الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طُرُقُ إِثْبَاتِ الْوَصِيَّةِ:
86 -
تَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ بِطُرُقِ الإِْثْبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، كَالشَّهَادَةِ وَالْكِتَابَةِ:
أَمَّا الْكِتَابَةُ: فَمُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا كَانَتْ مُسْتَبِينَةً مَرْسُومَةً، أَيْ مُسْطَرَةً عَلَى وَرَقٍ وَنَحْوِهِ، وَمُعَنْوَنَةً أَيْ مُصَدَّرَةً بِالْعُنْوَانِ: وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ: مِنْ فُلَانٍ إِلَى فُلَانٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَبِينَةً، كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْهَوَاءِ وَالرَّقْمِ عَلَى الْمَاءِ فَلَا تُعْتَبَرُ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَبِينَةً غَيْرَ مَرْسُومَةٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْجُدْرَانِ وَأَوْرَاقِ الشَّجَرِ، فَهِيَ كِنَايَةٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ النِّيَّةِ، وَلَكِنْ لَا يُقْضَى بِالْخَطِّ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُمْ إِلَاّ فِي مَسَائِل: كِتَابِ أَهْل الْحَرْبِ بِطَلَبِ الأَْمَانِ إِلَى الإِْمَامِ، وَدَفْتَرِ السِّمْسَارِ وَالصَّرَّافِ وَالْبَيَّاعِ (1) .
وَتَنْعَقِدُ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِالْكِتَابَةِ، بِأَنْ نَوَى بِالْمَكْتُوبِ الْوَصِيَّةَ، وَأَعْرَبَ بِالنِّيَّةِ نُطْقًا، أَوْ أَقَرَّ بِهَا وَرَثَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَلَا تَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ بِالْخَطِّ الْمُجَرَّدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَلَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لإِِمْكَانِ التَّزْوِيرِ
(1) تَكْمِلَة فَتْحِ الْقَدِير وَالْعِنَايَةِ 8 / 511 وَمَا بَعْدَهَا، والفتاوى الْهِنْدِيَّة 2 / 347، ورد الْمُحْتَار 3 / 443
وَتَشَابُهِ الْخُطُوطِ.
وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى كِتَابِ الْوَصِيَّةِ: فَتَكُونُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بَعْدَ قِرَاءَتِهِ عَلَى الشُّهُودِ، فَيَسْمَعُ الشُّهُودُ مِنَ الْمُوصِي مَضْمُونَهُ، أَوْ تُقْرَأُ عَلَيْهِ فَيُقِرُّ بِمَا فِيهَا؛ لأَِنَّ الْحُكْمَ لَا يَجُوزُ بِرُؤْيَةِ خَطِّ الشَّاهِدِ بِالشَّهَادَةِ بِالإِْجْمَاعِ (1) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: تَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ إِنْ كَانَتْ بِخَطِّ الْمُوصِي مَعَ الإِْشْهَادِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا عَلَى الشُّهُودِ وَلَمْ يَفْتَحْ كِتَابَ الْوَصِيَّةِ، وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ حَيْثُ أَشْهَدَ بِقَوْلِهِ لِلشُّهُودِ: اشْهَدُوا بِمَا فِي هَذِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا مَحْوٌ، حَتَّى وَلَوْ بَقِيَ كِتَابُ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمُوصِي، وَلَمْ يُخْرِجْهُ حَتَّى مَاتَ.
فَإِنْ ثَبَتَ لَدَى الْقَاضِي أَنَّ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْوَرَقَةُ بِخَطِّ الْمُوصِي، أَوْ قَرَأَهَا عَلَى الشُّهُودِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُشْهَدِ الْمُوصِي عَلَى الْوَصِيَّةِ فِي الصُّورَتَيْنِ، بِأَنْ لَمْ يَقُل: اشْهَدُوا عَلَى وَصِيَّتِي، أَوْ لَمْ يَقِل: نَفِّذُوهَا، لَمْ تُنَفَّذْ بَعْدَ مَوْتِهِ، لاِحْتِمَال رُجُوعِهِ عَنْهَا، فَإِنْ قَال الْمُوصِي لِلشُّهُودِ: اشْهَدُوا، أَوْ قَال: أَنْفِذُوهَا، نُفِّذَتْ.
(1) مُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 53، 4 / 399، وحاشية ابْن عَابِدِينَ 5 / 416، ط بُولَاق
وَقَال عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ التَّسَوُّلِيُّ الْمَالِكِيُّ: إِنَّ الإِْشْهَادَ عَلَى عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ كَالْوَصِيَّةِ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا، وَالإِْشْهَادُ إِمَّا كِتَابِيٌّ أَوْ شَفَوِيٌّ (1) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ عَلَى الرَّاجِحِ: مَنْ كَتَبَ وَصِيَّةً، وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا، حُكِمَ بِهَا مَا لَمْ يُعْلَمْ رُجُوعُهُ عَنْهَا، فَتَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ، وَيُقْبَل مَا فِيهَا بِالْخَطِّ الثَّابِتِ أَنَّهُ خَطُّ الْمُوصِي بِإِقْرَارِ وَرَثَتِهِ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ تُعَرِّفُ خَطَّهُ تَشْهَدُ أَنَّهُ خَطُّهُ وَإِنْ طَال الزَّمَنُ، أَوْ تَغَيَّرَ حَال الْمُوصِي، أَوْ بِأَنْ عُرِفَ خَطُّهُ وَكَانَ مَشْهُورَ الْخَطِّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ، إِلَاّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ " (2) ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْكِتَابَةِ، فَدَل عَلَى الاِكْتِفَاءِ بِهَا، وَ " لأَِنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ وَغَيْرِهِمْ " مُلْزِمًا الْعَمَل بِتِلْكَ الْكِتَابَةِ، وَكَذَلِكَ فَعَل الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَلأَِنَّ الْكِتَابَةَ تُنْبِئُ عَنِ الْمَقْصُودِ، فَهِيَ كَاللَّفْظِ.
وَإِنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ، وَقَال: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِي هَذِهِ الْوَرَقَةِ، أَوْ قَال: هَذِهِ وَصِيَّتِي فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَا، لَا تَثْبُتُ حَتَّى يَسْمَعُوا مِنْهُ مَا فِيهِ، أَوْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ فَيُقِرَّ بِمَا فِيهِ. وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْل
(1) الشَّرْح الصَّغِير 4 / 601
(2)
حَدِيث: " مَا حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ. . . " سَبَقَ تَخْرِيجَهُ فِقْرَة (7)
الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (1) .
وَجَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَإِذَا أَرَدْتَ كِتَابَةَ الْوَصِيَّةِ فَالْوَجْهُ فِيهِ كِتَابَةُ كِتَابٍ كَتَبَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حِينَ اسْتُكْتِبَ فَأَمْلَاهُ عَلَى السَّائِل عَلَى الْبَدِيهَةِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَهُوَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنَ الذُّل وَهُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَال، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ فِي الْقُبُورِ مُبْتَهِلاً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَيْ مُتَضَرِّعًا أَنْ يُتِمَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ نِعْمَتَهُ وَأَنْ لَا يَسْلُبَهُ مَا وَهَبَ لَهُ فِيهِ وَمَا امْتَنَّ بِهِ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ إِلَيْهِ، فَإِنَّ لَهُ الْمُلْكَ وَبِيَدِهِ الْخَيْرَ وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَوْصَى فُلَانٌ وَلَدَهُ وَأَهْلَهُ وَقَرَابَتَهُ وَإِخْوَتَهُ وَمَنْ أَطَاعَ أَمْرَهُ بِمَا أَوْصَى بِهِ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ: يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَأَوْصَاهُمْ جَمِيعًا أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَأَنْ يُطِيعُوا اللَّهَ فِي سِرِّهِمْ وَعَلَانِيَتِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ
(1) الْمُغْنِي 6 / 69 وَمَا بَعْدَهَا، وكشاف الْقِنَاع 4 / 373، وغاية الْمُنْتَهَى 2 / 348