الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتقدم أكثر من مرَة حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلاً من مُزَيْنة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كيف ترى في حريسة الجبل، فقال:"هي وَمِثْلُها والنَّكَالُ، ولَيْس في شَيْء مِنَ الماشِيَة قَطعٌ، إِلا فِيما آوَاه المُراحُ. فَبَلغ ثمن المِجَنّ، فَفيه قَطْع اليد، وما لم يبلُغ ثمن المِجَنِّ، ففيه غرامةُ مِثْليه، وجَلَدَات نَكَال"(1).
وكذا الأمر فيما وَرَد في الثمر المعلّق.
ما لا يجوز فيه التعزير:
ولا يجوز التعزير بحلق اللحية، ولا بتخريب الدور، وقلْع البساتين، والزروع، والثمار والشجر، كما لا يجوز بجدع الأنف، ولا بقطع الأذن، أو الشفة، أو الأنامل؛ لأن ذلك لم يُعهَد عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم (2).
مسائل متفرقة في التعزير:
جاء في "مجموع الفتاوى"(34/ 225): "سئل شيخ الإِسلام أبو العباس عن رجل من أمراء المسلمين له مماليك، وعنده غلمان: فهل له أن يقيم على أحدهم حَدّاً إِذا ارتكبه؟ وهل له أن يأمرهم بواجب إِذا تركوه؛ كالصلوات الخمس ونحوها؟ وما صفة السوط الذي يعاقبهم به؟
فأجاب: الحمد لله، الذي يجب عليه أن يأمرهم كلَّهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر والبغي.
وأقلّ ما يفعل أنه إِذا استأجر أجيراً منهم يشترط عليه ذلك، كما يشترط ما
(1) أخرجه النسائي "صحيح سنن النسائي"(4594) وتقدّم.
(2)
انظر "فقه السنة"(3/ 372).
يشترطه من الأعمال، ومتى خرج واحد منهم عن ذلك طرَدَه.
وإذا كان قادراً على عقوبتهم بحيث يُقرُّه السلطان على ذلك في العرف الذي اعتاده الناس وغيره؛ لا يعاقبهم على ذلك؛ لكونهم تحت حمايته، ونحو ذلك، فينبغي له أن يُعزِّرهم على ذلك؛ إِذا لم يؤدوا الواجبات ويتركوا المحرمات إِلا بالعقوبة، وهو المخاطَب بذلك حينئذ، فإِنه هو القادر عليه، وغيره لا يقدر على ذلك؛ مراعاة له.
فإِن لم يستطع أن يقيم هو الواجب، ولم يَقُم غيرُه بالواجب، صار الجميع مستحقين العقوبة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إِنّ الناس إِذا رأوا المنكر فلم يغيروه؛ أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه"(1).
وقال: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإِن لم يستطع فبلسانه، فإِنْ لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإِيمان"(2).
لا سيّما إِذا كان يضربهم لما يتركونه مِن حقوقه، فمن القبيح أن يعاقبهم على حقوقه، ولا يعاقبهم على حقوق الله.
والتأديب يكون بسوطٍ معتدل، وضرْبٍ معتدل، ولا يَضرب الوجه، ولا المقاتِل".
وفيه (ص 226): وسئل -قدّس الله رُوحه-: "عن رجل يُسفِّه على والديه: فما يجب عليه؟
(1) أخرجه ابن ماجه "صحيح ابن ماجه"(3236) وهذا لفظه وأبو داود "صحيح سنن أبي داود"(3644) والترمذي "صحيح سنن الترمذي"(1761)، وانظر "الصحيحة"(1564).
(2)
أخرجه مسلم (49).
فأجاب: إِذا شتَم الرجل أباه واعتدى عليه؛ فإِنه يجب أن يعاقَب عقوبة بليغة تردعه وأمثاله عن مِثل ذلك، بل وأبلغ من ذلك أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في "الصحيحين" أنه قال: "إِن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟
قال: يسبّ أبا الرجل، فيسبّ أباه، ويسبّ أمّه فيسبّ أمّه" (1).
فإِذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جَعل من الكبائر؛ أن يسبّ الرجل أبا غيرِه؛ لئلا يسبّ أباه، فكيف إِذا سبّ هو أباه مباشرة! فهذا يستحق العقوبة التي تمنعه عن عقوق الوالدين
…
".
وفيه (ص 228): وسُئل -قدّس الله رُوحه-: "عمَّن شتَم رجلاً وسبّه؟
فأجاب: إِذا اعتدى عليه بالشتم والسب؛ فله أن يعتدي عليه بمثل ما اعتدى عليه؛ فيشتمه إِذا لم يكن ذلك مُحرَّماً لعينه؛ كالكذِب، وأمّا إِنْ كان محرماً لعينه كالقذف بغير الزنا فإِنه يُعزَّر على ذلك تعزيراً بليغاً يردعه وأمثاله من السفهاء، ولو عزر على النوع الأول من الشتم جاز؛ وهو الذي يشرع إِذا تكرر سفهه أو عدوانه على من هو أفضل منه. والله أعلم".
وجاء في الصفحة نفسها: وسئل رحمه الله: "عمن شتم رجلاً فقال له: أنت ملعون، ولد زنا؟
فأجاب: "يجب تعزيزه على هذا الكلام، ويجب عليه حدّ القذف إنْ لم يقصِد بهذه الكلمة ما يقصده كثير من الناس مِنْ قَصْدهم بهذه الكلمة، أن المشتوم فِعله خبيث كفِعْل وَلد الزنا".
تم بحمد الله وتوفيقه.
(1) أخرجه البخاري (5973) ومسلم (90).