الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (نِكَاح ف 111)
الرُّكْنُ الرَّابِعُ: الصِّيغَةُ:
29 -
الْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْوِصَايَةَ لَا تَتِمُّ إِلَاّ بِالإِْيجَابِ وَالْقَبُول.
كَمَا أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الإِْيجَابَ يَصِحُّ بِكُل صِيغَةٍ تَدُل عَلَى تَفْوِيضِ الْمُوصِي بِهِ إِلَى الْوَصِيِّ، مِثْل: أَوْصَيْتُ إِلَيْكَ، أَوْ فَوَّضْتُ إِلَيْكَ أَمْرَ أَمْوَالِي وَأَوْلَادِي بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ أَسْنَدْتُ أَمْرَهُمْ إِلَيْكَ بَعْدَ مَوْتِي، وَأَقَمْتُكَ فِيهِمْ مَقَامِي بَعْدَ مَوْتِي أَوْ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُل عَلَى تَفْوِيضِ الأَْمْرِ الْمُوصَى بِهِ إِلَى الْوَصِيِّ.
30 -
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِ عَقْدِ الْوِصَايَةِ بِلَفْظَيِ الْوَكَالَةِ، وَالْوِلَايَةِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ الإِْيجَابُ فِي الْوِصَايَةِ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ وَالْوِلَايَةِ، كَأَنْ يَقُول الْمُوصِي لِغَيْرِهِ: أَنْتَ وَكِيلِي بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ وَلَّيْتُكَ بَعْدَ مَوْتِي.
وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي انْقِضَاءِ الْوِصَايَةِ بِلَفْظَيِ الْوَكَالَةِ وَالْوِلَايَةِ وَجْهَانِ (1) .
(1) الْفَتَاوَى الْخَانِيَة 3 / 512، وَعَقْد الْجَوَاهِر الثَّمِينَة 3 / 429، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 77، وَأَسْنَى الْمَطَالِب مَعَ حَاشِيَة الرَّمْلِيّ 3 / 70، وَتُحْفَة الْمُحْتَاج 7 / 90.
أَمَّا الأَْخْرَسُ فَتَكْفِي إِشَارَتُهُ الْمُفْهَمَةُ وَكِتَابَتُهُ، وَكَذَا مُعْتَقَل اللِّسَانِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُفْتَى بِهِ وَالْحَنَابِلَةُ قَبُول إِشَارَةِ مُعْتَقَل اللِّسَانِ إِذَا كَانَ مَأْيُوسًا مِنْ نُطْقِهِ.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْقَبُول مُوَافِقًا لِلإِْيجَابِ، لأَِنَّ الإِْيصَاءَ عَقْدٌ فَأَشْبَهَ الْوَكَالَةَ، وَلِذَا تَبْطُل بِالرَّدِّ كَأَنْ يَقُول الْوَصِيُّ: لَا أَقْبَل، وَيَقُومُ التَّصَرُّفُ مَقَامَ اللَّفْظِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُول لَفْظًا (1) .
(ر: عَقْد ف 6 ـ 8، إِشَارَة ف 11) .
وَقْتُ اعْتِبَارِ قَبُول الْوِصَايَةِ وَرَدِّهَا:
31 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَقْتِ قَبُول الْوِصَايَةِ أَوْ رَدِّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل:
يَصِحُّ قَبُول الْوِصَايَةِ وَرَدُّهَا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَوْل الْمُقَابِل لِلأَْصَحِّ)(2) وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
(1) الْبَدَائِع 7 / 334، الأَْشْبَاه لاِبْنِ نَجِيمِ ص344، وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 4 / 422، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 6 / 317، وَالْمُغْنِي 6 / 574، وَكَشَّاف الْقِنَاع 4 / 336.
(2)
الْبَدَائِع 7 / 333، وَحَاشِيَة رَدّ الْمُحْتَارِ عَلَى الدَّرِّ الْمُخْتَارِ 6 / 700 وَمَا بَعْدَهَا، وَتَبْيِين الْحَقَائِقِ 6 / 206، وَالْفَتَاوَى البزازية بِهَامِش الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 6 / 442، وَالْمُغْنِي 6 / 574، وَالْكَافِي لاِبْنِ قُدَامَةَ 2 / 520، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 77.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: قَبُول الْوِصَايَةِ أَوْ رَدُّهَا عِنْدَ الْمُوصِي صَحِيحٌ لأَِنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إِلْزَامِهِ التَّصَرُّفَ وَلَا غُرُورَ فِيهِ، لأَِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوصِيَ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ عِنْدَ الْمُوصِي بَل رَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ لَا يَرْتَدُّ، لأَِنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ، فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ لَصَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَيُرَدُّ رَدُّهُ فَيَبْقَى وَصِيًّا عَلَى مَا كَانَ، كَالْوَكِيل إِذَا عَزَل نَفْسَهُ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّل، وَلَوْ لَمْ يَقْبَل وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَبِل وَإِنْ شَاءَ رَدَّ، لأَِنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الإِْلْزَامِ فَبَقِيَ مُخَيَّرًا (1) .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنَّ لِلْوَصِيِّ عَزْل نَفْسِهِ مِنَ الإِْيصَاءِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي لأَِنَّ عَقْدَ الْوِصَايَةِ غَيْرُ لَازِمٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، فَلِلْمُوصِي عَزْل الْوَصِيِّ بِغَيْرِ مُوجِبٍ وَلَوْ قَبِل، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ رَدُّ الْوِصَايَةِ بَعْدَ الْقَبُول وَمَوْتِ الْمُوصِي بِمَعْنَى أَنَّ الْوَصِيَّ إِذَا قَبِل الْوِصَايَةَ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي، أَوْ مَاتَ الْمُوصِي ثُمَّ قَبِل فَلَيْسَ لَهُ عَزْل نَفْسِهِ.
فَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْوَصِيُّ بِالإِْيصَاءِ إِلَاّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَهُ عَدَمُ الْقَبُول ثُمَّ لَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبُولٌ (2) .
(1) تَبْيِين الْحَقَائِقِ 6 / 206.
(2)
شَرْح الزُّرْقَانِيّ 8 / 202، وَالشَّرْح الْكَبِير بِحَاشِيَةِ الدُّسُوقِيّ 4 / 455.
قَال ابْنُ شَاسٍ: وَظَاهِرُ إِطْلَاقِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ وَشَيْخِهِ أَبِي الْقَاسِمِ مَنْعُ الْوَصِيِّ مِنَ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْقَبُول مُطْلَقًا إِلَاّ أَنْ يَعْجِزَ أَوْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِهَا.
وَقَال الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: إِذَا قَبِل الْوَصِيُّ الْوِصَايَةَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ مَوْتِهِ (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَصِحُّ قَبُول الْوَصِيَّةِ وَرَدُّهَا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، لأَِنَّهَا إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ فَصَحَّ قَبُولُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْوَكِيل بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لَهُ، فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي وَقْتٍ، فَلَمْ يَصِحَّ الْقَبُول قَبْل الْوَقْتِ، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْقَبُول إِلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لأَِنَّهَا نَوْعُ وَصِيَّةٍ فَصَحَّ قَبُولُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْوَصِيَّةِ لَهُ (2) .
الْقَوْل الثَّانِي: عَدَمُ صِحَّةِ قَبُول الإِْيصَاءِ وَلَا رَدِّهِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَبِهَذَا قَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ، لأَِنَّهُ لَمْ يَدْخُل وَقْتُ التَّصَرُّفِ، كَالْوَصِيَّةِ لَهُ بِالْمَال، فَلَوْ قَبِلَهُ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ رَدَّهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَغَا، أَمَّا لَوْ رَدَّهُ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ قَبِلَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَحَّ (3) .
(1) عَقْد الْجَوَاهِر الثَّمِينَة 3 / 431.
(2)
الْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَةَ 6 / 574، وَالْكَافِي لاِبْنِ قُدَامَةَ 2 / 522 ـ 523، وَانْظُرِ الإِْنْصَاف 7 / 293.
(3)
مُغْنِي الْمُحْتَاج لِلشِّرْبِينِيِّ الْخَطِيب 3 / 77.