الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَال ابْنُ النَّجَّارِ بَعْدَ أَنْ أَوْضَحَ أَنَّ الْمُبَرْسَمَ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، لَكِنْ إِنْ كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانًا فَأَوْصَى حَال إِفَاقَتِهِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ لأَِنَّهُ حِينَئِذٍ فِي حُكْمِ الْعُقَلَاءِ فِي شَهَادَتِهِ وَوُجُوبِ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ (1) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ طُرُوءَ الْجُنُونِ عَلَى الْمُوصِي لَا يُبْطِل الْوَصِيَّةَ، لأَِنَّهَا إِذَا لَمْ تَبْطُل بِالْمَوْتِ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَبْطُل بِمَا دُونَهُ (2) .
ب ـ رِدَّةُ الْمُوصِي:
70 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُل بِرِدَّةِ الْمُوصِي.
وَأَضَافَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْمُوصِيَ إِذَا رَجَعَ لِلإِْسْلَامِ بَعْدَ رِدَّتِهِ إِنْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً جَازَتْ وَإِلَاّ فَلَا (3) .
ج ـ رِدَّةُ الْمُوصَى لَهُ:
71 -
يَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ
(1) مَعُونَة أُولِي النُّهَى 6 / 130
(2)
قَوَاعِد الأَْحْكَامِ فِي مَصَالِحَ الأَْنَام 2 / 353 ط دَار الْقَلَم
(3)
حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 3 / 300، وحاشية الدُّسُوقِيّ 4 / 426، والشرح الصَّغِير 4 / 584، والخرشي 8 / 170
الْوَصِيَّةَ لَا تَبْطُل بِرِدَّةِ الْمُوصَى لَهُ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُل بِرِدَّةِ الْمُوصَى لَهُ (1) .
د ـ الرُّجُوعُ عَنِ الْوَصِيَّةِ:
72 -
تَبْطُل الْوَصِيَّةُ بِالرُّجُوعِ عَنْهَا، لأَِنَّهَا عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ، فَيَجُوزُ لِلْمُوصِي الرُّجُوعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ؛ لأَِنَّ الَّذِي وُجِدَ مِنْهُ الإِْيجَابُ فَقَطْ، وَلأَِنَّهَا عَقْدٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إِلَاّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الإِْيجَابِ أَيُّ حَقٍّ لِلْمُوصَى لَهُ قَبْل ذَلِكَ، فَيَكُونُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الإِْمْضَاءِ وَالرُّجُوعِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:" يُغَيِّرُ الرَّجُل مَا شَاءَ مِنْ وَصِيَّتِهِ ". وَبِهِ قَال عَطَاءٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَقَال الشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالنَّخَعِيُّ: يُغَيِّرُ مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَاّ الْعِتْقَ لأَِنَّهُ إِعْتَاقٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَمْلِكْ تَغْيِيرَهُ كَالتَّدْبِيرِ (2) .
(1) مُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 43، وحاشية الدُّسُوقِيّ 4 / 427، ومواهب الْجَلِيل 2 / 368
(2)
مَعُونَة أُولِي النُّهَى 6 / 171، ومغني الْمُحْتَاج 3 / 39، ومواهب الْجَلِيل 6 / 369، الفتاوى الْهِنْدِيَّة 6 / 92
وَالرُّجُوعُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً.
فَالرُّجُوعُ الصَّرِيحُ: مَا كَانَ بِلَفْظٍ هُوَ نَصٌّ فِي الرُّجُوعِ، مِثْل قَوْل الْمُوصِي: رَجَعْتُ عَنْ وَصِيَّتِي لِفُلَانٍ، أَوْ تَرَكْتُهَا، أَوْ أَبْطَلْتُهَا، أَوْ نَقَضْتُهَا، أَوْ مَا أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ هُوَ لِوَرَثَتِي وَنَحْوُهُ. وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عُدُول الْمُوصِي عَنْ وَصِيَّتِهِ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْعُدُول مَتَى شَاءَ (1) .
وَالرُّجُوعُ دَلَالَةً: كُل تَصَرُّفٍ أَوْ فِعْلٍ فِي الْمُوصَى بِهِ يُفِيدُ رُجُوعَهُ عَنِ الْوَصِيَّةِ، وَهُوَ يَشْمَل مَا يَأْتِي:
أَوَّلاً: كُل تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ يُخْرِجُ الْعَيْنَ عَنْ مِلْكِ الْمُوصِي يُعَدُّ رُجُوعًا، كَأَنْ يَبِيعَ الشَّيْءَ الْمُوصَى بِهِ أَوْ يَهَبَهُ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ يَجْعَلَهُ مَهْرًا أَوْ وَقْفًا، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ثَانِيًا: كُل فِعْلٍ فِي الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا يَدُل عَلَى الرُّجُوعِ عَنِ الْوَصِيَّةِ، كَذَبْحِ الشَّاةِ الْمُوصَى بِهَا، وَغَزْل الْقُطْنِ الْمُوصَى بِهِ،
(1) مَعُونَة أُولِي النُّهَى 6 / 171، ومطالب أُولِي النُّهَى 4 / 460، والخرشي 8 / 172، والفتاوى الْهِنْدِيَّة 6 / 92، ومغني الْمُحْتَاج 3 / 71، وأسنى الْمَطَالِب 3 / 63 وَمَا بَعْدَهَا
وَنَسْجِ الْغَزْل (1) .
أَمَّا لَوْ تَصَرَّفَ الْمُوصِي فِي الْمُوصَى بِهِ تَصَرُّفًا يُزِيل اسْمَهُ فَيُعَدُّ رُجُوعًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
كَمَا لَوْ قَال: أَوْصَيْتُ لِزَيْدٍ بِهَذِهِ الْغِرَارَةِ الْحِنْطَةِ فَطَحَنَهَا فَصَارَ اسْمُهَا دَقِيقًا، أَوْ وَصَّى لإِِنْسَانٍ بِشَيْءٍ مِنْ غَزْلٍ فَنَسَجَ الْغَزَل فَصَارَ يُسَمَّى ثَوْبًا، أَوْ بَنَى الْحَجَرَ أَوِ الآْجُرَّ الْمُوصَى بِهِ فَصَارَ حَائِطًا أَوْ دَارًا، أَوْ غَرَسَ نَوًى مُوصًى بِهِ فَصَارَ شَجَرًا، أَوْ نَجَرَ الْخَشَبَةَ الْمُوصَى بِهَا فَصَارَتْ بَابًا، أَوْ أَعَادَ دَارًا انْهَدَمَتْ، أَوْ جَعَلَهَا حَمَّامًا، أَوْ كَانَ سَفِينَةً فَتَكَسَّرَتْ وَصَارَ اسْمُهَا خَشَبًا فَرُجُوعٌ فِي الْجَمِيعِ (2) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ فِي مَعْرِضِ الْكَلَامِ عَنِ الرُّجُوعِ دَلَالَةً: كُل فِعْلٍ لَوْ فَعَلَهُ الإِْنْسَانُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ، فَإِذَا فَعَلَهُ الْمُوصِي كَانَ رُجُوعًا، وَكَذَا كُل فِعْلٍ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي
(1) غَايَة الْمُنْتَهَى 2 / 353 ـ 354، والفتاوى الْهِنْدِيَّة 6 / 92 ـ 93، وحاشية الدُّسُوقِيّ 4 / 428، ومغني الْمُحْتَاج 3 / 71ـ 72
(2)
الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 6 / 92ـ93، ومغني الْمُحْتَاج 3 / 72، وروضة الطَّالِبِينَ 6 / 307، وأسنى الْمَطَالِب 3 / 63، ومعونة أُولِي النُّهَى 6 / 173 ـ 174، وغاية الْمُنْتَهَى 2 / 254