الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"رأس الأمر الإِسلام"(1) ومن ذلك أيضًا حديث أبي أسامة رضي الله عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وحجوا بيتكم وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، تدخلوا جنة ربكم"(2).
ثالثًا: الإجماع:
انعقد الإجماع على فرضية الصلوات الخمس وتكفير من أنكرها (3)، واستُثني من ذلك من كان حديث عهد بكفر وجحد وجوبها، فإنه لا يكفر لكن يبين له الحق، فإن أعرض عن قبول الحق وأصر على جحودها كفر.
حكم تارك الصلاة:
لتارك الصلاة حالتان:
الحالة الأولى:
أن يتركها جحودًا لفرضيتها، فهذا لا خلاف بين العلماء في كفره؛ لأنه أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فإن تاب وإلا قتل كفرًا، وكذلك من جحد ركنًا أو شرطًا مجمعًا عليه فإنه يكفر بذلك.
لكن إن جحدها وهو حديث عهد بكفر فإنه لا يكفر إلا بعد بيان فرضيتها له، فإن أصرّ على جحده إياها كفر وصار مرتدًا.
الحالة الثانية: أن يتركها تهاونًا وكسلًا مع إقراره بفرضيتها، وهنا اختلف الفقهاء في حكمه:
(1) أخرجه الترمذيُّ في كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة برقم (2616)، وأحمدُ (5/ 22069) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.
(2)
رواه أحمد (5/ 262) برقم (22215) من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه.
(3)
المغني (3/ 351).
القول الأول: يرى الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3) أن من تركها تكاسلًا مع إقراره بفرضيتها ليس بكافر بل هو فاسق، واختلفوا في إقامة الحد عليه:
1 -
فقال المالكية (4) والشافعية (5): يقام عليه حد القتل إن أصرّ على عدم الصلاة، ويكون حكمه بعد الموت حكم المسلم فيغسل ويصلى عليه.
2 -
وقال الحنفية (6) لا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي أو يتوب، واحتجوا لذلك بأدلة منها:
1 -
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (7).
2 -
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان منه من العمل"(8).
3 -
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم -ومعاذ رديفه على الرحل- قال: "يا معاذ بن جبل" قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثلاثًا، قال: "ما من أحد يشهد
(1) حاشية ابن عابدين (1/ 235).
(2)
حاشية الدسوقي (1/ 189 - 190).
(3)
مغني المحتاج (1/ 372).
(4)
حاشية الدسوقي (1/ 189 - 190).
(5)
مغني المحتاج (1/ 372).
(6)
حاشية الدسوقي (1/ 235)، الفتاوى الهندية (1/ 50).
(7)
سورة النساء: 48.
(8)
أخرجه البخاريُّ في كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى:{إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} برقم (3252)(الفتح 6/ 342)، ومسلمٌ في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا برقم (28).
أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه، إلا حرمه الله على النار"، قال: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: "لا تبشرهم فيتكلوا" فأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا (1).
4 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه"(2).
5 -
وعن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له"(3).
6 -
وفي الصحيح في قصة عتبان بن مالك وفيها: "إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله"(4) وفيه: "فيخرج من النار من لم يعمل خيرًا قط"(5).
7 -
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدرس الإِسلام كما يدرس وَشْيُ الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من
(1) أخرجه البخاريُّ في كتاب العلم، باب من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا، برقم (128)، ومسلمٌ في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا، برقم (32).
(2)
أخرجه البخاريُّ في كتاب العلم، باب الحرص على الحديث، برقم (99).
(3)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، تفريع أبواب صلاة السفر، باب فيمن لم يوتر، برقم (1420)، وأحمدُ (5/ 315) رقم (22745)، (22772) من حديث عبادة بن صامت رضي الله عنه.
(4)
أخرجه البخاريُّ في أبواب المساجد، باب المساجد في البيوت وصلى البراء بن عازب في مسجده في داره جماعة، برقم (415).
(5)
أخرجه أحمد (3/ 116)، رقم (12174) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
الناس، الشيخ الكبير والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها" فقال له صلة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة ثم ردها عليه ثلاثًا كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة فقال: يا صلة، تنجيهم من النار، ثلاثًا (1).
فهذه الأدلة وغيرها تمنع من التكفير والتخليد وتوجب من الرجاء له ما يرجى لسائر أهل الكبائر.
قالوا: ولأن الكفر جحود التوحيد وإنكار الرسالة والمعاد وجحد ما جاء به الرسول، وهذا يقر بالوحدانية شاهدًا أن محمدًا رسول الله، مؤمنًا بأن الله يبعث من في القبور، فكيف يحكم بكفره؟ والإيمان هو التصديق وضده التكذيب لا ترك العمل، فكيف يحكم للمصدق بحكم المكذب الجاحد؟ (2).
أما أدلة قتله حدًا فقد استدلوا على ذلك بما رواه البخاري ومسلمٌ من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإِسلام وحسابهم على الله"(3).
واستدل الحنفية على عدم قتله بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة"(4).
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذهاب القرآن والعلم، برقم (4049) وصححه.
(2)
كتاب الصلاة وحكم تاركها، لابن القيم (ص: 37).
(3)
أخرجه البخاريُّ في كتاب الإيمان، باب الحياء من الإيمان، برقم (25)، ومسلمٌ في كتاب، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله
…
، برقم (22).
(4)
أخرجه البخاريُّ في كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب قوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ