الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: ذَلِكَ فِيمَنْ لَا لِحْيَةَ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ لَهُ لِحْيَةٌ. . فَمُنْتَهَى لِحْيَتُهُ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الْمُسْتَرْسِل أَيِ الْخَارِجُ عَنْ دَائِرَةِ الْوَجْهِ مِنَ الشَّعْرِ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ؛ لأَِنَّهُ إِنَّمَا يُوَاجِهُ إِلَى الْمُتَّصِل عَادَةً لَا إِلَى الْمُسْتَرْسِل فَلَمْ يَكُنْ وَجْهًا، فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَلَا يَجِبُ مَسْحُهُ كَذَلِكَ، بَل يُسَنُّ، وَالسِّلْعَةُ إِذَا تَدَلَّتْ عَنِ الْوَجْهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهَا.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الشُّعُورُ الْخَارِجَةُ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ يَجِبُ غَسْل ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا مُطْلَقًا إِنْ خَفَّتْ، وَظَاهِرِهَا مُطْلَقًا إِنْ كَثُفَتْ. . . وَفِي قَوْلٍ: لَا يَجِبُ غَسْل خَارِجٍ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ مِنْ لِحْيَةٍ وَغَيْرِهَا خَفِيفًا كَانَ أَوْ كَثِيفًا، لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا؛ لِخُرُوجِهِ عَنْ مَحَل الْغَرَضِ. . . وَقَالُوا: يَجِبُ غَسْل سِلْعَةٍ (1) نَبَتَتْ فِي الْوَجْهِ وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ حَدِّهِ؛ لِحُصُول الْمُوَاجَهَةِ بِهَا. (2)
غَسْل الشَّعْرِ الَّذِي عَلَى الْوَجْهِ:
52 -
قَال الْفُقَهَاءُ: إِنَّ مَا فِي الْوَجْهِ مِنْ شَعْرٍ
(1) وَالسِّلْعَة بِالْكَسْرِ زِيَادَة تَحَدُّثٍ فِي الْجَسَدِ كَالْغُدَّةِ تَتَحَرَّكُ إِذَا حَرَّكَتْ (الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 3 / 69) .
(2)
الشَّرْح الصَّغِير وَحَاشِيَة الصَّاوِي 1 / 105، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 52، وحاشية البجيرمي 1 / 130، ونهاية الْمُحْتَاج 1 / 156، وكشاف الْقِنَاع 1 / 96، ورد الْمُحْتَار 1 / 68، 69.
إِنْ كَانَ لِحْيَةَ رَجُلٍ فَيَغْسِل الْخَفِيفَ مِنْ هَذَا الشَّعْرِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا حَتَّى الْجِلْدَةَ الَّتِي نَبَتَ عَلَيْهَا الشَّعْرُ، وَإِنْ كَانَ كَثِيفًا بِحَيْثُ لَا تُرَى هَذِهِ الْجِلْدَةُ أَثْنَاءَ الْمُخَاطَبَةِ سَقَطَ غَسْل الْبَاطِنِ؛ لِلْحَرَجِ.
وَإِنْ كَانَ مَا فِي الْوَجْهِ مِنْ شَعَرٍ هُدْبًا، أَوْ حَاجِبًا، أَوْ شَارِبًا، أَوْ عَنْفَقَةً - وَهِيَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ السُّفْلَى - أَوْ لِحْيَةَ امْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى. . فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ غَسْل هَذَا الشَّعْرِ - خَفِيفًا أَوْ كَثِيفًا - عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَا يَجِبُ غَسْل أُصُول شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ وَالْعَنْفَقَةِ إِذَا كَانَ هَذَا الشَّعْرُ كَثِيفًا؛ لِلْحَرَجِ فِي إِيصَال الْمَاءِ إِلَى أُصُول الشَّعْرِ وَيُسَنُّ تَخْلِيل لِحْيَةِ غَيْرِ الْمُحْرِمِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الشَّعْرُ خَفِيفًا تَبْدُو الْبَشَرَةُ مِنْ خِلَالِهِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إِلَى الْجِلْدَةِ الَّتِي نَبَتَ عَلَيْهَا.
وَلَا يَجِبُ غَسْل الْمُسْتَرْسِل مِنَ الشَّعْرِ؛ لِخُرُوجِهِ مِنْ دَائِرَةِ الْوَجْهِ كَمَا لَا يَجِبُ مَسْحُهُ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجِبُ غَسْل الْوَجْهِ مَعَ تَخْلِيل شَعْرٍ مِنْ لِحْيَةٍ أَوْ حَاجِبٍ أَوْ شَارِبٍ أَوْ
(1) الدَّرّ الْمُخْتَار وَرَدّ الْمُحْتَارِ 1 / 66، 69، 79.
عَنْفَقَةٍ أَوْ هُدْبٍ تَظْهَرُ الْبَشَرَةُ تَحْتَهُ فِي مَجْلِسِ الْمُخَاطَبَةِ، وَالتَّخْلِيل: إِيصَال الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ أَيِ الْجِلْدَةِ النَّابِتِ فِيهَا الشَّعْرُ. . وَهَذَا فِي الشَّعْرِ الْخَفِيفِ، أَمَّا الْكَثِيفُ فَلَا يُخَلِّلُهُ، بَل يُكْرَهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعَمُّقِ، وَيَكْفِي إِمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِ الشَّعْرِ دُونَ إِيصَال الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ.
قَال الدَّرْدِيرُ: وَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجِبُ تَحْرِيكُهُ لِيَدْخُل الْمَاءُ بَيْنَ ظَاهِرِهِ وَإِنْ لَمْ يَصِل إِلَى الْبَشَرَةِ. قَال الدُّسُوقِيُّ: وَهُوَ الرَّاجِحُ، خِلَافًا لِمَنْ قَال بِنَدْبِهِ، وَلِمَنْ قَال بِوُجُوبِ تَخْلِيلِهِ، وَقَال: وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُل فِي وُجُوبِ تَخْلِيل الْخَفِيفِ، وَفِي الأَْقْوَال الثَّلَاثَةِ فِي الْكَثِيفِ. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: شُعُورُ الْهُدْبِ وَالْحَاجِبِ وَالشَّارِبِ وَالْعِذَارِ وَالْعَنْفَقَةِ تُغْسَل شَعْرًا وَبَشَرًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِنْ كَثُفَتْ؛ لأَِنَّ كَثَافَتَهَا نَادِرَةٌ، وَقِيل: لَا يَجِبُ غَسْل بَاطِنِ عَنْفَقَةٍ كَثِيفَةٍ وَلَا بَشَرَتِهَا كَاللِّحْيَةِ، وَفِي ثَالِثٍ: يَجِبُ إِنْ لَمْ تَتَّصِل بِاللِّحْيَةِ.
وَقَالُوا: لِحْيَةُ الْمَرْأَةِ كَهَذِهِ الشُّعُورِ تُغْسَل ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِنُدْرَةِ كَثَافَتِهَا؛ وَلأَِنَّهُ يُسَنُّ لَهَا إِزَالَتُهَا؛ لأَِنَّهَا مُثْلَةٌ فِي حَقِّهَا، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فِي
(1) الشَّرْح الْكَبِير وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 1 / 86، والشرح الصَّغِير وَحَاشِيَة الصَّاوِي 1 / 106، 107.
غَسْل مَا ذُكِرَ إِنْ لَمْ يُجْعَل ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى ذُكُورَتِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَلِحْيَةُ الرَّجُل إِنْ خَفَّتْ - بِحَيْثُ تُرَى بَشَرَةُ الْوَجْهِ تَحْتَ الشَّعْرِ - يَجِبُ غَسْل ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا، وَإِنْ كَثُفَتْ فَيُغْسَل ظَاهِرُهَا وَلَا يَجِبُ غَسْل بَاطِنِهَا؛ لِعُسْرِ إِيصَال الْمَاءِ إِلَيْهِ مَعَ الْكَثَافَةِ غَيْرِ النَّادِرَةِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَغَرَفَ غَرْفَةً غَسَل بِهَا وَجْهَهُ " (1) ، وَكَانَتْ لِحْيَتُهُ الْكَرِيمَةُ كَثِيفَةً، وَبِالْغَرْفَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَصِل الْمَاءُ إِلَى ذَلِكَ غَالِبًا. . وَيُسَنُّ تَخْلِيلُهَا.
فَإِنْ خَفَّ بَعْضُ لِحْيَةِ الرَّجُل وَكَثُفَ بَعْضُهَا وَتَمَيَّزَ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ بِأَنْ كَانَ الْكَثِيفُ مُتَفَرِّقًا بَيْنَ أَثْنَاءِ الْخَفِيفِ وَجَبَ غَسْل الْكُل؛ لأَِنَّ إِفْرَادَ الْكَثِيفِ بِالْغَسْل يَشُقُّ، وَإِمْرَارَ الْمَاءِ عَلَى الْخَفِيفِ لَا يُجْزِئُ. . وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. (2)
وَفِي رَأْيٍ يَجِبُ غَسْل الْبَشَرَةِ، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ قَوْلاً وَوَجْهًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ
(1) حَدِيث: " أَنَّ النَّبِيَّ تَوَضَّأَ فَغَرَفَ غَرْفَة غَسَل بِهَا وَجْهَهُ أُخَرِّجُهُ البخاري (الْفَتْح 1 / 240) .
(2)
مُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 51، 60.