الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعْلِيقُ صِيغَةِ الْوِصَايَةِ وَتَوْقِيتِهَا:
32 -
التَّعْلِيقُ وَالتَّأْقِيتُ فِي صِيغَةِ الْوِصَايَةِ جَائِزٌ بِالاِتِّفَاقِ، لأَِنَّ الْوِصَايَةَ تَحْتَمِل الْجَهَالَاتِ وَالأَْخْطَارَ فَكَذَا التَّوْقِيتُ وَالتَّعْلِيقُ، وَلأَِنَّ الإِْيصَاءَ كَالإِْمَارَةِ، وَقَدْ أَمَّرَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنْ قُتِل زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِل جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ " (1) .
وَمِثَال التَّعْلِيقِ: أَنْ يَقُول: إِذَا مُتُّ فَقَدْ أَوْصَيْتُ إِلَيْكَ أَوْ يُوصِي إِلَى شَخْصٍ وَيَقُول: إِنْ مَاتَ الْوَصِيُّ فَزَيْدٌ وَصِيٌّ بَدَلَهُ. وَمِثَال التَّأْقِيتِ: أَنْ يَقُول: أَوْصَيْتُ إِلَيْكَ سَنَةً أَوْ إِلَى بُلُوغِ ابْنِي أَوْ إِلَى قُدُومِ زَيْدٍ (2) .
وَاجِبَاتُ الْوَصِيِّ:
33 -
الْوَصِيُّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا. فَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا الْتَزَمَ بِمَا قُيِّدَ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِمَا وُصِّيَ عَلَيْهِ مِنْ
(1) حَدِيث: " أَمْر رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْد بْن حَارِثَة ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (الْفَتْح 7 / 510) .
(2)
حَاشِيَة رَدّ الْمُحْتَارِ عَلَى الدَّرِّ الْمُخْتَارِ 6 / 701، وَتَبْيِين الْحَقَائِقِ 5 / 148، وَشَرْح الزُّرْقَانِيّ 8 / 199، وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ عَلَى الشَّرْحِ الْكَبِيرِ 4 / 451، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 77، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 6 / 314، وَالْمُغْنِي 6 / 572، وَشَرْح الْمُنْتَهَى 2 / 574، وَالْكَافِي لاِبْنٍ قُدَّامِهِ 2 / 522.
صِغَارٍ أَوْ مَنْ فِي حُكْمِهِمْ، وَيَشْمَل ذَلِكَ الْقِيَامَ بِحِفْظِ أَمْوَالِهِمْ وَتَثْمِيرِهَا وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِخْرَاجِ مَا تَعَلَّقَ بِأَمْوَالِهِمْ مِنْ حُقُوقٍ لِلَّهِ أَوْ لِلنَّاسِ، عَمَلاً بِقَوْل اللَّهِ سُبْحَانَهُ:{وَلَا تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيمِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (1) } .
" وَبِقَوْل عُمَرَ رضي الله عنه: ابْتَغُوا بِأَمْوَال الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الصَّدَقَةُ "(2) .
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الأَْصْل أَنَّ وِلَايَةَ الْوَصِيِّ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ وِلَايَةِ الْمُوصِي، وَأَنَّ وِلَايَةَ الْحِفْظِ تَبَعٌ لِوِلَايَةِ التَّصَرُّفِ، فَإِذَا ثَبَتَتْ لِلْوَصِيِّ وِلَايَةُ الْحِفْظِ ثَبَتَتْ لَهُ وِلَايَةُ كُل تَصَرُّفٍ هُوَ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ، نَحْوَ بَيْعِ الْمَنْقُول، وَبَيْعِ مَا يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ (3) .
وَقَالُوا: يَنْبَغِي لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى الصَّبِيِّ فِي النَّفَقَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الإِْسْرَافِ وَلَا عَلَى وَجْهِ التَّضْيِيقِ، وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ بِقِلَّةِ مَال الصَّبِيِّ وَكَثْرَتِهِ وَاخْتِلَافِ حَالِهِ فَيَنْظُرُ فِي مَالِهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ قَدْرَ مَا يَلِيقُ (4) .
(1) سُورَة الإِْسْرَاء: 34.
(2)
أَثَر عُمَر رضي الله عنه: ابْتَغَوْا بِأَمْوَال الْيَتَامَى. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ (2 / 110 ـ ط دَارَ الْمَحَاسِن) ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي السُّنَنِ (4 / 107 ـ ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ الْعُثْمَانِيَّة) وَصَحَّحَ الْبَيْهَقِيّ إِسْنَاده.
(3)
الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 6 / 145، وَالْبَحْر الرَّائِق 8 / 526.
(4)
الْفَتَاوَى الْخَانِيَة 3 / 522 ـ 523، وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 6 / 45.
وَعَدَّ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ وَاجِبَاتِ الْوَصِيِّ مَا يَلِي:
أ) تَجْهِيزُ الْمَيِّتِ وَشِرَاءُ الْكَفَنِ لَهُ، لأَِنَّ فِي التَّأْخِيرِ فَسَادَ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْجِيرَانُ أَيْضًا فِي الْحَضَرِ، وَالرُّفْقَةُ فِي السَّفَرِ.
ب) قَضَاءُ حَاجَةِ الصِّغَارِ وَالاِتِّهَابُ لَهُمْ لأَِنَّهُ يَخَافُ هَلَاكَهُمْ مِنَ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ.
ج) رَدُّ وَدِيعَةِ عَيْنٍ وَقَضَاءُ دَيْنٍ.
د) رَدُّ الْمَغْصُوبِ وَرَدُّ الْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَكَذَا حِفْظُ الْمَال.
هـ) بَيْعُ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى وَالتَّلَفُ وَجَمْعُ الأَْمْوَال الضَّائِعَةِ.
و) تَنْفِيذُ وَصِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَعِتْقُ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ.
ز) الْخُصُومَةُ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لِلْوَصِيِّ اقْتِضَاءُ الدَّيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَتَأْخِيرُهُ بِالنَّظَرِ فِي الْمَصْلَحَةِ، فَقَدْ يَكُونُ التَّأْخِيرُ هُوَ الصَّوَابَ، وَلَهُ النَّفَقَةُ عَلَى الطِّفْل أَوِ السَّفِيهِ بِالْمَعْرُوفِ، بِحَسَبِ قِلَّةِ الْمَال أَوْ كَثْرَتِهِ، وَبِحَسَبِ حَال الطِّفْل مِنْ أَكْلٍ وَكِسْوَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَيَنْظُرُ لِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَال بِالْمَعْرُوفِ فِيمَا ذَكَرَ، وَفِي خَتْنِهِ وَعُرْسِهِ، وَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ دَخَل فَأَكَل لأَِنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ
(1) الْبَحْر الرَّائِق 8 / 526.
شَرْعًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْرَفَ مِنْ مَال الْيَتِيمِ فَلَا يَجُوزُ الأَْكْل مِنْهُ، وَعِيدِهِ فَيُوَسِّعُ عَلَيْهِ بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَال.
وَأَمَّا مَا يَصْرِفُ لِلَّعَّابِينَ فِي عُرْسِهِ وَخَتْنِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْيَتِيمَ وَيَضْمَنُهُ الْوَصِيُّ. وَلِلْوَصِيِّ دَفْعُ نَفَقَةٍ لَهُ قَلَّتْ كَنَفَقَةِ شَهْرٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُتْلِفُهُ، فَإِنْ خَافَ إِتْلَافَهُ فَنَفَقَةُ يَوْمٍ بِيَوْمٍ، وَلَهُ إِخْرَاجُ زَكَاةِ فِطْرِهِ مِنْ مَالِهِ عَنْهُ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَزَكَاتُهُ الْمَالِيَّةُ مِنْ عَيْنٍ وَحَرْثٍ وَمَاشِيَةٍ.
وَيَرْفَعُ الْوَصِيُّ لِلْحَاكِمِ الَّذِي يَرَى زَكَاةَ الْمَال فِي مَال الصَّبِيِّ لِيَحْكُمَ بِإِخْرَاجِهَا، فَيَرْتَفِعَ الْخِلَافُ خَوْفًا مِنْ رَفْعِ الصَّبِيِّ بَعْدَ رُشْدِهِ لِقَاضٍ حَنَفِيٍّ لَا يَرَى الزَّكَاةَ فِي مَال الصَّبِيِّ فَيَضْمَنُ الْوَصِيُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ عَنْهُ.
وَهَذَا إِنْ كَانَ هُنَاكَ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ يَرَى سُقُوطَهَا عَنِ الصَّبِيِّ.
وَلِلْوَصِيِّ دَفْعُ مَال الْمُوصَى عَلَيْهِ لِمَنْ يَعْمَل فِيهِ قِرَاضًا وَبِضَاعَةً، وَلَهُ عَدَمُ دَفْعِهِ إِذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْمِيَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الَّذِي يَلْزَمُ الْوَصِيَّ فِي حَقِّ الْيَتِيمِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ:
(1) الشَّرْح الْكَبِير للدردير بِهَامِش الدُّسُوقِيّ 4 / 454 ـ 455. /