الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَضْمَنْ إِلَاّ الْمُتْلَفَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ اتِّصَالٌ، كَتَحْرِيقِ بَعْضِ الثَّوْبِ، وَقَطْعِ طَرَفِ الْبَهِيمَةِ، نُظِرَ: إِنْ كَانَ عَامِدًا، فَهُوَ جَانٍ عَلَى الْكُل، فَيَضْمَنُ الْجَمِيعَ. وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا، ضَمِنَ الْمُتْلَفَ، وَلَا يَضْمَنُ الْبَاقِيَ عَلَى الأَْصَحِّ. وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا طَرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهَا لَزِمَهُ النُّقْصَانُ. (1)
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: تَلَفُ الْوَدِيعَةِ لِعَدَمِ دَفْعِ الْمُسْتَوْدَعِ الْهَلَاكَ عَنْهَا:
39 - إِذَا تَلِفَتِ الْوَدِيعَةُ بِسَبَبِ امْتِنَاعِ الْوَدِيعِ عَنْ دَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْهَا، كَمَا إِذَا وَقَعَ حَرِيقٌ فِي بَيْتِهِ، فَلَمْ يَنْقُل الْوَدِيعَةَ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ؟ اخْتُلِفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الأَْوَّل: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ ضَامِنًا لَهَا. وَذَلِكَ لأَِنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ الْوَدِيعَةِ إِلَى مَحَلٍّ آخَرَ طَرِيقًا لِحِفْظِهَا، وَبِتَرْكِهِ الْحِفْظَ الْمُلْتَزَمَ بِالْعَقْدِ وَالْمُتَعَيَّنَ عَلَيْهِ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْهُ، صَارَ كَالْمُتْلِفِ لَهَا. (2)
(1) رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 6 / 336، وَانْظُرْ أَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 80، وَحَاشِيَة الشرواني عَلَى تُحْفَة الْمُحْتَاج 7 / 123، وَدُرَر الْحُكَّام 2 / 253.
(2)
الْعُقُود الدُّرِّيَّة لاِبْنِ عَابِدِينَ 2 / 70، وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 4 / 346، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 451، وَالْمُغْنِي 9 / 264، وَانْظُرِ الْمَادَّة (787) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّة، وَشَرْح الْمَجَلَّةِ لِلأَْتَاسِيِّ 3 / 262، وَالْمَادَّة (1361) مِنْ مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَذْهَب أَحْمَدَ.
وَالثَّانِي: لِلشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ لأَِنَّ النَّارَ أَتْلَفَتْهَا، وَهَذَا كَالرَّجُل الْمُسْلِمِ تُحِيطُ بِهِ النَّارُ، وَرَجُلٌ مُسْلِمٌ قَادِرٌ عَلَى إِخْرَاجِهِ، فَلَمْ يَفْعَل، فَهُوَ عَاصٍ، وَلَا عَقْل عَلَيْهِ وَلَا قَوَدَ. (1)
ب ـ إِيدَاعُ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ الْغَيْرِ:
40 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَإِسْحَاقُ وَالْقَاضِي شُرَيْحٌ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَدِيعِ أَنْ يُودِعَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ غَيْرِهِ ـ مِمَّنْ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ أَوْ مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ عَادَةً ـ عِنْدَ غَيْرِ الشَّافِعِيَّةِ بِدُونِ إِذْنِ الْمَالِكِ، مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. فَإِنْ فَعَل ذَلِكَ صَارَ ضَامِنًا، حَتَّى وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ أَمِينًا.
لأَِنَّ الْمُودِعَ إِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي حِفْظِهَا تَحْتَ يَدِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي وَضْعِهَا تَحْتَ يَدِ غَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَل ذَلِكَ، كَانَ مُتَعَدِّيًا، لِخُرُوجِهِ فِي حِفْظِهَا عَنِ الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَلأَِنَّ النَّاسَ
(1) الإِْشْرَاف عَلَى مَذَاهِبِ أَهْل الْعِلْمِ لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 264، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 3 / 84، وَتُحْفَة الْمُحْتَاج 7 / 112.
مُتَفَاوِتُونَ فِي الْحِفْظِ وَالأَْمَانَةِ، وَالْمُودِعُ إِنَّمَا رَضِيَ بِحِفْظِهِ وَأَمَانَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى أَنْ يُودِعَهَا غَيْرَهُ، فَإِذَا دَفَعَهَا إِلَى أَجْنَبِيٍّ، فَقَدْ صَارَ تَارِكًا الْحِفْظَ الَّذِي الْتَزَمَهُ، مُسْتَحْفِظًا عَلَيْهَا مَنِ اسْتَحْفَظَ مِنْهُ، وَذَلِكَ تَفْرِيطٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ. وَإِنَّمَا اسْتَثْنَيْتُ حَالَةَ الْعُذْرِ، لأَِنَّ الدَّفْعَ إِلَيْهِ فِيهَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْحِفْظِ، فَكَانَ مَأْذُونًا بِهِ مِنَ الْمَالِكِ دَلَالَةً، فَارْتَفَعَ سَبَبُ الضَّمَانِ. (1)
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، فَقَال: لَهُ إِيدَاعُهَا عِنْدَ الأَْجْنَبِيِّ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ، لأَِنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ إِحْرَازُهَا وَحِفْظُهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ بِهِ مَالَهُ، فَالإِْنْسَانُ قَدْ يُودِعُ مَال نَفْسِهِ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُودِعَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَهُ، كَمَا لَوْ حَفِظَهَا فِي حِرْزِهِ. وَبِأَنَّ
(1) رَدّ الْمُحْتَارِ 4 / 495، الْعُقُود الدُّرِّيَّة 2 / 71، وَالْمَبْسُوط 11 / 113، وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 4 / 340، وَبَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 208، وَالْبَحْر الرَّائِق 7 / 274، وَتُحْفَة الْمُحْتَاج 7 / 105، وَأَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 76، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 6 / 327، والقليوبي وَعَمِيرَة 3 / 182، وَالْقَوَانِين الْفِقْهِيَّة ص 379، وَالتَّاج وَالإِْكْلِيل 5 / 257، وَالإِْشْرَاف لِلْقَاضِي عَبْد الْوَهَّاب 2 / 41، 42، وَالزُّرْقَانِيَّ عَلَى خَلِيلٍ 6 / 117، وَكِفَايَة الطَّالِبِ الرَّبَّانِيِّ وَحَاشِيَة الْعَدَوِيّ عَلَيْهِ 2 / 254، وَالْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَةَ 9 / 259، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 4 / 193، وَالْمُبْدِع 5 / 238، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 452.
مِنْ مَلَكَ شَيْئًا بِنَفْسِهِ، مَلَكَ تَفْوِيضَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ مَلَكَ الْوَدِيعُ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ، فَيَمْلِكُ تَفْوِيضَهُ إِلَى غَيْرِهِ. (1)
وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ إِيدَاعِ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ عِيَالِهِ فِي الْفِقْرَةِ (26) .
41 -
أَمَّا إِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي إِيدَاعِهَا عِنْدَ الأَْجْنَبِيِّ، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ إِلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُودِعَهَا عِنْدَ ثِقَةٍ مَأْمُونٍ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى دَفْعِهَا إِلَى الْحَاكِمِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ، لأَِنَّهُ أَوْدَعَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ لِثِقَةٍ مَرْضِيٍّ، فَأَشْبَهَ إِيدَاعَهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَلأَِنَّهُ أَحَدُ سَبَبَيْ حِفْظِهَا، فَكَانَ مُوكَّلاً إِلَى اجْتِهَادِهِ كَالْحِرْزِ (2) .
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: إِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى مَالِكِهَا أَوْ وَكِيلِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ وُصُولُهُ إِلَيْهِمَا،
(1) الْمَبْسُوط 11 / 113، وَالإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 252، وَتَأْسِيس النَّظَر لِلدَّبُّوسِيِّ ص 94، وَاخْتِلَاف الْعِرَاقِيِّينَ 4 / 63.
(2)
رَدّ الْمُحْتَارِ 4 / 495، وَالْبَحْر الرَّائِق 7 / 275، وَالْبَدَائِع 6 / 208، وَالْعُقُود الدُّرِّيَّة 2 / 71، وَالتَّاج وَالإِْكْلِيل 5 / 257، وَالزُّرْقَانِيَّ عَلَى خَلِيلٍ 6 / 117، وَالْكَافِي لاِبْن عَبْد الْبَرّ ص 403، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 312، وَالإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 252.