الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*وإِذ قد تبيّن أن النصوص من الكتاب والسنة تتناول الحشيشة، فهي تتناول أيضاً الأفيون الذي يبين العلماء أنه أكثر ضرراً
…
ويترتب عليه من المفاسد ما يزيد على الحشيش* (1).
الاتجار بالخمر والمواد المخدّرة:
قال الله -تعالى-: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإِثم والعدوان} (2).
وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو بمكة عام الفتح: "إِنّ الله ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام"(3).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنّ الله إذا حرم على قوم أكْل شيء؛ حَرّم عليهم ثمنه"(4).
حدّ شارب الخمر:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أُتِي برجل قد شرب الخمر فجُلد بجرِيدتين (5) نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر، فلمّا كان عمر استشار
(1) ما بين نجمتين من "فقه السّنة"(3/ 159).
(2)
المائدة: 2.
(3)
أخرجه البخاري (2236)، ومسلم (1581).
(4)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2978).
(5)
جريد النخل الذي يجرد ويُزال عنه الخوص [أي: الورق] ولا يُسمى جريداً ما دام عليه الخوص، وإنما يسمّى سعَفاً. وانظر "مختار الصحاح". وفي "اللسان":"الجريدة للنخلة؛ كالقضيب للشجرة".
الناس فقال عبد الرحمن: أخفَّ الحدود ثمانين فأَمَر به عمر" (1).
وفي رواية: "أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يضرب في الخمر بالنّعال والجريد أربعين"(2).
وعن عقبة بن الحارث أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتى بنعيمان -أو بابن نعيمان- وهو سكران، فشق عليه، وأمَر مَن في البيت أن يضربوه، فضربوه بالجريد والنعال وكُنت فيمن ضربه" (3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أُتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب قال: اضربوه، قال أبو هريرة: فمنّا الضارب بيده والضارب بنعله، والضارب بثوبه"(4).
ولم يُذكر العدد في هذين الحديثين، فيحمل على الأربعين، كما هو مبيَّنٌ في بعض النّصوص الأُخرى.
وعن حُضين بن المنذر قال: "شهدتُ عثمان بن عفان وأُتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثمّ قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان: أحدهما حُمران؛ أنه شرب الخمر، وشهد آخر؛ أنّه رآه يتقيّأ، فقال عثمان: إِنه لم يتقيّأ حتّى شربها. فقال: يا عليّ! قُم فاجلده، فقال عليّ: قم، يا حسن! فاجلده، فقال
(1) أخرجه مسلم (1706).
(2)
أخرجه مسلم (1706).
(3)
أخرجه البخاري (6775).
(4)
أخرجه البخاري (6777).
الحسن: ولِّ حارَّها من تولّى قارَّها (1). فكأنه وجد عليه، فقال: يا عبد الله بن جعفر! قم فاجلده، فجلده وعليّ يَعُدُّ حتّى بلغ أربعين، فقال: أمسك، ثمّ قال: جلد النّبيّ صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌّ سُنّة وهذا أحبُّ إِليّ" (2).
قال الحافظ في "التلخيص": "
…
فلو كان هُو المشير بالثمانين؛ ما أضافها إِلى عمر ولم يعمل بها؛ لكن يمكن أن يُقال: إِنه قال لعمر باجتهاده، ثمّ تغيّر اجتهاده"، وذكره شيخنا رحمه الله في "الإرواء" (8/ 47).
والذي بدا من خلال أقوال العلماء أن الزيادة من جملة أنواع التعزير، وورد تعليل الزّيادة على الأربعين بالعُتوّ والطغيان والفساد.
فعن السائب بن يزيد قال: "كُنّا نُؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإِمرة أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر؛ فنقوم إِليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا؛ حتّى كان آخر إِمرة عمر؛ فجلد أربعين، حتّى إِذا عتَوا وفسقوا؛ جلد ثمانين"(3).
(1) قال الإمام النووي رحمه الله (12/ 219): "ولّ حارّها مَنْ تولى قارّها: الحار الشديد المكروه والقارّ البارد الهنيء الطيب، وهذا مَثلٌ مِن أمثال العرب. قال الأصمعي وغيره: معناه ولّ شدتها وأوساخها من تولى هنيئها ولذّاتها والضمير عائد إِلى الخلافة والولاية أي: كما أن عثمان وأقاربه يتولون هنيء الخلافة ويختصون به يتولون نكدها وقاذوراتها، ومعناها ليتولّ هذا الجَلْد عثمان بنفسه أو بعض خاصة أقاربه الأدنين. والله أعلم".
(2)
أخرجه مسلم (1707).
(3)
أخرجه البخاري (6779).
قال الحافظ رحمه الله في "الفتح": "حتّى إِذا عَتوا: من العتوّ وهو التجبُّر، والمراد هنا: انهماكهم في الطغيان والمبالغة في الفساد في شُرب الخمر؛ لأنه ينشأ عن الفساد.
وفسقوا: أي خرجوا عن الطاعة، ووقع في روايةٍ للنسائي:"فلم ينكلوا" أي: يَدَعوا [و] وقَع في مُرسل عُبيد بن عمير -أحد كبار التابعين- فيما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عنه
…
"أنّ عمر جعله أربعين سوطاً، فلمّا رآهم لا يتناهَون، جعله ستين سوطاً، فلمّا رآهم لا يتناهون؛ جَعَله ثمانين سوطاً وقال: هذا أدنى الحدود".
وفيه: "
…
وتمسّك من قال بجواز الزيادة على الثمانين تعزيراً
…
أنّ عمر حدَّ الشارب في رمضان، ثمّ نفاه إِلى الشام، وبما أخرجه ابن أبي شيبة أنّ علياً جلد النجاشي الشاعر ثمانين، ثم أصبح فجلده عشرين بجراءته بالشرب في رمضان". انتهى.
وعن عبد الرحمن بن أزهر قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة الفتح وأنا غلام شاب يتخلّل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد، فأُُتي بشارب، فأمرهم فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من ضربه بالسوط، ومنهم من ضربه بعصا، ومنهم من ضربه بنعله، وحثى رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب.
فلمّا كان أبو بكر أُتي بشارب فسألهم عن ضرب النّبيّ صلى الله عليه وسلم الذي ضربه، فحزروه أربعين، فضرب أبو بكر أربعين.
فلمّا كان عمر كَتَب إِليه خالد بن الوليد: إِنّ النّاس قد انهمكوا في الشرب وتحاقروا الحد والعقوبة، قال: هم عندك فسلهم، وعنده المهاجرون الأولون،
فسألهم فأجمعوا على أن يضرب ثمانين.
قال: وقال عليّ: إِنّ الرجل إِذا شرب افترى فأرى أن يجعله كحد الفرية" (1).
أقول:
خلاصة الأمر أنّ فِعل الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحُجّة وإِليه المرجع، وما جرى مِن زيادة، فإِنّها ليست زيادة في حدّ الخمر، ولكنها تعزير بالطغيانِ المصاحبِ لحدِّ الخمر؛ كالشُّرب في رمضان والجرأة في الرجوع إِليه.
وربما جرّ هذا التكرار إِلى قتْله.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا سَكِرَ فاجلدوه، فإِنْ عاد فاجلدوه، فإِنْ عاد فاجلدوه، ثمّ قال في الرابعة: فإِنْ عاد فاضربوا عُنُقه"(2).
فإِذا أفضت أسباب معيّنة إِلى القتل بالنص، فلقائلٍ مِن أهل العلم أن
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(3768).
(2)
أخرجه أحمد وأبو داود "صحيح سنن أبي داود"(3764)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(2085) واللفظ له وغيرهم، وانظر "الصحيحة" (1360) وقال شيخنا رحمه الله معلّقاً:"وقد قيل إِنه حديث منسوخ، ولا دليل على ذلك، بل هو محكم غير منسوخ كما حققه العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (9/ 49 - 92)، واستقصى هناك الكلام على طرقه بما لا مزيد عليه، ولكنا نرى أنه من باب التعزيز، إِذا رأى الإِمام قتل، وإن لم يره لم يقتل بخلاف الجلد، فإنه لا بد منه في كل مرّة، وهو الذي اختاره الإِمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-".