غير ذلك؛ لكيلا ينزل التراب منها على الميت.
5 -
ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يستخدم شيء مسَّته النار إلا إذا كانت الأرض رَخْوَةً، وكذلك يكره وضع الخشب في قبر الميت.
والذي يظهر -والله أعلم- أنه لا بأس باستخدام ما يحتاج إليه، حتى وإن مسته النار، لعدم ورود دليل على الكراهة أو المنع.
6 -
يستحب حثو التراب على الميت بعد دفنه ثلاث حثات بيديه جميعًا بعد الفراغ من سد اللحد، دليل ذلك ما رواه ابن ماجه وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة، ثم أتى قبر الميت، فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثًا"(2).
7 -
يسن عند الفراغ من دفنه أن يكون القبر مرفوعًا عن الأرض قليلًا نحوًا من شبر، ولا يسوى بالأرض ولا يرفع كثيرًا، حتى لا يصير قبرًا شرفًا، فعن جابر رضي الله عنه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحد له لحد ونصب عليه اللبن نصبًا ورفع قبره من الأرض نحوًا من شبر"(3).
(1) أخرجه أحمد في المسند (2/ 27) رقم (4812)، (5233).
(2)
أخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز، باب ما جاء في حثو التراب في القبر، برقم (1565)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/ 261)، برقم (1271).
(3)
أخرجه البيهقيُّ في جماع أبواب عدد الكفن وكيف الحنوط، باب لا يزاد في القبر على أكثر من ترابه، لئلا يرتفع جدًا، برقم (6527)، وابن حبان في صحيحه (14/ 602)، رقم (6635).
8 -
ويسن أن يكون القبر مسنَّمًا، أي على هيئة سنام الإبل، وذلك لحديث البخاري عن سفيان التَّمار قال:"رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنمًا"(1).
9 -
لا بأس بأن يوضع على القبر علامة يعرف بها صاحبه؛ لكي يدعى ويستغفر له أو ليدفن إليه من يموت من أهله ونحو ذلك، فعن ابن أبي وِدَاعَةَ رضي الله عنه قال:"لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته فدفن، أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا أن يأتيه بحجر فلم يستطع حمله، فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسر عن ذراعيه، قال: كثير، قال: المطلب، قال: الذي يخبرني ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كأني انظر إلى بياض ذراعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حسر عنهما ثم حملها فوضعها عند رأسه، وقال: "أتعلَّمُ بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي" (2).
10 -
إذا فرغ من الدفن، استحب الدعاء للميت عند قبره؛ لما جاء عند أبي داود وغيره عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال:"استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل"(3).
11 -
ذهب جمهور الفقهاء إلى كراهة الدفن في تابوت، إلا عند الحاجة، كرخاوة أرض ونحو ذلك. وذهب الحنفية (4) إلى التفريق بين الرجل والمرأة، فقالوا بأنه لا بأس بالتابوت للمرأة؛ لأنه أقرب إلى الستر.
والذي يظهر أنه لا يجوز فعل ذلك، لا للرجل ولا للمرأة؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، بل هو فعل أهل الدنيا، وكذا يفعله أهل الديانات
(1) أخرجه البخاريُّ في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم
…
، برقم (1325).
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في جمع الموتى في قبر والقبر يعلَّم، برقم (3206).
(3)
أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف، برقم (3221).
(4)
حاشية ابن عابدين (1/ 599).