الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أُجْرَةً مَوْضِعَ الْحِفْظِ أَيِ الْحِرْزِ، إِذْ لَا يَلْزَمُهُ بَذْل مَنْفَعَةِ حِرْزِهِ بِدُونِ عِوَضٍ. (1) أَمَّا حِفْظُ الْوَدِيعَةِ، فَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا مِثْلَهُ، أَوْ يَشْتَرِطْهَا فِي الْعَقْدِ، أَوْ يَجْرِ بِهَا عُرْفٌ، وَذَلِكَ لاِطِّرَادِ الْعَادَةِ بِاطِّرَاحِهَا، وَأَنَّ الْوَدِيعَ لَا يَطْلُبُ أَجْرًا عَلَى ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إِذَا اتَّفَقَا عَلَى أُجْرَةِ الْحِفْظِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ ـ لأَِنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ الأُْجْرَةِ عَلَى الْحِرَاسَةِ ـ أَوْ جَرَتْ بِذَلِكَ الْعَادَةُ أَوْ كَانَ طَالِبُهَا مِمَّنْ يَكْرِي نَفْسَهُ لِلْحِرَاسَةِ وَيَأْخُذُ أَجْرًا عَلَى حِفْظِ الْوَدَائِعِ؛ لأَِنَّ الْمَعْرُوفَ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْطًا (2) .
ج) وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْعِوَضِ لِلْوَدِيعِ، وَقَالُوا: إِنَّ الأَْجْرَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الإِْجَارَةِ عَلَى الْحِفْظِ دُونَ الْوَدِيعَةِ. (3)
أَرْكَانُ الْوَدِيعَةِ:
10 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ أَرْكَانَ عَقْدِ الْوَدِيعَةِ هِيَ:
(1) التَّاجُ وَالإِْكْلِيل لِلْمَوَّاقِ 5 / 266.
(2)
الزُّرْقَانِيِّ عَلَى خَلِيلٍ وَحَاشِيَةُ الْبُنَانِيِّ عَلَيْهِ 6 / 125، وَالْمُقَدِّمَاتُ الْمُمَهِّدَاتُ 2 / 467، الْقَوَانِينُ الْفِقْهِيَّةُ لاِبْنِ جَزِّي 380، وَبِدَايَةُ الْمُجْتَهِدِ وَنِهَايَةُ الْمُقْتَصِدِ 2 / 312.
(3)
كَشَّافُ الْقِنَاعِ 4 / 185، وَشَرْحُ مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 449.
1) الصِّيغَةُ (وَهِيَ الإِْيجَابُ وَالْقَبُول) .
2) الْعَاقِدَانِ (وَهُمَا الْمُودِعُ وَالْمُسْتَوْدَعُ) .
3) الْمَحَل (وَهُوَ الْعَيْنُ الْمُودَعَةُ (1)) .
وَخَالَفَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ فِي ذَلِكَ التَّقْسِيمِ، إِذِ اعْتَبَرُوا رُكْنَ الْوَدِيعَةِ الصِّيغَةَ الْمُؤَلَّفَةَ مِنَ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول الدَّالَّيْنِ عَلَى التَّرَاضِي.
أَوَّلاً: الصِّيغَةُ (الإِْيجَابُ وَالْقَبُول)
11 -
لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الأَْصْل فِي الْعُقُودِ هُوَ التَّرَاضِي وَطِيبُ النَّفْسِ، وَأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تَصِحُّ إِلَاّ بِالْمُرَاضَاةِ، وَإِلَاّ كَانَتْ قَسْرًا عَلَى الْحِفْظِ أَوْ غَصْبًا لِلْمَال.
وَالصِّيغَةُ، هِيَ الإِْيجَابُ وَالْقَبُول كَأَنْ يَقُول لِغَيْرِهِ: أَوْدَعْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ، أَوِ احْفَظْ هَذَا الشَّيْءَ، أَوْ خُذْ هَذَا الشَّيْءَ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ، وَيَقْبَل الآْخَرُ. فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّ عَقْدُ الْوَدِيعَةِ. (2)
غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول مُنْحَصِرًا بِلَفْظِهِمَا وَحْدَهُ، بَيْنَ مُشْتَرِطٍ لِذَلِكَ
(1) مَوَاهِبُ الْجَلِيل 5 / 252، وَأَسْنَى الْمَطَالِبِ 3 / 75، وَكِفَايَةُ الطَّالِبِ الرَّبَّانِيِّ وَحَاشِيَةُ الْعَدَوِيّ عَلَيْهِ 2 / 253، تُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ 7 / 98، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 4 / 186، وَبِدَايَةُ الْمُجْتَهِدِ 2 / 302.
(2)
بَدَائِعُ الصَّنَائِعِ 6 / 207.
وَغَيْرِ مُشْتَرِطٍ لِذَلِكَ، أَوْ بِمَا يَدُل عَلَى رِضَا الْعَاقِدِينَ مِنْ قَوْلٍ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ أَوْ فِعْلٍ.
فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ. (1)
قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَرُكْنُهَا الإِْيجَابُ قَوْلاً صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً أَوْ فِعْلاً، وَالْقَبُول مِنَ الْمُودَعِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحِفْظِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا " صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً " لِيَشْمَل مَا لَوْ قَال لِرَجُلٍ: أَعْطِنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ قَال لِرَجُلٍ فِي يَدِهِ ثَوْبٌ: أَعْطِنِيهِ، فَقَال: أَعْطَيْتُكَ، فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْوَدِيعَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ، لأَِنَّ الإِْعْطَاءَ يَحْتَمِل الْهِبَةَ وَالْوَدِيعَةَ، وَالْوَدِيعَةُ أَدْنَى، وَهُوَ مُتَيَقِّنٌ، فَصَارَ كِنَايَةً، وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الإِْيجَابِ:" أَوْ فِعْلاً " لِيَشْمَل مَا لَوْ وَضَعَ ثَوْبَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ، وَلَمْ يَقُل شَيْئًا، فَهُوَ إِيدَاعٌ. وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْقَبُول:" أَوْ دَلَالَةً " لِيَشْمَل سُكُوتَهُ عِنْدَ وَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنَّهُ قَبُول دَلَالَةٍ، حَتَّى لَوْ قَال: لَا أَقْبَل، لَا يَكُونُ مُودِعًا؛ لأََنَّ الدَّلَالَةَ لَمْ تُوجَدْ (2) .
(1) الدَّرُّ الْمُخْتَارُ مَعَ رَدِّ الْمُحْتَارِ 4 / 494، وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةُ 4 / 338، وَمَجْمَعُ الأَْنْهُرِ 2 / 337، وَرَوْضَةُ الْقُضَاةِ 2 / 616، دُرَرُ الْحُكَّامِ 2 / 224 وَمَا بَعْدَهَا، وَانْظُرِ الْمَادَّةَ (812) مِنْ مُرْشِدِ الْحَيْرَانِ، وَمَوَاهِبُ الْجَلِيل 5 / 252 وَشَرْحُ الزُّرْقَانِيِّ عَلَى خَلِيلٍ 6 / 114.
(2)
الْبَحْرُ الرَّائِقُ 7 / 273.
قَال الْمَالِكِيَّةُ: الصِّيغَةُ هِيَ كُل مَا يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الْحِفْظِ، وَلَوْ بِقَرَائِنِ الأَْحْوَال، وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إِيجَابٍ وَقَبُولٍ بِاللَّفْظِ. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإِْيدَاعِ الإِْيجَابُ مِنَ الْمُودِعِ لَفْظًا. (2) فَجَاءَ فِي أَسْنَى الْمَطَالِبِ: لَا بُدَّ مِنْ صِيغَةٍ دَالَّةٍ عَلَى الاِسْتِحْفَاظِ، كَ ـ: أَوْدَعْتُكَ هَذَا الْمَال، وَاحْفَظْهُ، وَنَحْوِهِ كَ ـ: اسْتَحْفَظْتُكَ وَأَنَبْتُكَ فِي حِفْظِهِ، وَهُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ لأَِنَّهَا عَقْدُ وِكَالَةٍ، لَا إِذَنٌ مُجَرَّدٌ فِي الْحِفْظِ (3) .
وَأَمَّا الْقَبُول، فَيَصِحُّ بِكُل لَفْظٍ أَوْ فِعْلٍ دَالٍّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. (4) جَاءَ فِي تُحْفَةِ الْمُحْتَاجِ: وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُول مِنَ الْوَدِيعِ لِصِيغَةِ الْعَقْدِ أَوِ الأَْمْرِ لَفْظًا، وَيَكْفِي مَعَ عَدَمِ اللَّفْظِ وَالرَّدِّ مِنْهُ الْقَبْضُ وَلَوْ عَلَى التَّرَاخِي، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ. وَقَال فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: وَيَكْفِي الْقَبْضُ قَبُولاً لِلْوَدِيعَةِ، كَالْوَكَالَةِ (5) .
(1) حَاشِيَةُ الْعَدَوِيّ عَلَى كِفَايَةِ الطَّالِبِ الرَّبَّانِيِّ 2 / 253.
(2)
الْمُهَذَّبُ 1 / 266، وَتُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ 7 / 101، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 6 / 324.
(3)
أَسْنَى الْمَطَالِبِ 3 / 75.
(4)
أَسْنَى الْمَطَالِبِ 3 / 75، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 6 / 324 ـ 325، وَالْمُهَذَّبُ 1 / 366، وَالْمَادَّةُ (1321) مِنْ مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ.
(5)
تُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ 7 / 107، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 4 / 185.