الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، بِدَلِيل مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا:". . . ثُمَّ دَعَا - أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَال: هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الأَْنْبِيَاءِ قَبْلِي (1) ، وَمَا ثَبَتَ لِلأَْنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يَثْبُتُ لأُِمَمِهِمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام لَمَّا مَرَّ عَلَى الْجَبَّارِ وَمَعَهُ سَارَّةُ ". . . أَنَّهَا لَمَّا دَخَلَتْ عَلَى الْجَبَّارِ تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ وَدَعَتِ اللَّهَ عز وجل (2) ، وَمَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ جُرَيْجٍ الرَّاهِبِ لَمَّا رَمَوْهُ بِالْمَرْأَةِ " أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ قَال لِلْغُلَامِ: مَنْ أَبُوكَ؟ قَال: هَذَا الرَّاعِي "(3) .
وَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي هُوَ مِنْ خَصَائِصِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا هُوَ الْكَيْفِيَّةُ الْمَخْصُوصَةُ، أَوْ أَثَرُ الْوُضُوءِ، وَهُوَ بَيَاضُ مَحَلِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُسَمَّى
(1) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: " هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الأَْنْبِيَاءِ قَبْلِي " أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ (1 / 80 - ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ) ، وضعّفه ابْن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي (1 / 236 - ط السَّلَفِيَّة)
(2)
حَدِيث قِصَّةِ إِبْرَاهِيم عليه السلام: " وَأَنْ سَارَّة تَوَضَّأَتْ وَصَلَتْ. . . " أَخْرَجَهُ البخاري (فَتْح الْبَارِي 4 / 410 - ط السَّلَفِيَّة)
(3)
حَدِيث: قِصَّةٌ جريج الرَّاهِب أُخْرِجُهُ البخاري (فَتْح الْبَارِي 6 / 477) ، ومسلم (4 / 1977)
بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيل (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ، وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ خَصَائِصَ هَذِهِ الأُْمَّةِ، (2) مُسْتَدِلِّينَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لأَِحَدٍ مِنَ الأُْمَمِ، تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ (3) .
مَكَانُ فَرْضِ الْوُضُوءِ وَزَمَانُهُ:
6 ـ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْوُضُوءَ فُرِضَ بِمَكَّةَ مَعَ فَرْضِ الصَّلَاةِ، وَالْمَعِيَّةُ هُنَا لِلْمَكَانِ لَا لِلزَّمَانِ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْل الاِفْتِرَاضِ بِلَا وُضُوءٍ، وَقَدْ كَانَ يُصَلِّي قَبْل فَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قَطْعًا، وَلَمْ يُصَل قَطُّ إِلَاّ بِوُضُوءٍ، قَال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا مِمَّا لَا يَجْهَلُهُ عَالِمٌ، وَلَمْ
(1) رَدّ الْمُحْتَارِ عَلَى الدَّرِّ الْمُخْتَارِ 1 / 61ـ62، ومواهب الْجَلِيل 1 / 180، وحاشيتا الْقَلْيُوبِيّ وَعَمِيرَة عَلَى شَرْح الْمُحَلَّى 1 / 44ـ45، وحاشية الرَّمْلِيّ عَلَى أَسْنَى الْمَطَالِب 1 / 28، وحاشية الْجُمَل عَلَى شَرْحِ الْمَنْهَجِ 1 / 100، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 47، وكشاف الْقِنَاع 1 / 109، وفتح الْبَارِي شَرْح صَحِيح الْبُخَارِيّ 1 / 236
(2)
الْمَرَاجِع السَّابِقَة
(3)
حَدِيث: " لَكُمْ سِيَّمَا لَيْسَتْ لأَِحَدٍ مِنَ الأُْمَمِ " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (1 / 217) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
يُنْقَل وُقُوعُ صَلَاةٍ لِغَيْرِ عُذْرٍ بِدُونِهِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: لَا تُقْبَل صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ (1) أَيْ بِالْمَاءِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ (2) فَأَطْلَقَ الشَّارِعُ عَلَى التَّيَمُّمِ أَنَّهُ وُضُوءٌ لِكَوْنِهِ قَامَ مَقَامَهُ.
وَقَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِنَّ الْوُضُوءَ شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الأُْصُول أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إِذَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ نَسْخُهُ. وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَرَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ فَائِدَةَ نُزُول آيَةِ الْوُضُوءِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ، مَعَ أَنَّ الْوُضُوءَ فُرِضَ بِمَكَّةَ: تَقْرِيرُ حُكْمِهِ الثَّابِتِ، فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً، بَل تَابِعًا لِلصَّلَاةِ احْتُمِل أَنْ لَا تَهْتَمَّ الأُْمَّةُ بِشَأْنِهِ، وَأَنْ يَتَسَاهَلُوا فِي شَرَائِطِهِ وَأَرْكَانِهِ بِطُول الْعَهْدِ عَنْ زَمَنِ الْوَحْيِ وَانْتِقَاصِ النَّاقِلِينَ يَوْمًا فَيَوْمًا، بِخِلَافِ مَا إِذَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ
(1) حَدِيث: " لَا تَقْبَل صَلَاة مِنْ أَحْدَثِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ " أَخْرَجَهُ البخاري (الْفَتْح 1 / 234) ، ومسلم (1 / 204) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
(2)
حَدِيث: " إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ وُضُوء الْمُسْلِمِ " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ (1 / 212)، وَقَال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
الْمُتَوَاتِرِ الْبَاقِي فِي كُل زَمَانٍ وَعَلَى كُل لِسَانٍ.
وَمِنَ الْفَائِدَةِ كَذَلِكَ تَأَتِّي اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ الَّذِي هُوَ رَحْمَةٌ، وَذَلِكَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِ، كَالنِّيَّةِ، وَالدَّلْكِ، وَالتَّرْتِيبِ، وَقَدْرِ الْمَسْمُوحِ، وَنَقْضِهِ بِالْمَسِّ، وَكَذَلِكَ اشْتِمَال الآْيَةِ عَلَى أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ مَبْسُوطَةٍ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا قَبْل فَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَا يُصَلُّونَ إِلَاّ بِالْوُضُوءِ، لَكِنْ عَلَى سَبِيل النَّدْبِ أَوِ النَّظَافَةِ؛ لأَِنَّهُ مِنَ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، كَمَا دَلَّتِ الأَْحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا.
وَكَانَ الْوُضُوءُ وَاجِبًا فِي صَدْرِ الإِْسْلَامِ لِكُل صَلَاةٍ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ( {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} )(1) ثُمَّ نُسِخَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ - إِلَاّ مَعَ الْحَدَثِ - وَصَارَ يُؤَدَّى بِهِ صَلَوَاتٌ كَثِيرَةٌ مَعَ بَقَاءِ طَلَبِهِ (2) . (ر: شَرْع مَنْ قَبْلَنَا ف 3) .
(1) سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 6
(2)
الدَّرّ الْمُخْتَار وَرَدّ الْمُحْتَارِ 1 / 61ـ62، والتمهيد لاِبْن عَبْد الْبَرّ 19 / 279، وفتح الْبَارِي 1 / 233ـ236، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 47، وحاشية الْجُمَل 1 / 100، وحاشية الْقَلْيُوبِيّ 1 / 44ـ45، والمستصفى مِنْ عِلْمِ الأُْصُول لِلْغَزَالِيِّ 1 / 251، وحاشية الشبراملسي مَعَ نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ إِلَى شَرْحِ الْمِنْهَاجِ 1 / 139، وفتح الْقَدِير لاِبْن الْهُمَام وَشَرْح الْعِنَايَةِ عَلَى الْهِدَايَةِ للبابرتي 1 / 8