الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَدَمِ تَأْثِيمِ الْمُخْطِئِ، وَالْمُجْتَهِدُ مَمْنُوعٌ مِنَ الأَْخْذِ بِغَيْرِ مَا اقْتَضَاهُ نَظَرُهُ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْوَرَعُ الَّذِي يَقْتَضِي خِلَافَ نَظَرِهِ، وَالْمُقَلِّدُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْوَرَعُ الَّذِي يَقْتَضِي خِلَافَ نَظَرِ مُقَلَّدِهِ (1) .
وَاسْتَشْكَل الشَّاطِبِيُّ أَيْضًا جَعْل الْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ وَرَعًا. قَال: لأَِنَّ أَكْثَرَ مَسَائِل الشَّرِيعَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، فَيُؤَوَّل إِلَى أَنْ تَكُونَ أَكْثَرُ مَسَائِل الشَّرِيعَةِ مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ، وَلأَِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يَكُونَ الْوَرَعُ مِنْ أَشَدِّ الْحَرَجِ، إِذْ لَا تَخْلُو لأَِحَدٍ عِبَادَةٌ أَوْ مُعَامَلَةٌ أَوْ أَمْرٌ مِنْ أُمُورِ التَّكْلِيفِ مِنْ خِلَافٍ يُطْلَبُ الْخُرُوجُ مِنْهُ. قَال: وَفِي هَذَا مَا فِيهِ (2) .
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (اخْتِلَاف ف 21 ـ 25) .
مَدَاخِل الْغَلَطِ فِي الْوَرَعِ:
10 -
قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: يَقَعُ الْغَلَطُ فِي الْوَرَعِ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ:
الأُْولَى:
اعْتِقَادُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَنَّ الْوَرَعَ لَا يَكُونُ إِلَاّ فِي تَرْكِ الْحَرَامِ، لَا فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ، فَتَرَى أَحَدَهُمْ يَتَوَرَّعُ عَنِ الْكَلِمَةِ الْكَاذِبَةِ، وَعَنِ الدِّرْهَمِ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَمَعَ هَذَا
(1) تهذيب الفروق لابن الشاط 4 / 210، الفرق 256.
(2)
الموافقات للشاطبي 1 / 104.
يَتْرُكُ أُمُورًا وَاجِبَةً عَلَيْهِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَحَقِّ جَارٍ وَمِسْكِينٍ وَابْنِ سَبِيلٍ، وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ وَأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ، قَال: وَهَذَا الْوَرَعُ قَدْ يُوقِعُ صَاحِبَهُ فِي الْبِدَعِ الْكِبَارِ (1) .
وَقَال ابْنُ رَجَبٍ: هَاهُنَا أَمْرٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ، وَهُوَ أَنَّ التَّدْقِيقَ فِي التَّوَقُّفِ عَنِ الشُّبُهَاتِ إِنَّمَا يَصْلُحُ لِمَنِ اسْتَقَامَتْ أَحْوَالُهُ كُلُّهَا، وَتَشَابَهَتْ أَعْمَالُهُ فِي التَّقْوَى وَالْوَرَعِ، فَأَمَّا مَنْ يَقَعُ فِي انْتِهَاكِ الْمُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَتَوَرَّعَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ دَقَائِقِ الشُّبَهِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْتَمَل لَهُ ذَلِكَ، بَل يُنْكَرُ عَلَيْهِ (2) كَمَا " قَال ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما لِرَجُلٍ مِنْ أَهْل الْعِرَاقِ سَأَلَهُ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ: يَسْأَلُونَنِي عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ وَقَدْ قَتَلُوا الْحُسَيْنَ، وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُول: هُمَا ـ أَيِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ـ رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا (3) .
الثَّانِيَةُ:
أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ تَنْفِرُ نَفْسُهُ عَنْ أَشْيَاءَ، لِعَادَةٍ وَنَحْوِهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِمَّا يُقَوِّي تَحْرِيمَهَا فِي نَظَرِهِ وَاشْتِبَاهَهَا عِنْدَهُ، وَيَكُونُ بَعْضُهُمْ فِي أَوْهَامٍ وَظُنُونٍ كَاذِبَةٍ، مَبْنَاهَا عَلَى
(1) مجموع الفتاوى الكبرى 20 / 139.
(2)
جامع العلوم والحكم لابن رجب 1 / 183 ط مؤسسة الرسالة.
(3)
حديث ابن عمر مع رجل من أهل العراق أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 426) .