الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وِزَارَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 ـ الْوِزَارَةُ ـ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ لُغَةً: الْوِلَايَةُ، مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْوِزْرِ وَهُوَ الإِْثْمُ وَالْحِمْل الثَّقِيل، أَوْ مِنَ الأَْزْرِ وَهُوَ الظَّهْرُ، أَوْ مِنَ الْوَزَرِ وَهُوَ الْمُعْتَصَمُ وَالْجَبَل الْمَنِيعُ (1) .
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، لأَِنَّ كَلِمَةَ الْوِزَارَةِ فِي الاِصْطِلَاحِ تَجْمَعُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ كُلَّهَا، وَهِيَ نَوْعٌ مِنَ الْوِلَايَةِ، لأَِنَّ الْوَزِيرَ عَوْنٌ عَلَى الأُْمُورِ، وَظَهِيرٌ فِي السِّيَاسَةِ، وَمَلْجَأٌ عِنْدَ النَّوَازِل، وَهُوَ الْمُشِيرُ، وَالْمُؤَازِرُ، وَالْمُعَاوِنُ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أـ
الإِْمَارَةُ:
(1) القاموس المحيط، ومعجم مقاييس اللغة، ومختار الصحاح، والمصباح المنير، وأساس البلاغة.
(2)
مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني ص 867 ط دار القلم دمشق، والأحكام السلطانية للماوردي ص24، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص29 طبع مصطفى البابي الحلبي، وتحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام لابن جماعة ص75.
2 ـ الإِْمَارَةُ بِالْكَسْرِ، وَالإِْمْرَةُ: الْوِلَايَةُ، وَأُمِّرَ إِمَارَةً وَإِمْرَةً: صَارَ أَمِيرًا.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَتَكُونُ الإِْمَارَةُ فِي الأُْمُورِ الْعَامَّةِ، وَلَا تُسْتَفَادُ إِلَاّ مِنْ جِهَةِ الإِْمَامِ وَالْخَلِيفَةِ بِخِلَافِ الْوِلَايَةِ.
فَقَدْ تَكُونُ فِي الأُْمُورِ الْعَامَّةِ، وَهِيَ الْخِلَافَةُ وَالإِْمَامَةُ الْعُظْمَى، وَقَدْ تَكُونُ فِي الأُْمُورِ الْخَاصَّةِ فِي السُّلْطَةِ عَلَى مِصْرٍ، أَوْ عَمَلٍ خَاصٍّ مِنْ أُمُورِ الدَّوْلَةِ كَإِمَارَةِ الْجَيْشِ وَإِمَارَةِ الصَّدَقَاتِ، وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى مَنْصِبِ الأَْمِيرِ، وَتُسْتَفَادُ مِنْ جِهَةِ الإِْمَامِ، كَمَا تُسْتَفَادُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ أَوِ الْقَاضِي، أَوْ غَيْرِهِمَا كَالْوَصِيَّةِ بِالاِخْتِيَارِ، وَالْوِكَالَةِ (1) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوِزَارَةِ وَالإِْمَارَةِ أَنَّ كِلَيْهِمَا نَوْعٌ مِنَ الْوِلَايَةِ.
تَارِيخُ الْوِزَارَةِ فِي الإِْسْلَامِ وَمَشْرُوعِيَّتُهَا:
3 ـ وَرَدَ الأَْمْرُ فِي الشَّرْعِ بِالشُّورَى وَالاِسْتِعَانَةِ بِأَهْل الْخَيْرِ، فَالإِْنْسَانُ ضَعِيفٌ بِنَفْسِهِ، قَوِيٌّ بِأَخِيهِ، وَالْخَلِيفَةُ إِنْسَانٌ لَا يَقْدِرُ
(1) معجم مقاييس اللغة، والقاموس المحيط، والمصباح المنير، ومختار الصحاح وقواعد الفقه للبركتي.
عَلَى مُبَاشَرَةِ جَمِيعِ مَا وُكِّل إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْمِلَّةِ وَمَصَالِحِ الأُْمَّةِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى رَجُلٍ مَوْثُوقٍ فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ، يَسْتَعِينُ بِهِ وَيُشَاوِرُهُ، وَيُشْرِكُهُ فِي النَّظَرِ وَالأَْمْرِ، وَيَتَنَازَل لَهُ عَنْ بَعْضِ مَسْئُولِيَّاتِهِ، لِيَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي التَّدْبِيرِ وَمُعَاضَدَةِ الإِْمَامِ (1) .
وَالْوِزَارَةُ لَهَا مَكَانَةٌ عَالِيَةٌ فِي الإِْسْلَامِ، وَلِذَلِكَ قَال الطُّرْطُوشِيُّ:: أَشْرَفُ مَنَازِل الآْدَمِيِّينَ: النُّبُوَّةُ، ثُمَّ الْخِلَافَةُ، ثُمَّ الْوِزَارَةُ (2)، وَقَال ابْنُ خَلْدُونَ: الْوِزَارَةُ: أَهَمُّ الْخُطَطِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَالرُّتَبِ الْمُلُوكِيَّةِ، لأَِنَّ اسْمَهَا يَدُل عَلَى مُطْلَقِ الإِْعَانَةِ (3) .
4 ـ وَدَلِيل مَشْرُوعِيَّتِهَا مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ مُوسَى عليه الصلاة والسلام: {وَاجْعَل لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي} {هَارُونَ أَخِي} {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (4) } ، فَقَدْ سَأَل مُوسَى عليه الصلاة والسلام رَبَّهُ اتِّخَاذَ الْوَزِيرِ الْمُشَارِكِ لَهُ فِي الأَْمْرِ وَالتَّدْبِيرِ، وَقَال
(1) غياث الأمم للجويني ص116، 117 نشر دار الدعوة ـ الإسكندرية، ومقدمة ابن خلدون ص235، وتحرير الأحكام في تدبير الإسلام ص76.
(2)
سراج الملوك للطرطوشي 74 المطبعة الخيرية مصر.
(3)
مقدمة ابن خلدون ص236.
(4)
طه / 29ـ32.
تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (1) } فَإِجَابَةُ اللَّهِ تَعَالَى سُؤْلَهُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْوَزِيرِ.
وَقَال تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (2) } ، يَعْنِي مُعِينًا وَظَهِيرًا، قَال الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي النُّبُوَّةِ، كَانَ فِي الإِْمَامَةِ أَجْوَزَ (3)، وَقَال الطُّرْطُوشِيُّ: لَوْ كَانَ السُّلْطَانُ يَسْتَغْنِي عَنِ الْوُزَرَاءِ لَكَانَ أَحَقَّ النَّاسِ بِذَلِكَ كَلِيمُ اللَّهِ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ (4)، وَقَال ابْنُ خَلْدُونَ: وَهُوَ إِمَّا أَنْ يَسْتَعِينَ فِي ذَلِكَ بِسَيْفِهِ، أَوْ قَلَمِهِ، أَوْ رَأْيِهِ، أَوْ مَعَارِفِهِ (5) .
وَمِنَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: وَزِيرَايَ مِنَ السَّمَاءِ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل، وَمِنْ أَهْل الأَْرْضِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ (6) ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ اتِّخَاذِ الْوُزَرَاءِ.
(1) سورة طه / 36.
(2)
الفرقان / 35، وانظر تفسير الطبري 19 / 13.
(3)
الأحكام السلطانية للماوردي ص22، وانظر الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 29.
(4)
سراج الملوك للطرطوشي ص57.
(5)
مقدمة ابن خلدون ص 235ـ237.
(6)
حديث: " وزيراي من السماء جبريل وميكائيل. . " الحديث أخرجه الحاكم (2 / 264 ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
وَعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالأَْمِيرِ خَيْرًا جَعَل لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ، إِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ جَعَل لَهُ وَزِيرَ سُوءٍ، إِنْ نَسِيَ لَمْ يُذَكِّرْهُ، وَإِنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ (1) . وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ عَمَلاً، فَأَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا جَعَل لَهُ وَزِيرًا صَالِحًا إِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ (2) ، وَهَذَا يَدُل عَلَى اسْتِحْبَابِ اتِّخَاذِ الْوَزِيرِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لأُِمُورِ السِّيَاسَةِ.
وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُشَاوِرُ فِي الأُْمُورِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما، وَقَال فِي حَقِّهِمَا: لَوِ اجْتَمَعْتُمَا فِي مَشُورَةٍ مَا خَالَفْتُكُمَا (3) .
(1) حديث عائشة رضي الله عنها: " إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق. . ". أخرجه أبو داود (3 / 345 ط حمص) ، والنسائي (7 / 159 ط المكتبة التجارية) وابن حبان (الإحسان 7 / 346ط الرسالة) .
(2)
حديث: " من ولي منكم عملا. . . . " أخرجه النسائي (7 / 159 ط المكتبة التجارية) .
(3)
حديث: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور. . . " أخرجه أحمد (4 / 227 ط الميمنية) من حديث ابن غنم الأشعري، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9 / 53 ط القدسي)، وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن ابن غنم لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وروى البيهقي في السنن (10 / 109 دائرة المعارف العثمانية) عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله عز وجل: " وشاورهم في الأمر " قال: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
وَجَاءَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ (1) } عَنْ عِكْرِمَةَ: إِنَّهَا إِشَارَةٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما خَاصَّةً (2) .
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَال: كَانَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَكَانَ الْوَزِيرِ، فَكَانَ يُشَاوِرُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ (3) .
وَمِنْ آثَارِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لَفْظُ الْوِزَارَةِ عِنْدَمَا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ بِالْمَدِينَةِ لاِخْتِيَارِ مَنْ يَخْلُفُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بَعْدَ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهم: صَدَقْتَ نَحْنُ الْوُزَرَاءُ، وَأَنْتُمُ الأُْمَرَاءُ (4) ، وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه وَزِيرًا لأَِبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَزِيرَيْ عُمَرَ رضي الله عنهم، وَهَكَذَا كُل خَلِيفَةٍ كَانَ لَهُ وُزَرَاءُ وَمُعِينُونَ وَمُرْشِدُونَ.
(1) سورة النساء / 59.
(2)
تفسير الطبري 5 / 149، وتفسير القرطبي 5 / 259.
(3)
أثر سعيد بن المسيب " كان أبو بكر من النبي صلى الله عليه وسلم مكان الوزير. . " أخرجه الحاكم (3 / 63 ط دائرة المعارف العثمانية) وقال الذهبي: في رواته مجهول.
(4)
أخرج مقالة سعد بن عبادة الطبري في تاريخه (3 / 203 - ط دار المعارف مصر) .