الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِلْفُقَهَاءِ فِي خَلْطِ مَال الْوَصِيِّ بِمَال الْيَتِيمِ تَفْصِيلٌ:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لِوَصِيِّ الأَْيْتَامِ أَنْ يَخْلِطَ نَفَقَتَهُمْ فَيُنْفِقُهَا عَلَيْهِمْ جُمْلَةً إِذَا كَانَ ذَلِكَ أَنْفَعَ لَهُمُ، اتَّحَدَ مُورِّثُهُمْ أَوِ اخْتَلَفَ. (1)
دَلَّل الْجَصَّاصُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ بِقَوْل اللَّهِ عز وجل ( {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُل إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأََعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} )(2)، قَائِلاً: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ خَلْطِ مَال الْيَتِيمِ بِمَال الْوَلِيِّ، وَهَذِهِ الْمُخَالَطَةُ مَقْصُودَةٌ بِشَرِيطَةِ الإِْصْلَاحِ لِلْيَتِيمِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَقْدِيمُهُ ذِكْرَ الإِْصْلَاحِ فِيمَا أَجَابَ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْيَتَامَى ( {قُل إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} )(3) .
وَالثَّانِي (4) : قَوْلُهُ ( {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} )(5) .
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِخَلْطِ الْوَصِيِّ نَفَقَةَ يَتِيمِهِ بِمَالِهِ إِذَا كَانَ رِفْقًا لِلْيَتِيمِ،
(1) مَجْمَع الضَّمَانَات لاِبْن غَانِم ص411.
(2)
سُورَة الْبَقَرَة: 220.
(3)
سُورَة الْبَقَرَة: 220.
(4)
أَحْكَام الْقُرْآنِ لِلْجَصَّاصِ 1 / 332.
(5)
سُورَة الْبَقَرَة: 220.
وَيَمْتَنِعُ رِفْقًا لِلْوَلِيِّ، وَلأَِنَّ الإِْفْرَادَ قَدْ يَشُقُّ وَخَاصَّةً فِي بَيْتٍ. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَيْسَ لِلْوَصِيِّ خَلْطُ مَالِهِ بِمَال الْيَتِيمِ إِلَاّ فِي الْمَأْكُول كَالدَّقِيقِ وَاللَّحْمِ لِلطَّبْخِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلإِْرْفَاقِ (2) ، وَعَلَيْهِ حُمِل قَوْلُهُ تَعَالَى ( {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ} )(3) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لِوَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ خَلْطُ نَفَقَةِ مُوَلِّيهِ بِمَالِهِ إِذَا كَانَ خَلْطُهَا أَرْفَقَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} )(4) ، وَإِنْ كَانَ إِفْرَادُهُ أَرْفَقَ بِهِ أَفْرَدَهُ مُرَاعَاةً لِلْمَصْلَحَةِ. (5)
قِسْمَةُ الْوَصِيِّ نِيَابَةً عَنِ الْمُوصَى لَهُ أَوْ عَنِ الْوَرَثَةِ:
73 -
أَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ قِسْمَةَ الْوَصِيِّ نِيَابَةً عَنِ الْوَرَثَةِ الْكِبَارِ الْغُيَّبِ أَوِ الصِّغَارِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ، وَلَا رُجُوعَ لِلْوَرَثَةِ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمُوصَى لَهُ إِنْ ضَاعَ قِسْطُهُمْ مَعَهُ لِصِحَّةِ قِسْمَةِ الْوَصِيِّ حِينَئِذٍ.
وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يُوصِيَ الرَّجُل إِلَى رَجُلٍ، وَأَنْ يُوصِيَ لآِخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلَهُ وَرَثَةٌ صِغَارٌ
(1) الذَّخِيرَة 8 / 241 - 242.
(2)
مُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 78، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 6 / 322.
(3)
سُورَة الْبَقَرَة: 220.
(4)
سُورَة الْبَقَرَة: 220.
(5)
مَطَالِب أُولِي النُّهَى 3 / 413، وَالْمُغْنِي 4 / 268.
أَوْ كِبَارٌ غُيَّبٌ، فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ نَائِبًا عَنِ الْوَرَثَةِ، وَأَعْطَاهُ الثُّلُثَ، وَأَمْسَكَ الثُّلُثَيْنِ لِلْوَرَثَةِ، فَالْقِسْمَةُ نَافِذَةٌ عَلَى الْوَرَثَةِ، لأَِنَّ الْوَرَثَةَ وَالْوَصِيَّ كِلَاهُمَا خَلَفٌ عَنِ الْمَيِّتِ وَيَصِحُّ أَنْ يَقُومَ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الآْخَرِ.
أَمَّا عَكْسُ ذَلِكَ: وَهُوَ مُقَاسَمَةُ الْوَصِيِّ مَعَ الْوَارِثِ نَائِبًا عَنِ الْمُوصَى لَهُ، فَلَا تَصِحُّ هَذِهِ الْقِسْمَةُ، لأَِنَّ الْمُوصَى لَهُ لَيْسَ بِخَلِيفَةٍ لِلْمَيِّتِ مِنْ كُل وَجْهٍ، فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيِّ مُنَاسَبَةٌ حَتَّى يَقُومَ الْوَصِيُّ مَقَامَهُ فِي نُفُوذِ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِ.
وَحَيْثُ لَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ نِيَابَةً عَنِ الْمُوصَى لَهُ مَعَ الْوَرَثَةِ، فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ الرُّجُوعُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنَ الْمَال إِذَا ضَاعَ قِسْطُهُ، لأَِنَّهُ كَالشَّرِيكِ مَعَهُ أَيْ مَعَ الْوَصِيِّ، وَلَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ لأَِنَّهُ أَمِينٌ. (1)
وَتَصِحُّ قِسْمَةُ الْقَاضِي وَأَخْذُهُ قِسْطَ الْمُوصَى لَهُ إِنْ غَابَ الْمُوصَى لَهُ، لأَِنَّهُ نَاظِرٌ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ، وَإِفْرَازُ نَصِيبِ الْغَائِبِ وَقَبْضُهُ مِنَ النَّظَرِ، فَنَفَذَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَصَحَّ، وَلَا شَيْءَ لَهُ إِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ، وَهَذَا فِي الْمَكِيل وَالْمَوْزُونِ، لأَِنَّهُ إِفْرَازٌ، وَفِي غَيْرِهِمَا لَا تَجُوزُ
(1) تَبْيِين الْحَقَائِقِ شُرِحَ كَنْز الدَّقَائِق للزيلعي 6 / 210، وَالدَّرّ الْمُخْتَار مَعَ حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 6 / 707.
لأَِنَّهُ مُبَادَلَةٌ كَالْبَيْعِ، وَبَيْعُ مَال الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا الْقِسْمَةُ. (1)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: وَلَا يَقْسِمُ الْوَصِيُّ عَلَى غَائِبٍ بِلَا حَاكِمٍ، فَإِنْ قَسَمَ بِلَا حَاكِمٍ: فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ وَتُرَدُّ، وَالْمُشْتَرُونَ الْعَالِمُونَ غُصَّابٌ لَا غَلَّةَ لَهُمْ وَيَضْمَنُونَ حَتَّى السَّمَاوِيَّ. (2)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَسْتَقِل بِقِسْمَةِ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُوصَى عَلَيْهِ، لأَِنَّ الْقِسْمَةَ إِنْ كَانَتْ بَيْعًا فَلَيْسَ لَهُ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ إِقْرَارًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ بَل يَتَوَلَّى الْحَاكِمُ الْقِسْمَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (3) .
وَجَاءَ فِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ: وَلَا يَسْتَقِل بِقِسْمَةِ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، لأَِنَّ الْقِسْمَةَ إِنْ كَانَتْ بَيْعًا فَلَيْسَ لَهُ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ، أَوْ إِقْرَارًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ. (4)
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يَجُوزَ لِلْوَصِيِّ قَسْمُ مَال الْمُوصَى عَلَيْهِ مَعَ شَرِيكِهِ، وَقَالُوا: وَلِيُّ الْمُوَلَّى
(1) الدَّرّ الْمُخْتَار، وَمَعَ حَاشِيَة رَدّ الْمُحْتَارِ 6 / 707.
(2)
شَرْح الزُّرْقَانِيّ عَلَى مُخْتَصَر خَلِيل 8 / 210.
(3)
مُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 78، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 6 / 322 وَأَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 73، وَحَاشِيَة الْجُمَل عَلَى شَرْحِ الْمَنْهَجِ 4 / 74.
(4)
مُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 78.