الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ، فَهَل لَهُ الرُّجُوعُ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ:
(إِحْدَاهُمَا) يَرْجِعُ بِهِ،؛ لأَِنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا. (وَالثَّانِيَةُ) لَا يَرْجِعُ، لأَِنَّهُ مُفَرِّطٌ بِتَرْكِ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ. (1)
ثَانِيًا: وُجُوبُ الْحِفْظِ عَلَى الْوَدِيعِ:
25 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ حِفْظُ الْوَدِيعَةِ وَصِيَانَتُهَا لِصَاحِبِهَا. فَإِنْ قَصَّرَ فِي حِفْظِهَا أَوْ تَعَدَّى، فَهَلَكَتْ، ضَمِنَهَا. (2)
وَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي الإِْيجَابُ وَالْقَبُول فِي حَقِّ وُجُوبِ حِفْظِهَا عَلَى الْوَدِيعِ حَتَّى يُثَبِّتَ يَدَهُ عَلَيْهَا بِالْقَبْضِ؛ لأَِنَّ حِفْظَ الشَّيْءِ بِدُونِ إِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ مُحَالٌ، قَالُوا: وَإِنَّ مِنْ إِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى الْوَدِيعَةِ مَا لَوْ وَضَعَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ بَيْنَ يَدَيِ الْوَدِيعِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ
(1) الْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ 9 / 275، وَالإِْنْصَافُ 6 / 320 ـ 321.
(2)
الدَّرّ الْمُخْتَار 4 / 494، وَالْبَحْر الرَّائِق 7 / 273، وَالْمُقَدَّمَات الْمُمَهَّدَات 2 / 466، وَالْعَدَوِيّ عَلَى كِفَايَة الطَّالِبِ الرَّبَّانِيِّ 2 / 254 وَأَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 78 وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 6 / 341، وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 4 / 338، وَالْمُغْنِي 9 / 258، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 450، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 4 / 187.
مِنْ مَنْزِلِهِ أَوْ دُكَّانِهِ، فَرَآهُ وَسَكَتَ، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ ضَعْهَا هُنَاكَ. (1)
وَيَتَعَلَّقُ بِوُجُوبِ الْحِفْظِ عَلَى الْوَدِيعِ مَسْأَلَتَانِ:
26 -
الْمَسْأَلَةُ الأُْولَى:
كَيْفِيَّةُ الْحِفْظِ:
لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ عَلَى الْوَدِيعِ أَنْ يَصُونَ الْوَدِيعَةَ بِمَا يَصُونُ بِهِ مَالَهُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ حَالَتَيْنِ:
(الأُْولَى) أَنْ يُعَيِّنَ الْمُودِعُ الْحِرْزَ، كَمَا إِذَا قَال لِلْوَدِيعِ: احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ، أَوْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْهُ. وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حِفْظُهَا فِيهِ، فَإِنْ نَقَلَهَا إِلَى مَا دُونَهُ ضَمِنَ؛ لأَِنَّ مَنْ رَضِيَ حِرْزًا، لَمْ يَرْضَ بِمَا دُونَهُ. وَإِنْ نَقَلَهَا إِلَى مِثْلِهِ أَوْ إِلَى مَا هُوَ أَحْرَزُ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ، لأَِنَّ تَعْيِينَ الْحِرْزِ يَقْتَضِي الإِْذْنَ فِي مِثْلِهِ وَفِيمَا هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الأَْوْلَى (2) .
(1) حَاشِيَةُ الْعَدَوِيِّ عَلَى كِفَايَةِ الطَّالِبِ الرَّبَّانِيِّ 2 / 194، وَالْمُهَذَّبُ لِلشِّيرَازِيِّ 1 / 366، وَكِفَايَةُ الأَْخْيَارِ لِلْحِصْنِيِّ 2 / 10، وَالدُّرُّ الْمُخْتَار مَعَ رَدِّ الْمُحْتَارِ 4 / 494، وَشَرْحُ الْمَجَلَّةِ لِلأَْتَاسِيِّ 3 / 241، وَالْبَحْر الرَّائِق 7 / 273، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 450، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 3 / 80.
(2)
الْبَحْر الرَّائِق 7 / 279، وَمَجْمَع الأَْنْهُر وَالدَّرّ الْمُنْتَقَى 2 / 343، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 311 ـ 312، وَالْبَدَائِع 6 / 209 ـ 210، وَالْمُهَذَّب 1 / 366، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 6 / 339، وَأَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 81، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 450، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 4 / 187، وَالْمُغْنِي 9 / 259، وَالْمُبْدِع 5 / 234.
(وَالثَّانِيَةُ) أَلَاّ يُعَيِّنَ الْمُودِعُ الْحِرْزَ، وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حِفْظُهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا، وَهُوَ: مَا لَا يُعَدُّ الْوَاضِعُ فِيهِ مُضَيِّعًا لِمَا لَهُ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الإِْطْلَاقَ يَقْتَضِيهِ، فَتُوضَعُ الدَّرَاهِمُ فِي الصُّنْدُوقِ، وَالأَْثَاثُ فِي الْبَيْتِ، وَالْغَنَمُ فِي صَحْنِ الدَّارِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. (1)
فَإِنْ أَخَّرَ إِحْرَازَهَا فَتَلِفَتْ، لَزِمَهُ الضَّمَانُ، لأَِنَّ تَرْكَ الْحِفْظِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ تَفْرِيطٌ مُوجِبٌ لِتَضْمِينِهِ. وَإِنْ وَضَعَهَا فِي حِرْزٍ دُونَ حِرْزِ مِثْلِهَا ضَمِنَ؛ لأَِنَّ الإِْيدَاعَ يَقْتَضِي الْحِفْظَ، فَلَمَّا أُطْلِقَ حُمِل عَلَى الْمُتَعَارَفِ، وَهُوَ حِرْزُ الْمِثْل، فَإِنْ تَرَكَهَا فِيمَا دُونَهُ كَانَ مُفَرِّطًا، فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ.
وَإِنْ وَضَعَهَا فِي حِرْزٍ فَوْقَ حِرْزِ مِثْلِهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ مَنْ رَضِيَ بِحِرْزِ الْمِثْل رَضِيَ بِمَا فَوْقَهُ.
(1) الْعُقُود الدُّرِّيَّة لاِبْنِ عَابِدِينَ 2 / 76، قُرَّة عُيُون الأَْخْيَار 2 / 237، رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 6 / 341، أَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 82، وَكِفَايَة الأَْخْيَار 2 / 10، وَالْمُهَذَّب 1 / 366، وَالْمُقْدِمَات الْمُمَهِّدَات 2 / 466، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 450، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 4 / 187، وَالْمُغْنِي 9 / 259، 265، وَدُرَر الْحُكَّام 2 / 243، وَشَرْح الْمَجَلَّةِ لِلأَْتَاسِيِّ 3 / 249.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ ضَابِطَ حِرْزِ الْمِثْل عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ عُرْفِيٌّ، أَيْ بِحَسَبِ عَادَةِ النَّاسِ وَمَا يَرَوْنَهُ مُنَاسِبًا لِحِفْظِ الأَْشْيَاءِ بِحَسَبِ نَفَاسَتِهَا وَدَنَاءَتِهَا، وَكَثْرَتِهَا وَقِلَّتِهَا، وَهَذِهِ الأُْمُورُ تَخْتَلِفُ كَثِيرًا بِحَسَبِ الأَْقَالِيمِ وَالْحَوَاضِرِ وَالْبَوَادِي، وَبِاعْتِبَارِ الأَْزْمِنَةِ وَالأَْمْكِنَةِ، وَكَثْرَةِ السَّرِقَةِ فِي الْبَلَدِ أَوْ نُدْرَتِهَا. . . وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الاِعْتِبَارَاتِ (1)، وَقَدْ أَفْصَحَ الإِْمَامُ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: وَإِذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُل الرَّجُل الْوَدِيعَةَ، فَوَضَعَهَا فِي مَوْضِعٍ مِنْ دَارِهِ يُحْرِزُ مِنْهُ مَالَهُ، وَيَرَى النَّاسُ مِثْلَهُ حِرْزًا ـ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ دَارِهِ أَحْرَزَ مِنْهُ ـ فَهَلَكَتْ، لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ وَضَعَهَا فِي مَوْضِعٍ مِنْ دَارِهِ لَا يَرَاهُ النَّاسُ حِرْزًا، وَلَا يُحْرَزُ فِيهِ مِثْل الْوَدِيعَةِ، فَهَلَكَتْ، ضَمِنَ. (2)
فَضَابِطُ الْحِرْزِ فِي الْوَدِيعَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنْ تُحْرَزَ فِيمَا يُحْرَزُ فِيهِ أَمْثَالُهَا مَعَ مُرَاعَاةِ الأَْعْرَافِ وَالأَْزْمَانِ وَالأَْمَاكِنِ (3) .
(1) حَاشِيَة الْحَسَن بْن رَحَّال عَلَى مَيَّارَة 2 / 188، وَالْمُبْدِع 5 / 234، وَالْمَجَلَّة الْعَدْلِيَّة الْمَادَّة 782، وَمَجَلَّة الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَذْهَب الإِْمَامِ أَحْمَد الْمَادَّة 1348.
(2)
الأُْمّ 4 / 137.
(3)
قُرَّةُ عُيُونِ الأَْخْيَارِ 2 / 237، وَحَاشِيَةُ ابْنِ رَحَّالٍ عَلَى مَيَّارَة 2 / 188، وَتُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ 7 / 120، وَالْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ 9 / 259 ط هَجَرَ.