الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُلْكَ فَلَوْ كَانَ النُّمْرُودُ فَقِيرًا حَقِيرًا مُبْتَلًى بِالْحَاجَاتِ وَالضَّرُورَاتِ لَمْ تَحْتَدَّ نَفْسُهُ إِلَى مُنَازَعَةِ إِبْرَاهِيمَ وَدَعْوَاهُ الإِْحْيَاءَ أَوِ الإِْمَاتَةَ، وَتَعَرُّضِهِ لإِِحْرَاقِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام بِالنِّيرَانِ، وَإِنَّمَا وَصَل إِلَى هَذِهِ الْمَعَاطِبِ وَالْمَهَالِكِ بِسَبَبِ أَنَّهُ مَلِكٌ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْكُفَّارِ:{قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَْرْذَلُونَ (1) } ، وَفِي الآْيَةِ الأُْخْرَى {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَاّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ (2) } ، فَحَصَل مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَتْبَاعَ الأَْنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالْمُبَادِرِينَ إِلَى تَصْدِيقِهِمْ إِنَّمَا هُمُ الْفُقَرَاءُ وَالضُّعَفَاءُ، وَأَعْدَاءُ الأَْنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَمُعَانِدُوهُمْ هُمُ الأَْغْنِيَاءُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (3) } ، وَفِي الآْيَةِ الأُْخْرَى:{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَاّ قَال مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (4) } ، وَلَمْ يَقُل: إِلَاّ قَال فُقَرَاؤُهَا. فَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ أَنَّ الأَْكْثَرِينَ فِي هَذِهِ الدَّارِ هُمُ الأَْقَلُّونَ فِي تِلْكَ الدَّارِ، وَالأَْقَلُّونَ فِي هَذِهِ الدَّارِ هُمُ الأَْكْثَرُونَ فِي
(1) سورة الشعراء / 111.
(2)
سورة هود / 27.
(3)
سورة الأحزاب / 67.
(4)
سورة الزخرف / 40.
تِلْكَ الدَّارِ، فَهَذَا وَجْهُ مَا كَانَ السَّلَفُ يَعْتَمِدُونَهُ مِنَ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ فِي الْمُبَاحَاتِ، وَهُوَ وَجْهُ لُزُومِ الذَّمِّ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ:{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} فَهَذَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ (1) .
تَقْدِيمُ الأَْوْرَعِ فِي إِمَامَةِ الصَّلَاةِ:
13 -
يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْوَرَعَ رُتْبَةٌ تَسْتَتْبِعُ اسْتِحْقَاقَ التَّقْدِيمِ لإِِمَامَةِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الأَْحَقَّ بِالإِْمَامَةِ عِنْدَهُمُ الأَْعْلَمُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ الأَْحْسَنُ تِلَاوَةً لِلْقِرَاءَةِ، ثُمَّ الأَْوْرَعُ (2)، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنْ سَرَّكُمْ أَنْ تُقْبَل صَلَاتُكُمْ فَلْيَؤُمَّكُمْ خِيَارُكُمْ (3) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: تَقْدِيمُ الأَْوْرَعِ بَعْدَ السُّلْطَانِ وَرَبِّ الْبَيْتِ وَزَائِدِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ. (4)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلَانِ فِي تَقْدِيمِ الأَْوْرَعِ عَلَى
(1) الفروق 4 / 220 ـ 221.
(2)
حاشية ابن عابدين 1 / 374، والفتاوى الهندية 1 / 83، وفتح القدير 1 / 303.
(3)
حديث: " إن سركم أن تقبل صلاتكم. . . أخرجه الطبراني في الكبير (20 / 328 ـ ط العراق) من حديث مرثد بن مرثد، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2 / 64 ـ ط القدسي) : فيه يحيى بن يعلى الأسلمي، وهو ضعيف.
(4)
الدسوقي على الشرح الكبير للدردير 1 / 344، 345.