الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يضمن راكب الدابّة
؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العَجْماء (1) جرحُها جُبار (2)، والمعدِنُ جُبار، وفي الركاز الخمس"(3).
بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن العجماء جرحها جُبار، أي: ما أتلفته بجرح أو غيره هدر، لا يضمنه صاحبها ما لم يفرط، لأنّ الضمان لا يكون إِلا بمباشرة أو سبب، وهو لم يَجْن ولم يتسبب، وفِعْلها غير منسوب إِليه، نعم إِنْ كان معها ضمن ما أتلفته ليلاً ونهاراً عند الشافعي" (4).
قال الإِمام النووي رحمه الله (11/ 225) -بحذف-: "فأمّا قوله صلى الله عليه وسلم: العجماء جرْحها جُبار؛ فمحمول على ما إِذا أتلفَت شيئاً بالنهار، أو أتلفت بالليل بغير تفريطٍ من مالكها، أو أتلفت شيئاً وليس معها أحد، فهذا غير مضمون وهو مراد الحديث.
فأمّا إِذا كان معها سائق أو قائد أو راكب فأتلفَت بيدها أو برجلها أو فمها ونحوه؛ وجَب ضمانه في مال الذي هو معها، سواءٌ كان مالكاً أو مستأجراً أو
= ابن ماجه" (2131) والنسائي "صحيح سنن النسائي" (4456)، وانظر "المشكاة" (3478) وتقدّم.
(1)
العجماء: -بالمدّ- هي كل الحيوان سوى الآدميّ، وسمّيت البهيمة عجماء؛ لأنّها لا تتكلّم.
(2)
جُبار: أي هدْر.
(3)
أخرجه البخاري (6912)، ومسلم (1710).
(4)
انظر "فيض القدير"(4/ 376).
مستعيراً أو غاصباً أو مودِعاً أو وكيلاً أو غيره، إِلا أن تتلف آدمياً فتجب ديته على عاقلة الذي معها والكفّارة في ماله، والمراد بجرح العجماء إِتلافها سواء كان بجرح أو غيره.
قال القاضي: أجمع العلماء على أنْ جناية البهائم بالنهار لا ضمان فيها إِذا لم يكن معها أحد، فإِن كان معها راكب أو سائق أو قائد فجمهور العلماء على ضمان ما أتلفته
…
وجمهورهم على أن الضارية من الدواب كغيرها على ما ذكَرناه، وقال مالك وأصحابه: يضمن مالكها ما أتلفت، وكذا قال أصحاب الشافعي: يضمن إِذا كانت معروفةً بالإِفساد، لأن عليه ربطها والحالة هذه
…
".
وقال الإِمام البخاري رحمه الله في كتاب "الديات: باب - 29":
"قال ابن سِيرين: كانوا لا يُضمِّنونَ مِن النَّفْحَةِ (1) ويضمّنون مِن ردِّ العِنان (2).
وقال حمّادٌ: لا تُضمَنُ النَّفْحة إِلا أن يَنْخُسَ إِنسان الدَّابة (3).
وقال شريح: لا يُضمنُ ما عاقَبَت أن يَضْرِبها فَتَضرِبَ بِرِجْلها (4).
(1) أي: الضربة بالرِّجل. يقال: نفحَت الدابة إِذا ضَرَبَت بِرجلها. "الفتح".
(2)
العِنان: هو ما يوضع في فم الدابة ليصرّفها الراكب كما يختار، والمعنى: إِنّ الدابة إِذا كانت مركوبه فَفَلتَ الراكب عِنانها، فأصابت بِرجلها شيئاً؛ ضَمنه الراكب، وإذا ضَرَبت برجلها من غير أن يكون له في ذلك تسبُّب لم يضمن. "الفتح".
(3)
وصل بعضه ابن أبي شيبة من طريق شعبة: سألْتُ الحكم عن رجل واقف على دابته فضَربَت برجلها؟ فقال: يضمن، وقال حمّاد: لا يضمن.
(4)
وصله ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور.
وقال الحكم وحمّاد: إِذا ساق المُكَاري حِماراً عليه امرأة فتَخِرُّّ، لا شيء عليه.
وقال الشعبي: إِذا ساق دابَّة فأتعبَها، فهو ضامِنُ لِمَا أصابَتْ، وإِنْ كان خلفها مُترسِّلا؛ لم يَضمَن (1) ".
وجاء في "مجموع الفتاوى"(34/ 149): "وسئل -رحمه الله تعالى- عن رجل راكب فرس، مرّ به دباب ومعه دبّ، فجفَل الفرس ورمى راكبه، ثمّ هرب ورمى رجلاً فمات؟
فأجاب: لا ضمان على صاحب الفرس والحالة هذه؛ لكنّ الدباب عليه العقوبة. والله أعلم".
وممّا تقدّم يظهر لنا أن جرح الدابة هدر ولا ضمان على صاحبها، إلَاّ إِنْ كان هناك تفريط أو تسبُّبٌ مِن صاحبها، وفيما مضى من التفصيل كفاية. والله -تعالى- أعلم.
وما تقدّم مِن قول؛ فغالبه يمضي على المراكب المعاصرة؛ كالسيارات ونحوها، فإِنْ كان السائق أو صاحب السيّارة مُفرِّطاً أو متسبّباً؛ لزِمه الضمان، كأن يسير في إِطارات مهترئة، أو أن يقف في مكان مُرتفع ويستهتر فيجعلها عُرضة للسقوط أو الانتقال، لعدم رفعه الكابح اليدوي
…
(1) وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة. وانظر "الفتح" و"مختصر البخاري"(4/ 232) للتخريجات السابقة.