الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ز - الْوَصِيَّةُ فِي سَبِيل اللَّهِ:
22 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فِي سَبِيل اللَّهِ تَعَالَى. يُصْرَفُ فِي الْغَزْوِ؛ لأَِنَّهُ الْمَفْهُومُ شَرْعًا وَالْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَوْل أَبِي يُوسُفَ.
وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهَا تُصْرَفُ فِي الْحَجِّ أَيْضًا قَال مُحَمَّدٌ: لَوْ أَعْطَى حَاجًّا مُنْقَطِعًا جَازَ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي الْغَزْوِ.
ح - الْوَصِيَّةُ لأَِعْمَال الْبِرِّ وَوُجُوهِ الْخَيْرِ
. 33 م - لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لأَِعْمَال الْبِرِّ قَال الْحَنَابِلَةُ - وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ -: يُصْرَفُ فِي الْقُرَبِ كُلِّهَا وَيُبْدَأُ بِالْغَزْوِ.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ أَنَّ كُل مَا لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكٌ فَهُوَ مِنْ أَعْمَال الْبِرِّ، حَتَّى يَجُوزَ صَرْفُهُ إِلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَسِرَاجِهِ، دُونَ تَزْيِينِهِ، وَلَا يَجُوزُ الصَّرْفُ إِلَى بِنَاءِ السُّجُونِ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ إِلَى أَقَارِبِ الْمُوصِي، فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا فَإِلَى أَهْل الزَّكَاةِ، وَقَال فِي التَّهْذِيبِ: يَجُوزُ صَرْفُهُ إِلَى مَا
فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْل الزَّكَاةِ، وَإِصْلَاحِ الْقَنَاطِرِ وَسَدِّ الثُّغُورِ، وَدَفْنِ الْمَوْتَى وَغَيْرِهَا.
وَلَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ قَال الْحَنَفِيَّةُ: يَصِحُّ وَيُصْرَفُ إِلَى الْقَنْطَرَةِ، أَوْ بِنَاءِ مَسْجِدٍ أَوْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ.
وَنُقِل عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا أَوْصَى إِلَى جِهَةِ الْخَيْرِ، تُصْرَفُ عَلَى مَصَارِفِ الزَّكَاةِ وَلَا يُبْنَى بِهَا مَسْجِدٌ وَلَا رِبَاطٌ، وَإِنْ أَوْصَى إِلَى جِهَةِ الثَّوَابِ صُرِفَ إِلَى أَقَارِبِهِ.
وَلَوْ قَال: ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ قَال الْحَنَابِلَةُ يَصِحُّ وَيُصْرَفُ فِي أَيِّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْقُرَبِ، وَالأَْفْضَل صَرْفُهُ إِلَى فُقَرَاءِ أَقَارِبِهِ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَال: ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ رَأَيْتَ أَوْ فِيمَا أَرَاكَ اللَّهُ فَالأَْوْلَى صَرْفُهُ إِلَى أَقَارِبِ الْمُوصِي الَّذِينَ لَا يَرِثُونَهُ ثُمَّ إِلَى مَحَارِمِهِ مِنَ الرِّضَاعِ ثُمَّ إِلَى جِيرَانِهِ وَلَيْسَ لَهُ وَضْعُهُ فِي نَفْسِهِ (1) .
رَابِعًا: أَنْ لَا يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ قَاتِلاً لِلْمُوصِي
. 34 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمُوصَى لَهُ غَيْرَ قَاتِلٍ لِلْمُوصِي:
(1) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 6 / 97، وروضة الْقُضَاة 2 / 680، والمبسوط 27 / 189، ومغني الْمُحْتَاج 3 / 61 - 62، وروضة الطَّالِبِينَ 6 / 172، 5 / 320 - 321، وكشاف الْقِنَاع 4 / 359، والإنصاف 7 / 236
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْظْهَرِ وَالثَّوْرِيُّ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُوصَى لَهُ أَنْ لَا يَكُونَ قَاتِلاً لِلْمُوصِي، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ لِقَاتِلٍ وَصِيَّةٌ " (1) .
وَلأَِنَّ الْقَتْل يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنَ الْوَصِيَّةِ فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، وَمُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، لِقَاعِدَةِ مَنِ اسْتَعْجَل شَيْئًا قَبْل أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ.
وَالْقَتْل الْمَانِعُ مِنَ الْوَصِيَّةِ هُوَ الْقَتْل الْمَضْمُونُ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ وَلَوْ كَانَ خَطَأً، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَتْل مُبَاشَرَةً أَوْ تَسَبُّبًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَيَشْتَرِطُونَ فِي الْقَتْل الْمَانِعِ مِنَ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيل الْمُبَاشَرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمُبَاشَرَةِ فَلَا يَمْنَعُ الْوَصِيَّةَ وَالإِْرْثَ وَأَنْ يَكُونَ لِلْمُوصِي وَارِثٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي وَارِثٌ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ.
كَمَا يَشْتَرِطُونَ فِي الْقَاتِل أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ كَمَا لَوْ كَانَ
(1) حَدِيث: " لَيْسَ لِقَاتِل وَصِيَّةٍ " أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ (4 / 237 ط دَارَ الْمَحَاسِن) مِنْ حَدِيثِ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب، ثُمَّ قَال الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَحَدِ رُوَاته: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، يَضَعُ الْحَدِيث
صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا.
وَلَا يُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ قَبْل الْجُرْحِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّ الْقَاتِل لَا يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ الْمُوصِي بَعْدَ الْجُرْحِ.
قَال الْكَاسَانِيُّ: لَوِ اشْتَرَكَ عَشَرَةٌ فِي قَتْل رَجُلٍ فَأَوْصَى لِبَعْضِهِمْ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لَمْ تَصِحَّ؛ لأََنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ عَلَى الْكَمَال حِينَ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَكَانَتْ وَصِيَّةً لِقَاتِلِهِ فَلَمْ تَصِحَّ (1) .
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَرَحَهُ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ فَمَاتَ مِنَ الْجُرْحِ لَمْ تَبْطُل وَصِيَّتُهُ، لأَِنَّهَا صَدَرَتْ مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحَلِّهَا وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا مَا يُبْطِلُهَا، بِخِلَافِ مَا إِذَا تَقَدَّمَتْ فَإِنَّ الْقَتْل طَرَأَ عَلَيْهَا فَأَبْطَلَهَا (2) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَوْل الأَْظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ - اخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ - إِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ غَيْرَ قَاتِلٍ لِلْمُوصِي سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْل عَمْدًا أَوْ خَطَأً لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بِعَقْدٍ
(1) بَدَائِع الصَّنَائِع 7 / 339، وروضة الْقُضَاة 2 / 685، حاشية ابْن عَابِدِينَ 5 / 416، والإنصاف 7 / 232 - 233، وكشاف الْقِنَاع 4 / 358، ومغني الْمُحْتَاج 3 / 43
(2)
كَشَّاف الْقِنَاع 4 / 358