الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِكُل حَالٍ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ التَّجْوِيزَ هَوَسٌ، فَالْوَرَعُ فِيهِ وَسْوَسَةٌ شَيْطَانِيَّةٌ، إِذْ لَيْسَ فِيهِ مِنْ مَعْنَى الشُّبْهَةِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نَوْعُ قُوَّةٍ فَالْوَرَعُ مُرَاعَاتُهُ (1) .
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ (2) : قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا -: " وَكَيْفَ وَقَدْ قِيل؟ دَعْهَا عَنْكَ "(3) وَقَوْلُهُ لِزَوْجَتِهِ سَوْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لَمَّا اخْتَصَمَ أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي ابْنِ وَلِيدَةِ أَبِيهَا زَمْعَةَ، فَأَلْحَقَهُ صلى الله عليه وسلم بِأَبِيهَا بِحُكْمِ الْفِرَاشِ، وَلَكِنَّهُ رَأَى فِيهِ شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ أَخِي سَعْدٍ -: " احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ (4) .
وَصْفُ حَال بَعْضِ أَهْل الْوَسْوَسَةِ:
11 -
قَال أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ الشَّافِعِيُّ: مِنَ الَّذِينَ يَعْتَرِيهِمُ الْوَسْوَاسُ مَنْ يَرْكَبُ رَأْسَهُ، وَيُجَاوِزُ حُدُودَ الأُْصُول، وَقَدْ رَأَيْتُ مِنْهُمْ مَنْ يُكَرِّرُ تَحْرِيمَتَهُ لِلْمَكْتُوبَةِ حَتَّى يُشْرِفَ وَقْتُهَا عَلَى
(1) الْفَتْح الْمُبِين فِي شَرْحٍ الأَْرْبَعِينَ النَّوَوِيَّة للهيتمي ص 117، 118.
(2)
الْفَتْح الْمُبِين فِي شَرْحٍ الأَْرْبَعِينَ ص 116.
(3)
حَدِيث: " وَكَيْفَ وَقَدْ قِيل " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (الْفَتْح 5 / 268) مِنْ حَدِيثِ عُقْبَة بْن الْحَارِث.
(4)
حَدِيث: " احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَة " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (الْفَتْح 4 / 292) .
الاِنْقِضَاءِ، أَوْ تَفُوتَهُ الْجُمُعَةُ مَعَ الإِْمَامِ، أَوْ رَكْعَةٌ مِنْهَا. وَإِذَا تَعَاطَى الْمَاءَ لِلطَّهَارَةِ أَسْرَفَ مِنْهُ قُلَّةً أَوْ قِلَالاً (1) .
وَقَال ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَبَعْضُ الْمُوَسْوَسِينَ يَغْسِل الثَّوْبَ الطَّاهِرَ مِرَارًا، وَرُبَّمَا لَمَسَهُ مُسْلِمٌ فَيَغْسِلُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْسِل ثِيَابَهُ فِي دِجْلَةَ، لَا يَرَى غَسْلَهَا فِي الْبَيْتِ يُجْزِئُ.
قَال: وَمَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ تَعْمَل هَذَا، بَل قَدْ صَلَّوْا فِي ثِيَابِ فَارِسَ لَمَّا فَتَحُوهَا، وَاسْتَعْمَلُوا أَكْسِيَتَهُمْ، وَالشَّرِيعَةُ سَمْحَةٌ سَلِيمَةٌ مِنْ هَذِهِ الآْفَاتِ (2) .
الشُّبْهَةُ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْوَسْوَسَةِ وَكَشْفُهَا:
12 -
تَنْشَأُ الشُّبْهَةُ الْمُؤَدِّيَةُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ مِنَ التَّصَوُّرِ الْخَاطِئِ لِمَعْنَى الاِحْتِيَاطِ وَاتِّقَاءِ الشُّبُهَاتِ الْمَفْهُومِ مِنْ ظَاهِرِ قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ (3) . وَقَوْلِهِ:
(1) التَّبْصِرَة فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الاِحْتِيَاطِ وَالْوَسْوَسَةِ للجويني ص 178، الْقَاهِرَة، مُؤَسَّسَة قُرْطُبَة، 1993، وَنُقِل النَّوَوِيّ فِي الْمَجْمُوعِ (1 / 260 وَمَا بَعْدَهَا) صورا مِمَّا أَوْرَدَهُ الْجُوَيْنِيّ فِي التَّبْصِرَةِ مِنْ أَفْعَال بَعْض الْمُوَسْوَسِينَ.
(2)
تَلْبِيس إِبْلِيس لاِبْنِ الْجَوْزِيِّ ص 137، 138، 140 بَيْرُوت، دَار الْكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ.
(3)
حَدِيث: " دَعْ مَا يُرِيبُك إِلَى مَا لَا يُرِيبُك ". أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ (4 / 668 - ط الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ الْحَسَن بْن عَلِيّ وَقَال: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
مَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ (1) .
وَقَدْ جَرَتْ كَثِيرٌ مِنْ مَسَائِل الْفِقْهِ عَلَى قَاعِدَةِ الاِحْتِيَاطِ، فَظَنَّ الْمُوَسْوَسُونَ أَنَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْوَسْوَسَةِ دَاخِلٌ فِي قَاعِدَةِ الاِحْتِيَاطِ، وَرَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ مِنَ التَّفْرِيطِ، كَمَنْ لَا يُبَالِي كَيْفَ يَتَوَضَّأُ، وَلَا بِأَيِّ مَاءٍ تَوَضَّأَ، وَلَا بِأَيِّ مَكَانٍ صَلَّى، وَلَا يُبَالِي مَا أَصَابَ ثَوْبَهُ، فَيَحْمِل الأُْمُورَ كُلَّهَا عَلَى الطَّهَارَةِ، وَرَأَوْا أَنَّ الاِسْتِقْصَاءَ وَالتَّشْدِيدَ وَالاِجْتِهَادَ فِي الاِحْتِيَاطِ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ (2) .
وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ فِي مَعْرِضِ كَشْفِ شُبُهَاتِ أَهْل الْوَسْوَسَةِ: إِنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ الَّذِي أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهِ هُوَ قَصْدُ السَّبِيل، وَمَا خَرَجَ عَنْهُ فَهُوَ مِنَ السُّبُل الْجَائِرَةِ، فَالْمِيزَانُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الاِسْتِقَامَةُ وَالْجَوْرُ هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، وَقَدْ قَال صلى الله عليه وسلم: إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ (3) ، وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ
(1) حَدِيث: " مَنِ اتَّقَى الشُّبَهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعَرَضِهِ ". تَقَدَّمَ تَخْرِيجه (ف 10) .
(2)
إِغَاثَة اللَّهْفَان 1 / 148.
(3)
حَدِيث: " إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ (5 / 268 - ط الْمَكْتَبَة التِّجَارِيَّة) مِنْ حَدِيثِ ابْن عَبَّاسٍ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيّ فِي الْمَجْمُوعِ (7 / 171) .
التَّشْدِيدِ فِي الدِّينِ (1) .
وَأَهْل الْوَسْوَاسِ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشُدِّدَ عَلَيْهِمْ حَتَّى اسْتَحْكَمَ ذَلِكَ فِيهِمْ وَصَارَ صِفَةً لَازِمَةً لَهُمْ.
فَمَنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ هَذِهِ الْبَلِيَّةِ فَلْيَسْتَشْعِرْ أَنَّ الْحَقَّ فِي اتِّبَاعِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، وَلْيَعْزِمْ عَلَى سُلُوكِ طَرِيقَتِهِ عَزِيمَةَ مَنْ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَأَنَّ مَا خَالَفَهُ فَهُوَ مِنْ تَسْوِيل إِبْلِيسَ وَوَسْوَسَتِهِ، وَلْيَنْظُرْ فِي أَحْوَال السَّلَفِ فَلْيَقْتَدِ بِهِمْ (2) .
فَفِي مَسْأَلَةِ الإِْسْرَافِ فِي مَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْل قَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِل بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ (3) .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الأُْمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ (4) وَوَرَدَ فِي
(1) وَرَدَ ذَلِكَ فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم: " هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (4 / 2055) مِنْ حَدِيثِ ابْن مَسْعُود.
(2)
إِغَاثَة اللَّهْفَان 1 / 150، 155.
(3)
حَدِيث: " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالْمَدِّ. . . ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (الْفَتْح 1 / 304) وَمُسْلِم (1 / 258) مِنْ حَدِيثِ أَنَس، وَاللَّفْظِ لِمُسْلِم.
(4)
حَدِيث: " سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الأُْمَّةِ قَوْم يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاء " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (1 / 73 - ط حِمْص) وَالْحَاكِم (1 / 540 - ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ الْعُثْمَانِيَّة) وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيّ.