الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأَِنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ، وَفَاعِلُهُ عَاصٍ، يَجِبُ أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ، لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ إِضَاعَةِ الْمَال، فَإِذَا أَمَرَهُ بِمَا لَيْسَ لَهُ، فَأَمْرُهُ وَسُكُوتُهُ سِيَّانِ.
وَلَوْ كَانَ هَذَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لَكَانَ الْمُسْلِمُ إِذَا قَال لأَِخِيهِ الْمُسْلِمِ: اضْرِبْ عُنُقِي، فَقَطَعَهُ، أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ فَعَل مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ هَذَا قَاتَلٌ ظَالِمٌ، وَقَدْ مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَال الْمُسْلِمِ وَمِنْ دَمِهِ، وَقَدْ جَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ تَحْرِيمِهِمَا. (1) وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ. (2)
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِتْلَافُ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ رَدُّ بَدَلِهَا:
38 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا لَوْ تَعَدَّى الْوَدِيعُ عَلَى الْوَدِيعَةِ فَأَتْلَفَهَا، ثُمَّ رَدَّ بَدَلَهَا، فَهَل يَبْقَى ضَامِنًا لَهَا بِمُوجِبِ إِتْلَافِهَا أَمْ يَرْتَفِعُ عَنْهُ الضَّمَانُ بِالرَّدِّ؟ فَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ كَانَتِ الْوَدِيعَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ طَعَامًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُكَال وَيُوزَنُ، فَأَتْلَفَهَا الْوَدِيعُ، ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهَا مَكَانَهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ تَلِفَ. أَمَّا إِذَا كَانَتْ ثِيَابًا أَوْ
(1) تَقَدَّمَ الْحَدِيث الْوَارِد فِي ذَلِكَ فِي الْفِقْرَةِ (36) .
(2)
الْعَقْد الْمُنَظِّم لِلْحُكَّامِ لاِبْنِ سَلَمُونِ 2 / 138، وَمَوَاهِبَ الْجَلِيل 5 / 251، وَالإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 264، وَالزُّرْقَانِيَّ عَلَى خَلِيلٍ 6 / 114.
عُرُوضًا قِيمِيَّةً، فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا مِنْ سَاعَةِ أَتْلَفَهَا، سَوَاءٌ رَدَّ بَدَلَهَا إِلَى مَكَانِهَا أَمْ لَا؛ لأَِنَّهُ بِإِتْلَافِهَا لَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا، وَلَا يَبْرَأُ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ إِلَاّ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ، لَا أَنْ يَرُدَّهَا فِي يَدِهِ وَدِيعَةً. (1)
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: يَبْقَى ضَامِنًا لَهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ أَوِ الْقِيمِيَّاتِ، مِنَ النُّقُودِ أَوِ الْعُرُوضِ، لأَِنَّ حُكْمَ الْوَدِيعَةِ، وَهُوَ الاِسْتِئْمَانُ، قَدِ ارْتَفَعَ بِالإِْتْلَافِ، فَلَا يَعُودُ إِلَيْهِ إِلَاّ بِالْوِفَاقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَرَدُّ الْمِثْل أَوِ الْقِيمَةِ لَيْسَ عَوْدًا لِلْوِفَاقِ عِنْدَهُمْ؛ لأَِنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ بِمِلْكِ نَفْسِهِ، لَا بِعَيْنِ الْوَدِيعَةِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لَا يَعُودُ الاِسْتِئْمَانُ إِلَاّ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ، فَلَا يَبْرَأُ مِنَ الضَّمَانِ. (2)
وَلَوْ أَتْلَفَ الْوَدِيعُ بَعْضَ الْوَدِيعَةِ تَعَدِّيًا، فَهَل يَضْمَنُ مِقْدَارَ مَا أَتْلَفَ، أَمْ يَضْمَنُ سَائِرَهَا؟ قَال النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ: إِذَا أَتْلَفَ بَعْضَ الْوَدِيعَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ اتِّصَالٌ بِالْبَاقِي، كَأَحَدِ الثَّوْبَيْنِ، لَمْ
(1) الْكَافِي لاِبْن عَبْد الْبَرّ ص 404، وَالْمُدَوَّنَة 15 / 147، 159.
(2)
الإِْشْرَاف لِلْقَاضِي عَبْد الْوَهَّاب 2 / 41، بِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 311، وَالإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 255، وَالْبَحْر الرَّائِق 7 / 277، وَالْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَةَ 9 / 277 ط هَجْر، وَتُحْفَة الْمُحْتَاج لاِبْنِ حَجَر 7 / 122.