الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ (1) . وَالْعَدْل الْمَطْلُوبُ: قَصْرُهَا عَلَى مِقْدَارِ ثُلُثِ التَّرِكَةِ الْمُحَدَّدِ شَرْعًا. أَمَّا عَدَمُ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ إِلَاّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ الآْخَرِينَ، فَهُوَ لِمَنْعِ التَّبَاغُضِ وَالتَّحَاسُدِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
7 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَال.
أ - فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِجُزْءٍ مِنَ الْمَال لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَى أَحَدٍ، وَهُوَ قَوْل الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُنْقَل عَنْهُمْ وَصِيَّةٌ، وَلَمْ يُنْقَل لِذَلِكَ نَكِيرٌ، وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمْ يُخِلُّوا بِذَلِكَ وَلَنُقِل عَنْهُمْ نَقْلاً ظَاهِرًا، وَلأَِنَّ الْوَصِيَّةَ عَطِيَّةٌ لَا تَجِبُ فِي الْحَيَاةِ فَلَا تَجِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَعَطِيَّةِ الأَْجَانِبِ.
ثُمَّ قَال هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءُ: تُسْتَحَبُّ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مِنَ الْمَال لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
(1) حَدِيث ابْن عَبَّاسٍ: " الإِْضْرَار فِي الْوَصِيَّةِ فِي الْكَبَائِرِ " أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ (3 / 151 ط دَارَ الْمَحَاسِن) ، وَصَحَّحَ الْبَيْهَقِيّ فِي السُّنَنِ (6 / 271 ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ الْعُثْمَانِيَّة) وَقَفَهُ عَلَى ابْن عَبَّاسٍ.
قَال: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَْقْرَبِينَ (1) } ، فَنُسِخَ الْوُجُوبُ وَبَقِيَ الاِسْتِحْبَابُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَرْثُ لِحَدِيثِ: لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ (2) وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا ابْنَ آدَمَ اثْنَتَانِ لَمْ تَكُنْ لَكَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا: جَعَلْتُ لَكَ نَصِيبًا مِنْ مَالِكَ حِينَ أَخَذْتُ بِكَظَمِكَ لأُِطَهِّرَكَ بِهِ وَأُزَكِّيَكَ وَصَلَاةُ عِبَادِي عَلَيْكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِكَ (3) .
وَعَنْ مُعَاذٍ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ (4) .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي
(1) سُورَة الْبَقَرَة: 180.
(2)
حَدِيث: " لَا وَصِيَّةَ لِوَارِث ". أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ (4 / 433 ط الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ ابْن أمامة الْبَاهِلِيّ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّخْلِيصِ (3 / 92 ط شَرِكَة الطِّبَاعَةِ الْفَنِّيَّةِ)
(3)
حَدِيث ابْن عُمَر: يَا ابْن آدَمَ، اثْنَتَانِ لَمْ تَكُنْ لَك وَاحِدَة مِنْهُمَا أَخْرِجْهُ ابْن مَاجَهْ (2 / 904 ط الْحَلَبِيّ)، وَقَال الْبُوصَيْرِيّ فِي مِصْبَاحِ الزُّجَاجَةِ (2 / 98 ط دَار الْجِنَان) : هَذَا إِسْنَاد فِيهِ مَقَال. ثُمَّ أَشَارَ إِلَى جَهَالَة أَحَد رُوَاته وَإِلَى ضَعْفٍ آخَرَ. وَالْكَظْمُ هُوَ مُخْرِجُ النَّفْسِ.
(4)
حَدِيث مُعَاذ: " إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَصْدُقُ عَلَيْكُمْ. . " تَقَدَّمَ تَخْرِيجه (5) .
الْمُعْتَمَدِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَوْعِبَ الْمُوصِي الثُّلُثَ بِالْوَصِيَّةِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ (1) .
وَأَضَافَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالأَْفْضَل لِلْغَنِيِّ الْوَصِيَّةُ بِالْخُمُسِ.
وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَهُوَ - كَمَا قَال ابْنُ قُدَامَةَ - ظَاهِرُ قَوْل السَّلَفِ وَعُلَمَاءِ أَهْل الْبَصْرَةِ، وَأُثِرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:" الْخُمُسُ فِي الْوَصِيَّةِ أَحَبُّ إِلَيَّ، لأَِنَّ اللَّهَ رَضِيَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ سَهْمًا ". وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ يَسْتَحِبُّونَ الرُّبُعَ فِي الْوَصِيَّةِ.
قَال إِسْحَاقُ: السُّنَّةُ الرُّبُعُ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ رَجُلاً يَعْرِفُ فِي مَالِهِ حُرْمَةَ شُبُهَاتٍ أَوْ غَيْرَهَا فَلَهُ اسْتِيعَابُ الثُّلُثِ.
وَقَال الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ كَانَ الْمُوصِي غَنِيًّا اسْتُحِبَّ الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ. (2)
(1) حَدِيث: " الثُّلْث وَالثُّلْث كَثِير " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (الْفَتْح 5 / 363) وَمُسْلِم (3 / 1253) .
(2)
الاِخْتِيَار 5 / 64، وَالْكَافِي لاِبْن عَبْد الْبَرّ 2 / 1023، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 47، وَحَاشِيَة الْجَمَل 4 / 49، وَالْمُغْنِي 6 / 4.
وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ إِذَا كَانَ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ وَالْمَال كَثِيرًا، أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَال قَلِيلاً وَالْوَرَثَةُ مُحْتَاجُونَ فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْفَقِيرَ الَّذِي لَهُ وَرَثَةٌ مُحْتَاجُونَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ.
وَقَال عَلِيٌّ رضي الله عنه لِرَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ: إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ طَائِلاً إِنَّمَا تَرَكْتَ شَيْئًا يَسِيرًا فَدَعْهُ لِوَرَثَتِكَ.
وَقَال الشَّعْبِيُّ: مَا مِنْ مَالٍ أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ مَالٍ يَتْرُكُهُ الرَّجُل لِوَلَدِهِ يُغْنِيهِمْ عَنِ النَّاسِ. وَقَال الْكَاسَانِيُّ: إِنْ كَانَ مَالُهُ قَلِيلاً وَلَهُ وَرَثَةٌ فُقَرَاءُ فَالأَْفْضَل أَنْ لَا يُوصِيَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ سَعْدٍ رضي الله عنه: إِنَّكَ إِنْ تَرَكْتَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ (1) وَلأَِنَّ الْوَصِيَّةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَكُونُ صِلَةً بِالأَْجَانِبِ وَالتَّرْكَ يَكُونُ صِلَةً بِالأَْقَارِبِ فَكَانَ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَتْ وَرَثَتُهُ فُقَرَاءَ فَالأَْفْضَل أَنْ يُوصِيَ بِمَا دُونَ الثُّلُثِ وَيَتْرُكَ الْمَال لِوَرَثَتِهِ لأَِنَّ غُنْيَةَ الْوَرَثَةِ تَحْصُل بِمَا
(1) حَدِيث: " إِنَّك إِنْ تَرَكْت وَرَثَتَك أَغْنِيَاء خَيْر لَك. . . " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ الْفَتْح (12 / 14) وَمُسْلِم (3 / 1253) وَاللَّفْظ لِلْبُخَارِيِّ.