الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي هَذَا الْمَقَامِ ذَكَرَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ لِلْوَدِيعِ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ بِنَفْسِهِ أَوْ عِنْدَ مَنْ يَأْتَمِنُهُ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ مِنْ عِيَالِهِ، كَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ وَنَحْوِهِمْ، (1) لأَِنَّ الإِْنْسَانَ لَا يَلْتَزِمُ بِحِفْظِ مَال غَيْرِهِ عَادَةً إِلَاّ بِمَا يَحْفَظُ بِهِ مَال نَفْسِهِ، وَإِنَّهُ يَحْفَظُ مَال نَفْسِهِ بِيَدِهِ مَرَّةً وَبِيَدِ هَؤُلَاءِ أُخْرَى، فَلَهُ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ بِيَدِهِمْ أَيْضًا. (2)
وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، أَمَّا إِذَا وَضَعَهَا عِنْدَ مَنْ لَا يَأْتَمِنُهُ مِنْهُمْ وَلَا يَحْفَظُ مَالَهُ عِنْدَهُمْ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ ضَامِنًا، لأَِنَّهُ تَفْرِيطٌ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ.
(1) الْبَحْر الرَّائِق 7 / 274، وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 4 / 339، وَمَجْمَع الأَْنْهُر 2 / 339، وَرَدّ الْمُحْتَارِ 4 / 494، وَالْعُقُود الدُّرِّيَّة 2 / 71، 78، دُرَر الْحُكَّام 2 / 239، النَّتْف فِي الْفَتَاوَى للسغدي 2 / 580، وَالتَّاج وَالإِْكْلِيل 5 / 257، وَالزُّرْقَانِيَّ عَلَى خَلِيلٍ 6 / 117، الْمُقْدِمَات الْمُمَهِّدَات 2 / 466، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 311، الْكَافِي لاِبْن عَبْد الْبَرّ ص 403، وَالتَّفْرِيع لاِبْن الْجَلَاّب 2 / 271، وَالإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 252، رَوْضَة الْقُضَاة 2 / 618، وَالْمُبْدِع 5 / 237، وَحَاشِيَة الْعَدَوِيّ عَلَى كِفَايَة الطَّالِبِ الرَّبَّانِيِّ 2 / 254، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 452، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 4 / 187، وَالْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَةَ 9 / 260.
(2)
بَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 208.
وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ نَهَاهُ عَنْ دَفْعِهَا إِلَى بَعْضِ عِيَالِهِ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، ضَمِنَ إِنْ كَانَ لَهُ بُدٌّ بِأَنْ كَانَ لَهُ عِيَال غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْهُ لَا يَضْمَنُ. (1)
وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْعِيَال الَّذِينَ يَجُوزُ لِلْوَدِيعِ دَفْعُ الْوَدِيعَةِ إِلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا تَحْتَ غَلْقِهِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ وَالِدَةٍ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ. (2)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا أَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ بِلَا عُذْرٍ مِنْ غَيْرِ إِذَنِ الْمَالِكِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ ضَامِنًا، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ عِيَالِهِ كَزَوْجَتِهِ وَابْنِهِ وَنَحْوِهِمْ. أَوْ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ؛ لأَِنَّ الْمُسْتَوْدِعَ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِ لَا بِأَمَانَةِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى أَنْ يُودِعَهَا غَيْرَهُ، فَإِنْ فَعَل ذَلِكَ كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَيَلْزَمَهُ ضَمَانُهَا. (3)
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مُدَّةُ حِفْظِ الْوَدِيعَةِ:
27 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْوَدِيعِ أَنْ يَحْفَظَ بِهَا الْوَدِيعَةَ إِذَا غَابَ رَبُّهَا غَيْبَةً
(1) ابْن عَابِدِينَ 4 / 495، وَالْبَدَائِع 6 / 209، وَالْبَحْر الرَّائِق 7 / 279.
(2)
الْمُقْدِمَات الْمُمَهِّدَات 2 / 466.
(3)
تُحْفَة الْمُحْتَاج 7 / 105، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 6 / 327، وَكِفَايَة الأَْخْيَار 2 / 8، وَالْمَحَلِّيّ عَلَى الْمِنْهَاجِ 3 / 182، اخْتِلَاف الْعِرَاقِيِّينَ 4 / 63 (مَطْبُوع بِهَامِش الأُْمّ لِلشَّافِعِيِّ) .
مُنْقَطِعَةً، أَيْ فُقِدَ بِحَيْثُ لَا يُدْرَى أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ، وَمَاذَا يَفْعَل بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
(الأَْوَّل) لِلْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حِفْظُهَا حَتَّى يَعْلَمَ مَوْتَ صَاحِبِهَا أَوْ حَيَاتَهُ؛ لأَِنَّهُ الْتَزَمَ حِفْظَهَا لَهُ، فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ بِهِ لِحَدِيثِ وَفَاءً لَا غَدْرًا " (1) ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا، كَمَا هُوَ الْحَال فِي اللُّقَطَةِ؛ لأَِنَّ مَالِكَ اللُّقَطَةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِلْمُلْتَقِطِ فَبَعْدَ التَّعْرِيفِ يَكُونُ التَّصَدُّقُ بِهَا طَرِيقًا لإِِيصَالِهَا إِلَيْهِ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّ مَالِكَهَا مَعْلُومٌ، فَكَانَ طَرِيقُ إِيصَالِهَا الْحِفْظَ إِلَى أَنْ يَحْضُرَ الْمَالِكُ أَوْ يَتَبَيَّنَ مَوْتُهُ، فَيَطْلُبُهَا وَارِثُهُ، وَيَدْفَعُهَا إِلَيْهِ. قَالُوا: إِلَاّ أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ مِمَّا يَفْسُدُ أَوْ يَتْلَفُ بِالْمُكْثِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْوَدِيعِ بِيعُهَا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ، وَحِفْظُ ثَمَنِهَا أَمَانَةٌ عِنْدَهُ مِثْل أَصْلِهَا؛ لَكِنْ إِذَا لَمْ يَبِعْهَا، فَفَسَدَتْ بِالْمُكْثِ لَا يَضْمَنُ؛ لأَِنَّهُ حَفِظَ الْوَدِيعَةَ عَلَى
(1) حَدِيثُ: " وَفَاءً لَا غَدْرًا ". وَرَدَ ذَلِكَ مِنْ قَوْل عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَال عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَح
الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ (1) .
(الثَّانِي) لِلْمَالِكِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ بِهَا إِلَى أَقْصَى مَا يَحْيَى الْمُودِعُ إِلَى مِثْلِهِ، ثُمَّ يَدْفَعُهَا إِلَى وَرَثَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، تَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُ. (2)
(الثَّالِثُ) لِلشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ: وَهُوَ أَنَّ هَذَا مَالٌ ضَائِعٌ، فَمَتَى لَمْ يَيْأَسْ مِنْ مَالِكِهِ أَمْسَكَهُ لَهُ أَبَدًا، مَعَ التَّعْرِيفِ بِهِ نَدْبًا، أَوْ أَعْطَاهُ لِلْقَاضِي الأَْمِينِ، فَيَحْفَظُهُ لَهُ كَذَلِكَ، وَمَتَى أَيِسَ مِنْهُ، أَيْ بِأَنْ يَبْعُدَ فِي الْعَادَةِ وُجُودُهُ فِيمَا يَظْهَرُ، صَارَ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَال بَيْتِ الْمَال، فَيَصْرِفُهُ فِي مَصَارِفِهَا مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ، أَوْ يَدْفَعُهُ لِلإِْمَامِ مَا لَمْ يَكُنْ جَائِرًا فِيمَا يَظْهَرُ. (3)
وَأَفْتَى الشَّيْخُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أَيِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ مَالِكِهَا بَعْدَ الْبَحْثِ التَّامِّ،
(1) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 4 / 346، وَالْعُقُود الدُّرِّيَّة لاِبْنِ عَابِدِينَ 2 / 70، وَشَرْح الْمَجَلَّةِ لِلأَْتَاسِيِّ 3 / 255، وَالْمَبْسُوط 11 / 129، وَرَدّ الْمُحْتَارِ 4 / 501، وَقُرَّة عُيُون الأَْخْيَار 2 / 261، وَالْمَادَّة (785) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّة، وَدُرَر الْحُكَّام 2 / 250.
(2)
التَّفْرِيع لاِبْن الْجَلَاّب 2 / 271، وَالْكَافِي لاِبْن عَبْد الْبَرّ ص 137 ط حَسَّان، وَالْمُدَوَّنَة 15 / 160.
(3)
تُحْفَة الْمُحْتَاج 7 / 127، وَمَا بَعْدَهَا، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 3 / 92.