الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعذر إجماع الجيران على اختيار مؤذن فإنه يؤخذ بقول الأكثر؛ لأنه قلّ أن تجد رجلًا يجمع عليه الناس.
حكم أخذ العوض على الأذان والإقامة:
أخذ العوض عن الأذان والإقامة لا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون من بيت مال المسلمين وهو ما يسميه بعض الفقهاء بـ: "الرَزق" بفتح الراء.
الحالة الثانية: أن يكون المال المأخوذ من المصلين وهو ما يسمى بالأجرة، ولبيان الحكم الشرعي في الحالتين نقول:
الكلام على الحالة الأولى:
اتفق الفقهاء على جواز أخذ الرَّزق من بيت المال على الأذان والإقامة ونحوهما مما يتعدى نفعه إلى غير فاعله.
لكن الشافعية (1) والحنابلة (2) قيدوا ذلك بعدم وجود المتبرع للأذان والإقامة. واستدل الفقهاء على ذلك بما يلي:
1 -
أن ما يؤخذ من بيت المال ليس عوضًا وأجرة بل رَزق، وهو حق ثابت في بيت المال (3).
2 -
أن بالمسلمين حاجة إلى الأذان والإقامة وقد لا يوجد متطوع بهما وإذا لم
(1) المهذب من المجموع (3/ 132).
(2)
الاختيارات الفقهية، لابن عثيمين (ص: 132).
(3)
الأحكام السلطانية، للقاضي أبي يعلى (ص: 98).
يدفع الرزق فيهما تعطلتا (1).
3 -
أن بيت المال معد لمصالح المسلمين، فإذا كان بذله لمن يتعدى نفعه إلى المسلمين محتاجًا إليه كان من المصالح (2).
الكلام على الحالة الثانية: حكم أخذ الأجرة على الأذان والإقامة:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا يجوز مطلقًا أخذ الأجرة على الأذان والإقامة، وبهذا قال أبو حنيفة (3) وأصحابه، ورواية عند الحنابلة (4) هي ظاهر المذهب، وبه قال الشوكاني (5) وابن حزم (6).
واستدلوا لذلك بأدلة منها:
1 -
قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (7)، وجه الدلالة: أن المؤذن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء، فينبغي أن يكون مثله في عدم أخذ الأجرة على الأعمال.
2 -
ومن السنة حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، قال: "أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذنًا لا
(1) المغني (2/ 70).
(2)
المرجع السابق.
(3)
المبسوط (1/ 140)، بدائع الصنائع (1/ 152).
(4)
المغني (2/ 70).
(5)
نيل الأوطار (2/ 49، 50).
(6)
المحلى (3/ 145 - 146).
(7)
سورة الشورى: 23.
يأخذ على أذانه أجرًا" (1).
القول الثاني: أنه يجوز أخذ الأجرة على الأذان والإقامة. وهذا هو مذهب المالكية (2) والصحيح عند الشافعية (3) ورواية عند الحنابلة (4).
واستدل أصحاب هذا القول بأدلة منها: حديث أبي محذورة رضي الله عنه وتعليم النبي صلى الله عليه وسلم الأذان له، وفيه:"ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة"(5).
وجه الدلالة ظاهرة في هذا الحديث على أخذ الأجرة.
واحتجوا بأدلة عقلية منها:
1 -
أن الأذان عمل معلوم يجوز أخذ الرزق عليه، فجاز أخذ الأجرة عليه كسائر الأعمال (6).
2 -
أن الأذان فعل يجوز التبرع به عن الغير، فلا يعتبر كونه قربة مانعًا من الإجارة، قياسًا على الحج عن الغير وبناء المساجد أو كتب المصاحف والسعاية على الزكاة.
3 -
أن في الأذان نفعًا يصل إلى المستأجر.
(1) أخرجه أحمد في مسنده (4/ 21) رقم (16314)، أبو داود في كتاب الصلاة، باب أخذ الأجر على التأذين، برقم (531)، والترمذيُّ في أبواب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على أذانه أجرًا، برقم (209). وقال الترمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ.
(2)
المدونة الكبرى (1/ 183)، الخرشي على مختصر خليل (1/ 236).
(3)
المجموع (3/ 134).
(4)
المغني (2/ 70)
(5)
أخرجه أحمد في مسنده (3/ 409) رقم (15417)، والنسائيُّ في كتاب الأذان، باب كيف الأذان، برقم (632)
(6)
المجموع (3/ 132)
القول الثالث: أن أخذ الأجر لا يجوز إلا في حالة الحاجة من غير شرط، وبه قال متأخرو الحنفية (1) وهو قول عند الحنابلة (2).
والراجح من الأقوال هو جواز أخذ الأجرة على الأذان والإقامة في حالة الحاجة، فمتى دفع إليه ما يعينه على أداء الأذان كحاجته إليه فلا حرج عليه في ذلك؛ لأن الأذان يحبسه ويحتاج منه الأوقات.
لكن من وسَّع الله عليه وأحب أن يعمل بدون شيء من بيت المال، فذلك أفضل وأكمل؛ لأنه حينئذ تكون قربته كاملة ليس فيها شيء من النقص، بل عمل عمله كاملًا من دون شائبة.
أما من أخذ من بيت مال المسلمين فلا حرج عليه؛ لأن بيت المال للمسلمين عامة ولا سيما المصالح كالأذان والإقامة وأشباه ذلك. وهكذا الأوقاف التي توقف على المؤذنين والأئمة هذه كلها من باب التعاون على البر والتقوى، ومن باب تسهيل الأمور، وكون هناك راتب لمن يتفرغ لهذا الشيء أدعى إلى أن يلتزم ويقوم بهذا الأمر العظيم.
أما حديث عثمان بن أبي العاص المتقدم في النهي عن أخذ الأجرة على الأذان، فمحمول على المشارطة بينه وبين أهل المسجد أو بينه وبين بعض الناس الآخرين، فهذا هو الأقرب في ظاهر النص.
أما الذي يعطاه من بيت المال كما يعطى المدرس ويعطى الإِمام ويعطى المجاهد، فغير داخل في هذا الباب -إن شاء الله-، لكن الذي يتفرغ لهذا الشيء من
(1) المبسوط (1/ 140)، بدائع الصنائع (1/ 152)
(2)
مجموع فتاوى شيخ الإِسلام (30/ 202)، الإنصاف (1/ 409)