الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومع اتفاق الجمهور على فرضية تكبيرة الإحرام، فقد اختلفوا: هل هي شرط أم ركن؟
1 -
فالجمهور على أنها ركن لا تصح الصلاة إلا بها.
2 -
وذهب الحنفية إلى أنهما شرط خارج الصلاة، وليست من نفس الصلاة.
والصحيح: ما ذهب إليه الجمهور من كون تكبيرة الإحرام ركنًا، دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"إن هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"(1).
وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل التكبير كالقراءة. وأيضًا من الأدلة على ركنيتها أنه يشترط لها ما يشترط للصلاة، من استقبال القبلة والطهارة وستر العورة، ولولا أنهما من الأركان لجاز كسائر الشروط.
أحكام تتعلق بتكبيرة الإحرام:
1 -
يجب أن يأتي المصلي بتكبيرة الإحرام قائمًا، فإن لم يستطع فقاعدًا فإن لم يستطع فعلى جنب، فإن لم يستطع فمستلقيًا. لكن بماذا يتحقق القيام المأمور به؟ يكون القيام بنصب الظهر، فلا يجزئ إيقاع تكبيرة الإحرام جالسًا أو منحنيًا، وهذا يخطئ فيه كثير من الناس.
دليل ما ذكرناه حديث عمران بن حصين حيث كانت به بواسير، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب"(2) وفي
(1) أخرجه مسلمٌ في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة، برقم (537) من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاريُّ في أبواب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعدًا صلى على جنب، وقال عطاء: إن لم يقدر أن يتحول إلى القبلة صلى حيث كان وجهه، برقم (1066).
رواية عند البيهقي: "فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيًا رجله مما يلي القبلة"(1).
2 -
يجب على المصلي النطق بتكبيرة الإحرام بحيث يسمع نفسه، إلا أن يكون به عارض من طرش أو ما يمنعه السماع، فيأتي به بحيث لو كان سميعًا لأتى به. أما إن كان عاجزًا عن النطق بها لخرس به، فإنها تسقط عنه باتفاق الفقهاء، لكن هل يلزم الأخرس تحريك لسانه بها؟ على خلاف بين الفقهاء:
أ- فالمالكية (2) والحنابلة (3) وهو الصحيح عند الحنفية (4) أنه لا يجب على الأخرس تحريك لسانه، وإنما يجب عليه الإحرام بقلبه؛ لأن تحريك لسانه عبث رقم يرد الشرع به.
ب- وعند الشافعية (5) يجب على الأخرس تحريك لسانه وشفتيه قدر إمكانه.
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور من عدم وجوب تحريك لسان الأخرس.
3 -
هل يجوز الإتيان بتكبيرة الإحرام بغير العربية؟
أ- ذهب المالكية (6) والشافعية (7) والحنابلة (8) وأبو يوسف ومحمَّد من
(1) أخرجه البيهقيُّ في كتاب الصلاة، باب ما روي في كيفية الصلاة على الجنب أو الاستلقاء وفيه نظر، رقم (3493).
(2)
حاشية الدسوقي (1/ 233).
(3)
كشاف القناع (1/ 331)، المغني (2/ 830).
(4)
حاشية ابن عابدين (1/ 324).
(5)
مغني المحتاج (1/ 152).
(6)
الشرح الصغير (1/ 424).
(7)
المجموع (3/ 260).
(8)
المغني (2/ 129، 130).
الحنفية (1)، إلى أنه من كان يحسن العربية فإنه لا تجوز تكبيرة الإحرام منه بغيرها. وأجاز أبو حنيفة (2) كونها بغير العربية وإن كان يحسن العربية، وقال بأنه لو افتتح الصلاة بالفارسية وهو يحسن العربية، أجزأه.
ب- وقال المالكية بعدم إجزائها بغير العربية وإن كان لا يحسن العربية، فمتى عجز عن النطق بها بغير العربية، سقطت ككل فرض.
والصحيح: أنه لا تجوز تكبيرة الإحرام بغير العربية لمن كان يحسنها، أما من كان لا يعرف العربية ولا يستطيع النطق بها فإنه يكبر بلغته، ولا حرج عليه؛ لأنه لا يستطيع غيرها، دليل ذلك قوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (3)، وقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (4)، وقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(5).
4 -
هل تنعقد الصلاة بقول المصلي: "الله أَجَلُّ"، "الله أعظم" ونحو ذلك من ألفاظ التعظيم، أم يلزم الإتيان بقول:"الله أكبر"؟
أ- المذهب عند المالكية (6) والحنابلة (7) أنه لا تنعقد الصلاة إلا بقول: "الله أكبر" ولا يجزئ عندهم غيرها.
(1) بداع الصنائع (1/ 131).
(2)
المرجع السابق.
(3)
سورة التغابن: 16.
(4)
سورة البقرة: 286.
(5)
أخرجه البخاريُّ في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله، برقم (6858) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
الشرح الصغير على أقرب المسالك (1/ 423).
(7)
المغني (2/ 129).
ب- وذهب أبو حنيفة (1) إلى صحة الشروع في الصلاة بكل ذكر هو ثناء خالص لله تعالى يراد به تعظيمه لا غير، مثل أن يقول:"الله الأكبر الله الكبير، الله أجل، الله أعظم" أو يقول: "الحمد لله، سبحان الله" ونحو ذلك من صيغ التعظيم.
والصحيح ما ذهب إليه المالكية والحنابلة من أنه لا يجزئ الإتيان بغير "الله أكبر"، دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"وتحريمها التكبير"(2)، وقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته:"إذا قمت إلى الصلاة فكبر"(3) وأيضًا فإنه صلى الله عليه وسلم: "كان يفتتح الصلاة بها"(4) ولم ينقل عنه العدول عنها حتى فارق الدنيا، بل لم يُنْقَلْ عن صحابتِه الكرامِ العدولُ عنها إلى غيرها، ولا عن التابعين لهم بإحسان.
وكذلك فإن ألفاظ الذكر في الصلاة توقيفية، فما ورد فيه النص لا يجوز إبداله بغيره. ومن هنا نعلم أنه لا يجزئ الإتيان بغير تكبيرة الإحرام.
(1) بدائع الصنائع (1/ 130).
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب فرض الوضوء، برقم (61)، والترمذيُّ في كتاب أبواب الطهارة، باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور، برقم (3)، وصححه الألباني في الإرواء (2/ 9)، برقم (301) من حديث علي.
(3)
أخرجه البخاريُّ في كتاب صفة الصلاة، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يجهر فيها وما يخافت، برقم (724)، ومسلمٌ في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وأنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها، قرأ ما تيسر له من غيرها، برقم (397).
(4)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، برقم (783) من حديث عائشة رضي الله عنها.