الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأَْرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (1) } ، كَحَال فِرْعَوْنَ وَقَارُونَ، فَإِنَّ جَمْعَ الأَْمْوَال مِنْ غَيْرِ إِنْفَاقِهَا فِي مَوَاضِعِهَا الْمَأْمُورِ بِهَا، وَأَخْذَهَا مِنْ غَيْرِ وَجْهِهَا هُوَ مِنْ نَوْعِ الْفَسَادِ.
وَكَذَلِكَ الإِْنْسَانُ إِذَا اخْتَارَ السُّلْطَانَ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ الْعَدْل وَالْحَقِّ لَا يَحْصُل إِلَاّ بِفَسَادٍ وَظُلْمٍ، وَأَمَّا نَفْسُ وُجُودِ السُّلْطَانِ وَالْمَال الَّذِي يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ وَالْقِيَامُ بِالْحَقِّ وَالدَّارِ الآْخِرَةِ، وَيُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَلَا يَفْتُرُ الْقَلْبُ عَنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَلَا يَصُدُّهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ (2) .
دَرَجَاتُ الْوَرَعِ:
11 -
قَال الْغَزَالِيُّ: الْوَرَعُ لَهُ أَوَّلٌ وَغَايَةٌ، وَبَيْنَهُمَا دَرَجَاتٌ فِي الاِحْتِيَاطِ، وَكُلَّمَا كَانَ الإِْنْسَانُ أَشَدَّ وَرَعًا كَانَ أَسْرَعَ جَوَازًا عَلَى الصِّرَاطِ، وَأَخَفَّ ظَهْرًا.
وَذَكَرَ الدَّرَجَاتِ الأَْرْبَعَ التَّالِيَةَ:
الأُْولَى:
وَرَعُ الْعُدُول، وَهُوَ التَّوَرُّعُ عَمَّا تُحَرِّمُهُ فَتَاوَى الْفُقَهَاءِ.
(1) سورة القصص / 83.
(2)
مجموع الفتاوى 20 / 142، 143.
الثَّانِيَةُ:
وَرَعُ الصَّالِحِينَ، وَهُوَ الاِمْتِنَاعُ عَمَّا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ احْتِمَال التَّحْرِيمِ، وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي يُفْتِي بِالرُّخْصَةِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ، وَذَلِكَ فِي كُل شُبْهَةٍ يُسْتَحَبُّ اجْتِنَابُهَا وَلَا يَجِبُ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ (1) ، وَنَحْمِلُهُ عَلَى نَهْيِ التَّنْزِيهِ.
الثَّالِثَةُ:
وَرَعُ الْمُتَّقِينَ، وَهُوَ مَا لَا تُحَرِّمُهُ الْفَتْوَى، وَلَا شُبْهَةَ فِي حِلِّهِ، وَلَكِنْ يَخَافُ مِنْهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى حَرَامٍ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ دَرَجَةَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ الْبَأْسُ (2) ، وَمِنْهُ تَرْكُ الزِّينَةِ وَالتَّوَرُّعُ عَنْهَا، لأَِنَّهُ يَخَافُ مِنْهَا أَنْ تَدْعُوَ إِلَى غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَتِ الزِّينَةُ مُبَاحَةً فِي نَفْسِهَا، وَأَكْثَرُ الْمُبَاحَاتِ دَاعِيَةٌ إِلَى الْمَحْظُورَاتِ.
وَقَال عُمَرُ رضي الله عنه: كُنَّا نَدَعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَلَال مَخَافَةَ أَنْ نَقَعَ فِي الْحَرَامِ.
الرَّابِعَةُ:
وَرَعُ الصِّدِّيقِينَ: فَالْحَلَال عِنْدَهُمْ
(1) حديث: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. . . " أخرجه الترمذي (4 / 168 ـ ط الحلبي) من حديث الحسن بن علي، وقال: حديث حسن صحيح.
(2)
حديث: " لا يبلغ العبد درجة المتقين. . . " أخرجه الترمذي (4 / 634 ـ ط الحلبي) من حديث عطية السعدي، وذكر المناوي في فيض القدير (6 / 443 ـ ط المكتبة التجارية) أن في إسناده راويا لا يعرف حاله.