الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاِخْتِلَافُ فِي الْوَدِيعَةِ:
لِلاِخْتِلَافِ فِي الْوَدِيعَةِ صُوَرٌ مُتَعَدِّدَةٌ تَفْصِيلُهَا فِيمَا يَلِي:
الصُّورَةُ الأُْولَى: الاِخْتِلَافُ فِي أَصْل عَقْدِ الْوَدِيعَةِ:
71 -
إِذَا أَوْدَعَ رَجُلٌ آخَرَ مَالاً، ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَقَال الآْخَرُ: أَمَرْتَنِي أَنْ أُنْفِقَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَوْ أَتَصَدَّقَ بِهِ أَوْ أَدْفَعَهُ لِفُلَانٍ، وَأَنْكَرَ الْمُودِعُ ذَلِكَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا:
لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالثَّوْرِيِّ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْل قَوْل رَبِّ الْوَدِيعَةِ مَعَ يَمِينِهِ، وَعَلَى الْوَدِيعِ الْبَيِّنَةُ بِمَا ادَّعَى، لأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُ الإِْذْنِ لَهُ بِذَلِكَ (1) .
وَقَدْ جَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَوْدَعَنِي رَجُلٌ وَدِيعَةً، فَجَاءَ يَطْلُبُهَا، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ أَمَرْتَنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَى فُلَانٍ، وَقَدْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِ. وَقَال رَبُّ الْوَدِيعَةِ: مَا أَمَرْتُكَ بِذَلِكَ. قَال: هُوَ ضَامِنٌ، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ
(1) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 4 / 358، وَاخْتِلَافُ الْعِرَاقِيِّينَ لأَِبِي يُوسُفَ 4 / 62، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 6 / 348، وَأَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 86، وَالأُْمّ 4 / 61، وَمَوَاهِب الْجَلِيل وَالتَّاج وَالإِْكْلِيل 5 / 259 وَمَا بَعْدَهَا، والزرقاني عَلَى خَلِيل 6 / 121، وَالْمُغْنِي 9 / 273، وَالإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 266.
أَمَرَهُ بِذَلِكَ (1) .
وَقَال السَّرَخْسِيُّ: وَإِنِ ادَّعَى الْوَدِيعُ أَنَّهُ أَنْفَقَ الْوَدِيعَةَ عَلَى عِيَال الْمُودِعِ بِأَمْرِهِ، وَصَدَّقَهُ عِيَالُهُ فِي ذَلِكَ. وَقَال رَبُّ الْوَدِيعَةِ: لَمْ آمُرْكَ بِذَلِكَ. فَالْقَوْل قَوْل رَبِّ الْوَدِيعَةِ مَعَ يَمِينِهِ، لأَِنَّ الْوَدِيعَ بَاشَرَ سَبَبَ الضَّمَانِ فِي الْوَدِيعَةِ، وَهُوَ الإِْنْفَاقُ، وَادَّعَى مَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْهُ، وَهُوَ إِذْنُ الْمَالِكِ، فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إِلَاّ بِبَيِّنَةٍ. وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَالْقَوْل قَوْل رَبِّ الْوَدِيعَةِ مَعَ يَمِينِهِ لإِِنْكَارِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوِ ادَّعَى أَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ يَهَبَهَا لِفُلَانٍ (2) .
وَالثَّانِي:
لِلْحَنَابِلَةِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى: وَهُوَ أَنَّ الْقَوْل قَوْل الْوَدِيعِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ. وَذَلِكَ لأَِنَّهُ ادَّعَى دَفْعًا يَبْرَأُ بِهِ مِمَّنْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ، فَكَانَ الْقَوْل قَوْلَهُ فِيهِ، كَمَا لَوِ ادَّعَى رَدَّهَا إِلَى مَالِكِهَا، وَلَا يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمَالِكِ غَيْرُ الْيَمِينِ (3) .
(1) الْمُدَوَّنَة 15 / 154.
(2)
الْمَبْسُوط 11 / 127.
(3)
الْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَةَ 9 / 273، وَكَشَّاف الْقِنَاع 4 / 199، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 455، وَالْمُبْدِع 5 / 242، وَاخْتِلَاف الْعِرَاقِيِّينَ لأَِبِي يُوسُف 4 / 62، وَانْظُرِ الْمَادَّة (1343) مِنْ مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.