الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَشْبَهَتِ الْهِبَةَ وَخَالَفَتِ الإِْرْثَ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: صَحَّ الإِْيصَاءُ مِنْ مَقْتُولٍ إِلَى قَاتِلِهِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً إِذَا عَلِمَ الْمُوصِي بِسَبَبِ الْقَتْل، بِأَنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضَرَبَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً.
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْمُوصِي بِالسَّبَبِ بِحَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ ضَارِبَهُ فَأَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ فَتَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ الضَّرْبِ فَلَا يُتَّهَمُ الْمُوصَى لَهُ بِالاِسْتِعْجَال.
وَالآْخَرُ: عَدَمُ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لأَِنَّ الْمُوصِيَ لَوْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا الْقَاتِل لَهُ لَمْ يُوصِ لَهُ؛ لأََنَّ الشَّأْنَ أَنَّ الإِْنْسَانَ لَا يُحْسِنُ لِمَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ.
قَال الدُّسُوقِيُّ: الظَّاهِرُ مِنَ التَّأْوِيلَيْنِ الثَّانِي وَهُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ.
وَلَا يَدْخُل فِي التَّأْوِيلَيْنِ: أَعْطُوا مَنْ قَتَلَنِي لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ اتِّفَاقًا.
وَقَالُوا: تَكُونُ الْوَصِيَّةُ فِي الْخَطَأِ فِي الْمَال وَالدِّيَةِ وَفِي الْعَمْدِ تَكُونُ فِي الْمَال فَقَطْ إِلَاّ أَنْ يَنْفُذَ مَقْتَلُهُ وَيَقْبَل وَارِثُهُ الدِّيَةَ وَيَعْلَمَ الْمَقْتُول فِيهَا فَتَكُونُ فِي الدِّيَةِ أَيْضًا (1) .
(1) الشَّرْح الْكَبِير مَعَ حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيّ 4 / 426، ومغني الْمُحْتَاج 3 / 43، وأسنى الْمَطَالِب 3 / 32، والإنصاف 7 / 232 ـ 233
خَامِسًا: أَنْ لَا يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي:
35 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَلَاّ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا لِلْمُوصِي عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، إِذَا كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ آخَرُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُل ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ " (1) .
وَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم أَيْضًا: لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ " (2) وَلأَِنَّ فِي إِيثَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الآْخَرِينَ ضَرَرًا يُؤَدِّي إِلَى الشِّقَاقِ وَالنِّزَاعِ، وَقَطْعِ الرَّحِمِ وَإِثَارَةِ الْبَغْضَاءِ وَالْحَسَدِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ.
وَمَعْنَى الأَْحَادِيثِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ لَا تَنْفُذُ مَهْمَا كَانَ مِقْدَارُ الْمُوصَى بِهِ، إِلَاّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ.
36 -
فَإِنْ أَجَازَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ
(1) حَدِيث: " إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُل ذِي حَقِّ حَقِّهِ " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ (4 / 433 ط الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وحسنه ابْن حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ (3 / 92 ط شَرِكَة الطِّبَاعَةِ الْفَنِّيَّةِ)
(2)
حَدِيث: " لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِث. . . . " أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ (4 / 98 ط دَارَ الْمَحَاسِن) مِنْ حَدِيثِ ابْن عَبَّاسٍ، ورجح ابْن حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ (3 / 92 ط شَرِكَة الطِّبَاعَةِ الْفَنِّيَّةِ) إِرْسَاله
وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ) إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ لِحَدِيثِ: لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إِلَاّ أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ " (1) .
وَلأَِنَّهُ تَصَرُّفٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ فَصَحَّ كَمَا لَوْ أَوْصَى لأَِجْنَبِيٍّ. .
وَإِنْ أَجَازَهَا بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، جَازَتْ فِي حِصَّةِ الْمُجِيزِ، وَبَطَلَتْ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُجِزْ؛ لِوِلَايَةِ الْمُجِيزِ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ (2) .
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ لِحَدِيثِ: لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ " (3) فَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ مَا أَوْصَى بِهِ لِلْوَارِثِ، فَعَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ مِنْهُمْ، لَا تَنْفِيذٌ لِوَصِيَّةِ الْمُوصِي فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُول الْمُوصَى لَهُ ثَانِيًا بَعْدَ الإِْجَازَةِ، وَأَمَّا الْقَبُول الأَْوَّل فَهُوَ كَالْعَدَمِ (4) .
(1) حَدِيث: " لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إِلَاّ أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ " أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ (4 / 98 ط الْمَحَاسِن) مِنْ حَدِيثِ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو، وقال ابْن حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ (3 / 92) : إِسْنَادُهُ وَاهٍ
(2)
الْبَدَائِع 7 / 337، وتبيين الْحَقَائِق 6 / 182 - 183، وحاشية الدُّسُوقِيّ 4 / 427 والقوانين الْفِقْهِيَّة ص411، ومغني الْمُحْتَاج 3 / 43، والمغني لاِبْنِ قُدَامَةَ 6 / 6
(3)
حَدِيث: " لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثِ " تَقَدَّمَ تَخْرِيجه ف (7)
(4)
حَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 4 / 427 والقوانين الْفِقْهِيَّة ص411، ومغني الْمُحْتَاج 3 / 43، والمغني لاِبْنِ قُدَامَةَ 6 / 6
وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإِْجَازَةِ شَرْطَانِ:
الأَْوَّل: أَنْ يَكُونَ الْمُجِيزُ مِنْ أَهْل التَّبَرُّعِ: بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلاً، غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ عَتَهٍ أَوْ مَرَضِ مَوْتٍ فَلَا تَصِحُّ الإِْجَازَةُ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ وَلَا مِنْ وَلِيِّهِمْ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الْمُجِيزُ عَالِمًا بِالْمُوصَى بِهِ، فَلَا تَصِحُّ عِنْدَهُمْ إِجَازَةُ وَارِثٍ لَمْ يَعْلَمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي (1) .
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الإِْجَازَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: فَلَا عِبْرَةَ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ حَال حَيَاةِ الْمُوصِي، فَلَوْ أَجَازُوهَا حَال حَيَاتِهِ، ثُمَّ رَدُّوهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، صَحَّ الرَّدُّ وَبَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا أَوْصَى شَخْصٌ لِوَارِثٍ، أَوْ بِزَائِدٍ عَنِ الثُّلُثِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ، فَلِبَقِيَّةِ
(1) تَكْمِلَة فَتْح الْقَدِير: 10 / 422 وَمَا بَعْدَهَا، فتح الْعَلِيّ الْمَالِك 1 / 322 وَمَا بَعْدَهَا، القوانين الْفِقْهِيَّة ص406، كفاية الأَْخْيَار 2 / 60، المهذب 1 / 589، ط ثَالِثَة، ونيل الْمَآرِب 3 / 246 وَمَا بَعْدَهَا، كشاف الْقِنَاع 4 / 376، مطالب أُولِي النُّهَى 4 / 448 - 449، 451، المغني 6 / 6، مغني الْمُحْتَاج 3 / 43، الشرح الصَّغِير 4 / 585 - 586