الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
موت الجاني أو فوات الطرف الذي جنى به، فإِذا مات مَنْ عليه القِصاص، أو فقَد العضو الذي جنى به، سقط الِقصاص؛ لتعذر استيفائه.
3 -
إِذا تمّ الصلح بين الجاني والمجني عليه، أو أوليائه وانظر العنوان الآتي:
التراضي على الدِّية بالزيادة فِراراً من القِصاص:
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدّقاً، فلَاجّه رجل في صدقته، فضربه أبو جهم، فشجّه، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: القَوَد يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكم كذا وكذا فلم يرضوا، فقال: لكم كذا وكذا فلم يرضوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكم كذا وكذا فرضوا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِني خاطبٌ العَشيَّة على النَّاس ومُخبرهُم بِرِضاكم فقالوا: نعم، فخطَب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إِنّ هؤلاء الليْثيِّين أتوني يريدون القَوَد، فعرضتُ عليهم كذا وكذا فرضوا، أرضيتم؟ قالوا: لا!
فَهَمَّ المهاجرون بهم، فأمَرَهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يكفّوا عنهم، فكفّوا، ثمّ دعاهم فزادهم، فقال: أرضيتم؟ قالوا نعم!
قال: إِنِّي خاطبٌ النَّاس ومُخبرهُم بِرِضاكم فقالوا: نعم، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرضيتم؟ قالوا: نعم" (1).
استيفاء القِصاص بحضرة السلطان
(2):
ينبغي أن يكون استيفاء القصاص بحضرة السُّلطان؛ إذ واجب الحاكم
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(3801)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(2133) وصححه شيخنا رحمه الله في "التعليقات الحسان"(4470).
(2)
"المغني"(9/ 393) -بزيادة وتصرُّفٍ يسير-.
تمَكِين أولياء المقتول مِن استيفاء حقّهم من القاتل؛ ويفعل فيه الحاكم ما يختاره الوالي من القتل أو العفو أو الدِّيَة.
ثم إِنّ للسلطان أثراً في التذكير بالعفو -من غير إِلزام- وقد تقدّم أكثر مِن مرّة حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قُتِل رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فرُفع ذلك إِلى النبي صلى الله عليه وسلم، فدفعَه إِلى وليّ المقتول، فقال القاتل: يا رسول الله والله ما أردْتُ قتْله قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للولي: أمَا إِنّه إِنْ كان صادقاً ثمَّ قَتَلْتَهُ دَخلت النَّار، قال: فخلَّى سبيله"(1).
ولأَنّه أمْرٌ يفتقر إِلى الاجتهاد، ويحرُمُ الحيف فيه، فلا يُؤمَن الحيف مع قصد التشفّي، فإِنِ استوفاه من غير حضرة السلطان؛ فإِنه يُعزّر بفعل ما مُنع.
وعلى السلطان تفقُّد الآلة؛ فإِن كانت كالّة - منعه الاستيفاء بها لئلا يُعذَّب المقتول (2).
عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الله كَتب الإِحسان على كل شيء، فإِذا قتلتم فأحسنوُا القِتْلَة وإذا ذَبَحتُم فأحسنوا الذَّبح، وليُحِدَّ أحدكُم شَفْرتَه فلْيُرح ذبيحَتَه"(3).
وإنْ كان الوليّ لا يُحسن استيفاء حقّه؛ أمَرَه السلطان بالتوكيل فيه لأنه
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(3775)، والترمذي "صحيح سنن الترمذي"(1135)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(2178)، والنسائي "صحيح سنن النسائي"(4403) وتقدّم.
(2)
"المغني"(9/ 394).
(3)
أخرجه مسلم (1955)، وتقدم مختصراً في (باب بمَ يكون القِصاص).
حقُّه، فكان له التوكيل في استيفائه كسائر حقوقه، فإِن لم يجد من يوكّله إِلا بعِوض، أُخِذ العِوَض من بيت المال.
أقول: ولا يخفى أن القِصاص من غير إِشراف الحاكم قد يؤدِّي إِلى الإِسراف في القتل والذي أشير إِليه آنفاً - ومِن أبشع صُوره اتساع دائرة القتل إِلى أبناء عشيرتين أو قبيلتين؛ انتقاماً وأخذاً بالثأر!
وجاء في "فتح الباري"(12/ 216): "قال ابن بطال: اتفق أئمّة الفتوى على أنه لا يجوز لأحد إِن يَقتَصّ مِن حقّه دون السلطان، قال: وإنما اختلفوا فيمن أقام الحد على عبده
…
".
وهناك نُصوص تدلّ على أخذ الحق أو القِصاص في أشياء محدّدة دون السلطان.
قال الإِمام البخاري رحمه الله (باب مَن أخَذَ حقّه أو اقتصّ دون السلطان) ثمّ ذكر تتمّة حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو اطلع في بيتك أحَدٌ ولم تأذن له، حذفته بحصاة ففقأت عينه (1)؛ ما كان عليك من جُناح (2) "(3).
وعن حميد أنّ رجلاً اطّلع في بيت النبي صلى الله عليه وسلم فسدّد (4) إِليه
(1) ففقأت عينه: أي أطفأت ضوءَها.
(2)
جُناح: أي إِثم أو مؤاخذة.
(3)
أخرجه البخاري (6888)، ومسلم (2158).
(4)
فسدّد: أي صوّب، وزْنُه ومعناه. والتصويب: توجيه السهم إلى مرماه "الفتح".