الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى صَاحِبِهَا الإِْذْنُ فِيمَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ. فَأَمَّا مَعَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ وَوَكِيلِهِ، فَلَهُ السَّفَرُ بِهَا إِذَا كَانَ أَحْفَظَ لَهَا، لأَِنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، فَيَخْتَارُ فِعْل مَا فِيهِ الْحَظُّ. (1)
(هـ) ـ التِّجَارَةُ بِالْوَدِيعَةِ:
50 -
الاِتِّجَارُ بِالْوَدِيعَةِ مَكْرُوهٌ فِي قَوْل بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ بِاعْتِبَارِهِ تَجَاوُزًا لِلْحَقِّ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ رَبُّهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْوَدِيعَةُ مِنَ النُّقُودِ والْمِثْلِيَّاتِ أَوْ مِنَ الْعَرُوضِ والْقِيمِيَّاتِ. وَرَجَّحَ بَعْضُ فُقَهَائِهِمْ حُرْمَتَهُ فِي الْمَالَيْنِ، وَفَصَّل الْبَعْضُ الآْخَرُ فَقَال بِحُرْمَتِهِ فِي الْعَرُوضِ وَكَرَاهَتِهِ فِي النُّقُودِ. (2)
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الاِتِّجَارَ بِالْوَدِيعَةِ بِدُونِ إِذْنِ صَاحِبِهَا تَعَدٍّ يَسْتَوْجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ الضَّمَانَ (3) ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ النَّاتِجَ عَنِ اتِّجَارِ الْوَدِيعِ، وَذَلِكَ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ:
الأَْوَّل: أَنَّ الرِّبْحَ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ، لأَِنَّهُ
(1) الْمُغْنِي 9 / 261 وَمَا بَعْدَهَا، وَانْظُرِ الْمُبْدِعَ 5 / 238.
(2)
كِفَايَة الطَّالِب الرَّبَّانِيّ 2 / 255، وَمَوَاهِب الْجَلِيل 5 / 255.
(3)
الإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 257، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 312، وَالتَّفْرِيع لاِبْن الْجَلَاّب 2 / 271، وَمَيَّارَة عَلَى العاصمية 2 / 189.
نَمَاءُ مِلْكِهِ، إِذْ مِنَ الْمَعْرُوفِ فِي الأُْصُول وَالْقَوَاعِدِ أَنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ لِلْمَال الَّذِي هُوَ أَصْلُهُ، فَيَكُونُ مِلْكًا لِمَنْ لَهُ الْمَال الَّذِي هُوَ أَصْلُهُ. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَنَافِعٍ مَوْلَاهُ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَبِهِ قَال إِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ. (1)
الثَّانِي: أَنَّهُ لِبَيْتِ الْمَال، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَطَاءٍ، وَبِهِ قَال أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ. (2)
الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ. وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، (3) وَحُجَّتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الرِّبْحَ الْحَاصِل بِسَبَبٍ خَبِيثٍ، سَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ. وَقَال السَّرَخْسِيُّ: وَلأَِنَّ الْوَدِيعَ عِنْدَ الْبَيْعِ يُخْبِرُ الْمُشْتَرِيَ أَنَّهُ يَبِيعُ مِلْكَهُ وَحَقَّهُ، وَهُوَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ، وَالْكَذِبُ فِي التِّجَارَةِ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ،
(1) مُخْتَصِر الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّة لاِبْن تَيْمِيَّةَ ص 379، وَالاِخْتِيَارَات الْفِقْهِيَّة مِنْ فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّةَ ص 147، وَالْقَوَانِينِ الْفِقْهِيَّةِ ص 380، وَالإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 257، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 312.
(2)
مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّةَ 30 / 130، وَمُخْتَصَر الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّة ص 379، وَالإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 257.
(3)
مَجْمَع الأَْنْهُر وَالدَّرّ الْمُنْتَقَى 2 / 342، وَالْمَبْسُوط 11 / 112، وَمُخْتَصَر الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّة ص 379، وَالاِخْتِيَارَات الْفِقْهِيَّة ص 147، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 312، وَالْقَوَانِين الْفِقْهِيَّة ص 380، وَالإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 257.
بِدَلِيل حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ أَبِي غُرْزَةَ الْكِنَانِيِّ، قَال:" كُنَّا نَبْتَاعُ الأَْوْسَاقَ بِالْمَدِينَةِ، وَكُنَّا نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ، قَال: فَأَتَانَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِمَّا كُنَّا نُسَمِّي بِهِ أَنْفُسَنَا فَقَال: يَا مَعْشَر التُّجَّارِ، إِنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ، فَشَوِّبُوهُ بِالصَّدَقَةِ "(1) .
فَعَمِلْنَا بِالْحَدِيثِ فِي إِيجَابِ التَّصَدُّقِ بِالْفَضْل. (2)
الرَّابِعُ: أَنَّ الرِّبْحَ لِلْوَدِيعِ، إِذْ هُوَ ثَمَرَةُ عَمَلِهِ وَجُهْدِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِضَمَانِهِ، لأَِنَّ ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ وَقْتَ الاِتِّجَارِ بِهَا مِنْهُ، وَلأَِنَّهُ لَا يَكُونُ أَسْوَأَ حَالاً مِنَ الْغَاصِبِ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْغَاصِبَ إِذَا اتَّجَرَ بِالْمَال الْمَغْصُوبِ فَرَبِحَ فَهُوَ لَهُ، فَإِذَا كَانَ الْغَاصِبُ لَهُ الرِّبْحُ فَالْوَدِيعُ أَوْلَى، وَلأَِنَّ الْمُودِعَ لَمْ يَدْفَعِ الْمَال إِلَيْهِ بِغَرَضِ طَلَبِ الْفَضْل وَالرِّبْحِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ لَهُ، فَيَكُونُ لَهُ أَصْل مَالِهِ دُونَ الرِّبْحِ.
وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْقَاضِي شُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَيَحْيَى الأَْنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَبِهِ قَال مَالِكٌ
(1) حَدِيث قَيْس بْن أَبِي غُرْزَة: " كُنَّا نَبْتَاعُ الأَْوْسَاق. . . " أَخْرَجَهُ أَحْمَد (4 / 6 ـ ط الميمنية) وَالْحَاكِم (2 / 5 ـ ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ الْعُثْمَانِيَّة) وَاللَّفْظ لأَِحْمَدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
(2)
الْمَبْسُوط 11 / 112.
وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ. (1)
غَيْرَ أَنَّ الإِْمَامَ أَبَا يُوسُفَ قَيَّدَ اسْتِحْقَاقَهُ الرِّبْحَ بِرَدِّهِ الْوَدِيعَةَ أَوْ أَدَائِهِ الضَّمَانَ لِلْمُودِعِ، فَقَال: إِنَّمَا يَطِيبُ لِلْوَدِيعِ الرِّبْحُ إِذَا أَدَّى الضَّمَانَ أَوْ سَلَّمَ عَيْنَهَا، بِأَنْ بَاعَهَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا، وَدَفَعَهَا إِلَى مَالِكِهَا.
وَقَال بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّمَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ إِذَا رَدَّ رَأْسَ الْمَال كَمَا هُوَ، وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَرُدَّهُ، فَلَا يَحِل لَهُ مِنَ الرِّبْحِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ. هَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ (2) .
الْخَامِسُ: أَنَّ الرِّبْحَ يَكُونُ بَيْنَ الْوَدِيعِ وَالْمُودِعِ عَلَى قَدْرِ النَّفْعَيْنِ، بِحَسَبِ مَعْرِفَةِ أَهْل الْخِبْرَةِ، فَيَقْتَسِمَانِهِ بَيْنَهُمَا كَالْمُضَارَبَةِ، وَهُوَ
(1) مَجْمَع الأَْنْهُر وَالدَّرّ الْمُنْتَقَى 2 / 342، وَمَيَّارَة عَلَى العاصمية 2 / 189، وَكِفَايَة الطَّالِب الرَّبَّانِيّ وَحَاشِيَة الْعَدَوِيّ عَلَيْهِ 2 / 255، وَمَوَاهِب الْجَلِيل 5 / 255، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 312، وَالْقَوَانِين الْفِقْهِيَّة ص 380، وَالتَّاج وَالإِْكْلِيل 5 / 255، وَمَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّةَ 30 / 130، وَمُخْتَصَر الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّة ص 379، وَالاِخْتِيَارَات الْفِقْهِيَّة مِنْ فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّةَ ص 147، وَالإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 257.
(2)
مَيَّارَة وَحَاشِيَة الْحَسَن بْن رَحَّال عَلَيْهِ 2 / 189، وَمَجْمَع الأَْنْهُر 2 / 342.