الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَلَّلُوا عَدَمَ جَوَازِ تَأْجِيرِهَا مِنْ قِبَل الْوَدِيعِ لآِخَرَ، بِأَنَّ الإِْجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ، وَالإِْيدَاعَ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ، فَلَوْ جَازَ لِلْوَدِيعِ تَأْجِيرُهَا لَصَارَتِ الإِْجَارَةُ غَيْرَ لَازِمَةٍ مَعَ أَنَّهَا لَازِمَةٌ.
وَقَالُوا: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهَا أَيْضًا، لأَِنَّ الْوَدِيعَ غَيْرُ مَالِكٍ لِمَنَافِعِ الْوَدِيعَةِ، وَلَمَّا كَانَتِ الإِْعَارَةُ تَمْلِيكًا لِلْمَنَافِعِ، فَلَيْسَ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَمْلِكَ الْمَرْءُ شَيْئًا لَا يَمْلِكُهُ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهَا عِنْدَ آخَرَ، لأَِنَّ الرَّهْنَ إِيفَاءٌ حُكْمًا، وَلَيْسَ لِشَخْصٍ أَنْ يَفِيَ دَيْنَهُ بِمَال الْغَيْرِ بِلَا أَمْرِ صَاحِبِهِ، بِالإِْضَافَةِ إِلَى أَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ، وَالْوَدِيعَةُ لَيْسَتْ عَقْدًا لَازِمًا. كَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْوَدِيعَةَ أَوْ يَهَبَهَا لآِخَرَ بِلَا إِذْنٍ وَيُسَلِّمَهَا إِلَيْهِ، لأَِنَّ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ لَا تَنْفُذَانِ بِدُونِ رِضَا مَالِكِهَا. (1)
56 -
وَلَوْ آجَرَ الْوَدِيعُ الْوَدِيعَةَ تَعَدِّيًا، فَهَل يَسْتَحِقُّ أُجْرَتَهَا، أَمْ أَنَّهَا تَكُونُ لِمَالِكِهَا؟
لِلْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ:
الأَْوَّل: لِلْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الأُْجْرَةَ تَكُونُ لِلْوَدِيعِ بِمُقَابَلَةِ ضَمَانِ الْوَدِيعَةِ، كَمَا يَسْتَحِقُّ الْغَاصِبُ مَنَافِعَ الْمَغْصُوبِ بِمُقَابَلَةِ ضَمَانِهِ (2) . قَال السَّرَخْسِيُّ: وَلَوْ أَكْرَى ـ أَيِ الْوَدِيعُ ـ
(1) دُرَر الْحُكَّام 2 / 268.
(2)
الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 4 / 361.
الإِْبِل إِلَى مَكَّةَ، وَأَخَذَ الْكِرَاءَ، كَانَ الْكِرَاءُ لَهُ، لأَِنَّهُ وَجَبَ بِعَقْدِهِ، وَلَيْسَتِ الْغَلَّةُ كَالْوَلَدِ وَلَا الصُّوفِ وَاللَّبَنِ، فَإِنَّ ذَاكَ يَتَوَلَّدُ مِنَ الأَْصْل، فَيَمْلِكُ بِمِلْكِ الأَْصْل، وَهَذَا غَيْرُ مُتَوَلِّدٍ مِنَ الأَْصْل، بَل هُوَ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ، فَيَكُونُ لِلْعَاقِدِ. (1) وَالثَّانِي: لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ إِنْ لَمْ تَتْلَفِ الْوَدِيعَةُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا وَيَأْخُذَ أُجْرَتَهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهَا لِلْوَدِيعِ، وَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ أُجْرَتِهَا. فَجَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَوْدَعَنِي إِبِلاً، فَأَكْرَيْتُهَا إِلَى مَكَّةَ، أَيَكُونُ لِرَبِّهَا مِنَ الْكِرَاءِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَال: كُل مَا كَانَ أَصْلُهُ أَمَانَةً، فَأَكْرَاهُ، فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ إِنْ سُلِّمَتِ الإِْبِل وَرَجَعَتْ بِحَالِهَا فِي أَنْ يَأْخُذَ كِرَاءَهَا، وَيَأْخُذَ الإِْبِل، وَفِي أَنْ يَتْرُكَهَا لَهُ، وَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنَ الْكِرَاءِ إِذَا كَانَ قَدْ حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا وَمَنَافِعُهُ بِهَا، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَعَارَهُ رَجُلٌ دَابَّةً أَوْ أَكْرَاهُ دَابَّةً إِلَى مَوْضِعٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ فَتَعَدَّى عَلَيْهَا، لأَِنَّ أَصْل هَذَا كُلِّهِ لَمْ يَضْمَنْ إِلَاّ بِتَعَدِّيهِ فِيهِ (2) .
(1) الْمَبْسُوط 11 / 126.
(2)
الْمُدَوَّنَة 15 / 157، وَانْظُرِ التَّاج وَالإِْكْلِيل 5 / 259، والزرقاني عَلَى خَلِيل 6 / 121.
57 -
وَلَوْ بَاعَهَا الْوَدِيعُ بِدُونِ إِذْنِ مَالِكِهَا، فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَكُونُ فُضُولِيًّا بِبَيْعِهِ، وَيَتَوَقَّفُ بَيْعُهُ عَلَى إِجَازَةِ صَاحِبِهَا، فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَّذَ، وَإِنْ رَدَّهُ بَطَل. (1) وَقَدْ جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: الْمُودِعُ إِذَا بَاعَ الْوَدِيعَةَ وَسَلَّمَهَا إِلَى الْمُشْتَرِي، وَضَمِنَ الْمَالِكُ الْمُودِعَ، نَفَذَ بَيْعُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا بَاعَ الْوَدِيعُ الْوَدِيعَةَ، وَهِيَ عَرْضٌ، فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ أَوْ فِي أَخْذِ الْقِيمَةِ يَوْمَ التَّعَدِّي، هَذَا إِذَا فَاتَتِ السِّلْعَةُ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فِي أَخْذِهَا، أَوِ الثَّمَنِ الَّذِي بِيعَتْ بِهِ. (3) قَال الْعَدَوِيُّ: وَالْحَاصِل أَنَّهُ عِنْدَ الْفَوَاتِ يَجِبُ لَهُ الأَْكْثَرُ مِنَ الثَّمَنِ أَوِ الْقِيمَةِ. وَمَحَل تَخْيِيرِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ فِي الإِْجَازَةِ وَالرَّدِّ: مَا لَمْ يَحْضُرْ عَقْدَ الْبَيْعِ أَوْ يَبْلُغْهُ الْبَيْعُ، وَيَسْكُتُ مُدَّةً، بِحَيْثُ يُعَدُّ رَاضِيًا، وَإِلَاّ لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَأَخْذُ مَا بِيعَتْ بِهِ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا (4) .
وَأَمَّا إِذَا اشْتَرَى الْوَدِيعُ شَيْئًا بِالْوَدِيعَةِ، فَقَال
(1) دُرَر الْحُكَّام 2 / 268.
(2)
الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 4 / 361، وَانْظُرِ الْبَحْر الرَّائِق 7 / 277.
(3)
كِفَايَة الطَّالِب الرَّبَّانِيّ 2 / 223.
(4)
حَاشِيَة الْعَدَوِيّ عَلَى كِفَايَة الطَّالِب الرَّبَّانِيّ 2 / 255.
ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الإِْشْرَافِ: إِذَا تَعَدَّى الرَّجُل فِي وَدِيعَةٍ كَانَتْ عِنْدَهُ، فَاشْتَرَى مِنْ عَيْنِ الْمَال سِلْعَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَقَال لِلْبَائِعِ: قَدِ اشْتَرَيْتُ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِهَذِهِ الْمِائَةِ دِينَارٍ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لأَِنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا بِمَالٍ لَا يَمْلِكُهُ، فَإِنْ بَاعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ وَرَبِحَ فِيهَا مِئَةً، فَإِنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ، لأَِنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُهُ.
وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَى لَيْسَ بِعَيْنِ الْمَال، بِأَنْ كَانَ يَشْتَرِي السِّلَعَ، ثُمَّ يَزِنُ مِنْ مَال الْوَدِيعَةِ، فَالشِّرَاءُ ثَابِتٌ، وَالْمَال ـ أَيِ الثَّمَنُ ـ فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ مَالِكٌ لِلسِّلَعِ بِعَقْدِ الشِّرَاءِ، وَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فِيهَا فَلَهُ، وَمَا كَانَ مِنْ نُقْصَانٍ فَعَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ مِثْل الدَّنَانِيرِ الَّتِي أَتْلَفَ لِصَاحِبِهَا. (1) 58 - وَإِذَا كَانَتِ الْوَدِيعَةُ مِنَ النُّقُودِ أَوِ الْمِثْلِيَّاتِ الأُْخْرَى، فَأَقْرَضَهَا الْوَدِيعُ تَعَدِّيًا، وَلَمْ يُجِزْ مَالِكُهَا ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى الْوَدِيعِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ. (2) وَبِنَاءً عَلَيْهِ جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (793) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّةِ: وَإِذَا أَقْرَضَ الْمُسْتَوْدَعُ دَرَاهِمَ الْوَدِيعَةِ لآِخَرَ بِلَا إِذْنٍ، وَلَمْ يُجِزْ صَاحِبُهَا، ضَمِنَهَا الْمُسْتَوْدَعُ.
(1) الإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 257، 258، وَانْظُرِ الإِْقْنَاع لاِبْن الْمُنْذِر أَيْضًا 2 / 405.
(2)
دُرَر الْحُكَّام 2 / 270، وَشَرْح الْمَجَلَّةِ للأتاسي 3 / 273.