الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآْخَرَ عَلَى وِزَارَةِ بِلَادِ الْمَغْرِبِ.
ـ وَإِمَّا أَنْ يَخُصَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَظَرٍ يَكُونُ فِيهِ عَامَّ الْعَمَل، خَاصَّ النَّظَرِ، مِثْل أَنْ يَسْتَوْزِرَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْحَرْبِ، وَالآْخَرَ عَلَى الْخَرَاجِ، فَيَصِحُّ التَّقْلِيدُ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ، غَيْرَ أَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ وَزِيرَيْ تَفْوِيضٍ، بَل وَالِيَيْنِ عَلَى عَمَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، لأَِنَّ وِزَارَةَ التَّفْوِيضِ يُشْتَرَطُ فِيهَا عُمُومُ النَّظَرِ عَلَى جَمِيعِ الأُْمُورِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ هُنَا عُمُومُ النَّظَرِ لِقَصْرِهِ عَلَى أُمُورٍ حَرْبِيَّةٍ، أَوْ مَالِيَّةٍ فَقَطْ، وَيَنْفُذُ أَمْرُ الْوَزِيرَيْنِ فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ فِيمَا خُصِّصَ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَيَكُونُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُورًا عَلَى مَا خُصَّ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ مُعَارَضَةُ الآْخَرِ فِي نَظَرِهِ وَعَمَلِهِ (1) .
إِذَا فَوَّضَ الْخَلِيفَةُ تَدْبِيرَ الأَْقَالِيمِ إِلَى وُلَاتِهَا، وَوَكَّل النَّظَرَ فِيهَا إِلَى الْمُسْتَوْلِينَ عَلَيْهَا، جَازَ لِمَالِكِ كُل إِقْلِيمٍ أَنْ يَسْتَوْزِرَ، وَكَانَ حُكْمُ وَزِيرِهِ مَعَهُ كَحُكْمِ وَزِيرِ الْخَلِيفَةِ مَعَ الْخَلِيفَةِ فِي اعْتِبَارِ الْوِزَارَتَيْنِ، وَأَحْكَامِ النَّظَرَيْنِ (2) .
الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الإِْمَامِ وَوَزِيرِ التَّفْوِيضِ:
12 -
إِنَّ وَزِيرَ التَّفْوِيضِ يَقُومُ مَقَامَ الإِْمَامِ
(1) الأحكام السلطانية للماوردي ص28، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص32 ـ 33.
(2)
الأحكام السلطانية للماوردي ص28، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص33.
فِي تَطْبِيقِ الشَّرْعِ وَتَنْفِيذِ الأَْحْكَامِ وَسِيَاسَةِ الأَْنَامِ، وَإِنَّ نَظَرَهُ يَعُمُّ عُمُومَ نَظَرِ الإِْمَامِ فِي خُطَّةِ الإِْسْلَامِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ رُتْبَةُ الاِسْتِقْلَال، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُرَاجِعَ الإِْمَامَ فِي مَجَامِعِ الْخُطُوبِ، فَإِنْ أَشْكَل عَلَيْهِ أَمْرٌ رَاجَعَ الإِْمَامَ، أَوْ مَنْ يَصْلُحُ لِلْمُرَاجَعَةِ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَحَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ، فَالْخَلِيفَةُ هُوَ الأَْصِيل، وَهُوَ الْمَسْئُول
الأَْوَّل
، وَلَهُ مُبَاشَرَةُ الأُْمُورِ كُلِّهَا، وَيَنُوبُ عَنْهُ الْوَزِيرُ فِي ذَلِكَ، فَالْوَزِيرُ نَائِبٌ (1) .
وَلِذَلِكَ يَتَقَيَّدُ عَمَل الْوَزِيرِ بِأَمْرَيْنِ:
الأَْوَّل: خَاصٌّ بِالْوَزِيرِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِأَنْ يَطَّلِعَ الإِْمَامُ عَلَى كُل مَا أَمْضَاهُ مِنْ تَدْبِيرٍ، وَعَلَى كُل مَا أَنْفَذَهُ مِنْ وِلَايَةٍ وَتَعْيِينٍ وَتَقْلِيدٍ؛ لِئَلَاّ يَصِيرَ بِالاِسْتِبْدَادِ كَالإِْمَامِ.
الثَّانِي:
خَاصٌّ بِالإِْمَامِ، وَهُوَ أَنْ يَتَصَفَّحَ أَفْعَال الْوَزِيرِ وَتَدْبِيرَهُ الأُْمُورَ، لِيُقِرَّ مِنْهَا مَا وَافَقَ الصَّوَابَ، وَيَسْتَدْرِكَ مَا خَالَفَهُ؛ لأَِنَّ تَدْبِيرَ الأُْمَّةِ مَوْكُولٌ إِلَيْهِ فِي الأَْصْل، وَمَحْمُولٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ (2) .
ـ
مُعَاوِنُو وَزِيرِ التَّفْوِيضِ وَمُسَاعِدُوهُ:
13 -
كَمَا أَنَّ الإِْمَامَ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ بِأَعْبَاءِ
(1) غياث الأمم للجويني ص113.
(2)
الأحكام السلطانية للماوردي ص24، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص30.
الدَّوْلَةِ وَحْدَهُ، فَيَسْتَعِينُ بِالْوُزَرَاءِ، كَذَلِكَ وَزِيرُ التَّفْوِيضِ يَعْجِزُ عَنْ تَحَمُّل الْعِبْءِ الْكَبِيرِ فِي إِدَارَةِ الدَّوْلَةِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الأُْمَّةِ وَأَمْرِ الْمِلَّةِ، لِذَلِكَ كَانَ مِنْ وَاجِبِهِ اخْتِيَارُ الْمُعَاوِنِينَ الأَْكْفَاءِ الصَّالِحِينَ، وَالْمُسَاعِدِينَ الأَْقْوِيَاءِ، مِنْ وُزَرَاءِ التَّنْفِيذِ، وَأُمَرَاءِ الأَْجْنَادِ، وَقِيَادَةِ الْعَسْكَرِ، وَوُلَاةِ الأَْمْوَال، وَالْكُتَّابِ، وَالسُّعَاةِ عَلَى الْخَرَاجِ وَالصَّدَقَاتِ، مِمَّنْ يَثِقُ بِدِينِهِمْ وَصَلَاحِهِمْ وَخِبْرَتِهِمْ وَمَقْدِرَتِهِمْ عَلَى تَوَلِّي الْمَنَاصِبِ الْقِيَادِيَّةِ، وَالأَْعْمَال الْجَسِيمَةِ الَّتِي تُوَكَّل إِلَيْهِمْ، فَيُنِيبُهُمْ عَنْهُ، وَيَسْتَعْمِلُهُمْ فِي الأَْعْمَال (1) .
14 -
وَيَجِبُ أَنْ يَتَوَفَّرَ فِي الْمُعَاوِنِينَ وَالْمُسَاعِدِينَ الصِّفَاتُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي يَجِبُ مُرَاعَاتُهَا فِي اخْتِيَارِ الأَْشْخَاصِ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ مَقَالِيدَ الأُْمَّةِ، مَعَ الْبَحْثِ عَنْ أَحْسَنِ وَأَفْضَل شَخْصٍ تَتَوَفَّرُ فِيهِ الشُّرُوطُ اللَاّزِمَةُ، وَتَتَحَقَّقُ فِيهِ الْعَدَالَةُ، وَتُصَانُ بِهِ الْمَصْلَحَةُ، قَال تَعَالَى:{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَْمِينُ (2) } ، فَهَذِهِ الآْيَةُ تَتَضَمَّنُ اشْتِرَاطَ الأَْمَانَةِ وَالْقُوَّةِ أَيِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْعَمَل الَّذِي يُسْنَدُ إِلَيْهِ مِنْ أَعْمَال الدَّوْلَةِ (3)، قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَالْقُوَّةُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ تَرْجِعُ إِلَى الْعِلْمِ بِالْعَدْل الَّذِي دَل عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَإِلَى الْقُدْرَةِ عَلَى
(1) غياث الأمم ص214.
(2)
سورة القصص: 26.
(3)
السياسة الشرعية لابن تيمية ص16.
تَنْفِيذِ الأَْحْكَامِ، وَالأَْمَانَةُ تَرْجِعُ إِلَى خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَلَاّ يَشْتَرِيَ بِآيَاتِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً، وَتَرْكِ خَشْيَةِ النَّاسِ (1) .
وَأَرْشَدَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحُكَّامَ إِلَى الْمَبَادِئِ الَّتِي تُرَاعَى فِي تَوْلِيَةِ الْوُلَاةِ وَالْعُمَّال، فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنِ اسْتَعْمَل رَجُلاً مِنْ عِصَابَةٍ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَخَانَ الْمُؤْمِنِينَ (2) .
15 -
وَيَجِبُ عَلَى وَزِيرِ التَّفْوِيضِ أَنْ يَتَفَقَّدَ أَعْمَال الْمُعَاوِنِينَ وَالْمُسَاعِدِينَ، وَأَنْ يَتَصَفَّحَ أَحْوَالَهُمْ لِيَنْهَضَ الْجَمِيعُ بِسِيَاسَةِ الأُْمَّةِ، وَحِرَاسَةِ الْمِلَّةِ، وَلَا يَتَخَلَّى عَنْ ذَلِكَ بِأَعْمَالِهِ الْخَاصَّةِ، وَلَا حَتَّى بِالْعِبَادَةِ، فَقَدْ يَخُونُ الأَْمِينُ، وَيَغُشُّ النَّاصِحُ، وَهَذَا مَفْرُوضٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الدِّينِ، وَمَنْصِبِ الْوِزَارَةِ، وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ السِّيَاسَةِ الَّتِي اسْتَرْعَاهَا (3) .
وَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ (4) .
(1) السياسة الشرعية لابن تيمية ص17.
(2)
حديث: " من استعمل رجلا من عصابة. . ". أخرجه الحاكم (4 / 92 ط الكتاب العربي) ، وأعله المنذري في الترغيب (3 / 118 ط دار ابن كثير) بضعف أحد رواته.
(3)
الأحكام السلطانية للماوردي ص16.
(4)
حديث: " كلكم راع، وكلكم مسئول. . " أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 178) .