الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَدِيعُ فِي طَرِيقٍ، وَهِيَ مَعَهُ، ثُمَّ قَامَ فَنَسِيَهَا، أَوْ دَفَنَهَا بِحِرْزٍ ثُمَّ نَسِيَهُ، وَكَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ كِيسُ دَرَاهِمَ وَدِيعَةً، فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ قَامَ وَنَسِيَهُ، فَضَاعَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَضْمِينِهِ بِذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْصَحِّ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ وَمُطَرِّفٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْوَدِيعَةَ، إِذَا ضَيَّعَهَا بِالنِّسْيَانِ. لأَِنَّ نِسْيَانَهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْوَدِيعَةِ. وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْحَاجِّ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ (1) .
وَالثَّانِي: لِلْبَاجِيِّ وَالْعَبْدُوسِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ (2)، قَال ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ: اخْتُلِفَ فِي الْمَذْهَبِ فِي ضَمَانِهَا بِالنِّسْيَانِ، مِثْل أَنْ يَنْسَاهَا فِي مَوْضِعِ إِيدَاعِهَا، أَوْ يَنْسَى مَنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ، وَيَدَّعِيَهَا رَجُلَانِ.
(1) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 4 / 342، 343، وَمَجْمَع الأَْنْهُر 2 / 345، وَالإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 259، والزرقاني عَلَى خَلِيل 6 / 117، وَمَوَاهِب الْجَلِيل وَالتَّاج وَالإِْكْلِيل 5 / 256، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 6 / 342، وَتُحْفَة الْمُحْتَاج 7 / 119، والقليوبي وَعَمِيرَة 3 / 185، وَالْمُقْدِمَات الْمُمَهِّدَات 2 / 466.
(2)
الزُّرْقَانِيّ عَلَى خَلِيل 6 / 117، وَمَوَاهِب الْجَلِيل 5 / 256، 257، وَالْمُقْدِمَات الْمُمَهِّدَات 2 / 466 وَالتَّاج وَالإِْكْلِيل 5 / 256.
فَقِيل: يَحْلِفَانِ، وَتُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَقِيل: إِنَّهُ يَضْمَنُ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا (1) .
(ل) ـ تَرْكُ تَعَهُّدِ الْوَدِيعَةِ:
62 -
نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَوْدَعَ دَابَّةً، فَلَمْ يَأْمُرْهُ صَاحِبُهَا بِسَقْيِهَا وَلَا عَلْفِهَا وَلَمْ يَنْهَهُ، فَتَرَكَهَا دُونَ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا. (2)
قَال الْبُهُوتِيُّ: لأَِنَّ عَلْفَهَا وَسَقْيَهَا مِنْ كَمَال الْحِفْظِ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِالاِسْتِيدَاعِ، بَل هُوَ الْحِفْظُ بِعَيْنِهِ، إِذِ الْحَيَوَانُ لَا يَبْقَى عَادَةً بِدُونِهِمَا، فَيَلْزَمَانِهِ (3) . وَقَال الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْبَغْدَادِيُّ: وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْمُودِعَ مَأْمُورٌ بِحِفْظِ الْوَدِيعَةِ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ حِرَاسَتَهَا فِيمَا يَعْلِفُهَا، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ رَآهَا فِي بِئْرٍ لَلَزِمَهُ رَدُّهَا عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَفِي تَرْكِ عَلْفِهَا تَلَفُهَا، فَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ (4) .
وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا، لِمَا جَاءَ فِي قُرَّةِ عُيُونِ الأَْخْيَارِ نَقْلاً عَنِ الْحَاوِي
(1) بِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 312.
(2)
الأُْمّ 4 / 60، وَتُحْفَة الْمُحْتَاج 7 / 113، وَأَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 78، وَالإِْشْرَاف لِلْقَاضِي عَبْد الْوَهَّاب 2 / 42، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 451، وَكَشَّاف الْقِنَاع 4 / 189.
(3)
شَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 451.
(4)
الإِْشْرَاف عَلَى مَسَائِل الْخِلَافِ 2 / 42.
لِلزَّاهِدِيِّ: وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِلَا أَمْرٍ قَاضٍ، فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ. وَلَوْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا الْمُودِعُ حَتَّى هَلَكَتْ يَضْمَنُ، لَكِنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الْمُودِعِ (1) .
أَمَّا إِذَا نَهَاهُ مَالِكُهَا عَنْ سَقْيِهَا وَعَلْفِهَا، فَتَرَكَهَا بِدُونِ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ، فَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ:
الأَْوَّل: لِلشَّافِعِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لاِمْتِثَالِهِ أَمْرَ مَالِكِهَا، لأَِنَّ الضَّمَانَ إِنَّمَا يَجِبُ لِحَقِّ الْمَالِكِ، وَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَال لَهُ: اقْتُل دَابَّتِي. لَكِنَّهُ يَأْثَمُ بِذَلِكَ، لأَِنَّ لِلْحَيَوَانِ حُرْمَةً فِي نَفْسِهِ، لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى (2) .
الثَّانِي: لأَِبِي سَعِيدٍ الإِْصْطَخْرِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ أَنَّهُ يَضْمَنُهَا. إِذْ لَا اعْتِبَارَ لِنَهْيِهِ، لأَِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ سَقْيُهَا وَعَلْفُهَا شَرْعًا لِحُرْمَةِ الرُّوحِ، فَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ، صَارَ مُتَعَدِّيًا بِعِصْيَانِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَكَانَ أَمْرُ مَالِكِهَا وَسُكُوتُهُ سَوَاءً (3) .
(1) قُرَّة عُيُون الأَْخْيَار تَكْمِلَة رَدِّ الْمُحْتَارِ 2 / 261، وَانْظُرِ الدَّرّ الْمُخْتَار وَحَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 4 / 501.
(2)
تُحْفَة الْمُحْتَاج 7 / 114، وَأَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 78، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 6 / 332، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 451، وَكَشَّاف الْقِنَاع 4 / 189، وَالْمُغْنِي 9 / 275.
(3)
الْمُهَذَّب 1 / 368، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 6 / 332، والقليوبي 3 / 184، وَالْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَةَ 9 / 275.
كَذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ ثِيَابَ الصُّوفِ الَّتِي يُفْسِدُهَا الْعُثُّ، يَجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ نَشْرُهَا وَتَعْرِيضُهَا لِلرِّيحِ، بَل يَلْزَمُهُ لُبْسُهَا إِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ إِلَاّ بِأَنْ تُلْبَسَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل فَفَسَدَتْ، ضَمِنَ، سَوَاءً أَمَرَهُ الْمَالِكُ بِذَلِكَ أَوْ سَكَتَ (1) .
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ، فَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى الْوَدِيعِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا بِعَدَمِ ضَمَانِهِ لَوْ فَسَدَتْ. فَجَاءَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَتَارِكُ نَشْرِ الصُّوفِ صَيْفًا فَعَثَّ، لَمْ يَضْمَنْ (2) . وَفِي الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ لاِبْنِ عَابِدِينَ: الإِْنْسَانُ إِذَا اسْتَوْدَعَ عِنْدَهُ مَا يَقَعُ فِيهِ السُّوسُ فِي زَمَانِ الصَّيْفِ، فَلَمْ يُبَرِّدْهَا بِالْهَوَاءِ، حَتَّى وَقَعَ فِيهِ السُّوسُ وَفَسَدَ، لَا يَضْمَنُ (3) .
أَمَّا إِذَا نَهَاهُ صَاحِبُهَا عَنْ نَشْرِهَا وَتَعْرِيضِهَا لِلرِّيحِ، فَامْتَنَعَ حَتَّى فَسَدَتْ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ امْتِثَالُهُ، لَكِنَّهُ لَا يَضْمَنُ (4) .
(1) رَوْضَة الطَّالِبِينَ 6 / 334، وَتُحْفَة الْمُحْتَاج 7 / 115، وَمَا بَعْدَهَا، وَأَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 79، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 454.
(2)
الدَّرّ الْمُنْتَقَى فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى 2 / 345.
(3)
الْعُقُود الدُّرِّيَّة 2 / 80، وَانْظُرِ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 4 / 344.
(4)
أَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 79، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 6 / 334.