الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمَ يثبت حدّ القذف
؟ (1):
يثبت حدّ القذف بأمرين:
1 -
إِقرار القاذف، ويثبت ذلك بإِقراره مرّة؛ لكون إِقرار المرء لازماً له.
2 -
شهادة عدلين؛ كسائر ما تمضي فيه الشهادة؛ كما أطلقه الكتاب العزيز.
عقوبة القاذف الدنيوية:
*أوجب الشرع على القاذف؛ إِذا لم يُقم بيّنة على صحّة ما قاله؛ ثلاثة أحكام:
أحدها: أن يُجلد ثمانين جلدة.
الثاني: أنه تُردّ شهادته دائماً.
الثالث: أن يكون فاسقاً؛ ليس بعدل؛ لا عند الله ولا عند النّاس* (2).
قال الله -تعالى-: {والذين يرمون المحصنات ثمِّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون * إِلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإِنّ الله غفور رحيم} (3).
هل تُقبل شهادة القاذف إِذا تاب:
قال ابن كثير رحمه الله بعد بيان ما أوجب الشرع على القاذف: "ثمّ
(1) عن "الروضة الندية"(2/ 608) بتصرف.
(2)
انظر "تفسير ابن كثير" رحمه الله.
(3)
النور: 4 - 5.
قال -تعالى-: {إِلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإِنّ الله غفور رحيم} .
اختلف العلماء في هذا الاستثناء: هل يعود إِلى الجملة الأخيرة فقط؛ فترفع التوبة الفسقَ فقط، ويبقى مردودَ الشهادة دائماً وإِنْ تاب، أو يعود إِلى الجملتين الثانية والثالثة؟
أمّا الجلد فقد ذهب وانقضى، سواء تاب أو أصرّ، ولا حكم له بعد ذلك بلا خلاف، فذهب الإِمام مالك والشافعي وأحمد بن حنبل إِلى أنه إِذا تاب قُبِلت شهادته، وارتفع عنه حُكْم الفسق، ونص عليه سعيد بن المسيب -سيد التابعين- وجماعة من السلف أيضاً.
وقال الإِمام أبو حنيفة: إِنما يعود الاستثناء إِلى الجملة الأخيرة فقط، فيرتفع الفسق بالتوبة، ويبقى مردود الشهادة أبداً.
وممن ذهب إِليه من السلف: القاضي شريح، وإِبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، ومكحول، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
وقال الشعبي والضحاك: لا تُقبل شهادته وإِنْ تاب، إِلا أن يعترف على نفسه بأنه قد قال البهتان، فحينئذ تقبل شهادته، والله أعلم".
قال في "الروضة الندية"(2/ 609): "وإِذا لم يتُب لم تُقبل شهادته؛ لقوله -تعالى-: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً} ثمّ ذَكر بعد ذلك التوبة.
والذي يترجّح لديّ قبول شهادته إِذا تاب توبة نصوحاً وأكذب نفسه، ويقرّ أنه قال البُهتان، وذلك لما يأتي:
1 -
للنصوص العامّة في قَبول التوبة بشروطها، ومن ذلك توبة القاتل (1) وهو أعظم جرماً من القاذف -بل تُقبل توبة المشرك إِذا تاب.
وحين سألت شيخنا رحمه الله هل تقبل توبة الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اختلف فيها العلماء -وكنتُ مستحضراً في نفسي أَن الله تعالى يقبل التوبة من الشرك- فقال: إِذا كانت تُقبل توبة المشرك مِن شركه، فكيف بالكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم!.
2 -
لترجيحي قول العلماء الذين يرون رجوع الاستثناء إِلى الجملتين لا إِلى الجملة الأخيرة فقط.
وقد فصَّل القولَ في ذلك الأُستاذ عبد القادر عبد الرحمن السعدي في كتابه النافع "أثر الدلالة النحوية واللغوية في استنباط الأحكام من آيات القرآن التشريعية"(ص 211 - 215) مُبّيناً أقوال النحاة والراجح في ذلك. فارجع إِليه -إِن شئت- فإِنه مهمّ.
وأمّا أن يكذب نفسه، ويقرّ أنه قال البهتان، فهذا من شروط التوبة المتعلّقة بحقوق العباد، ورد الظالم، وتبرئتهم مما يجب فيه ذلك.
(1) وفي المسألة تفصيل، والراجح قَبول توبة القاتل، ومن الأدلة على ذلك؛ أثر ابن عباس رضي الله عنهما "أنه أتاه رجل فقال: إِنّي خطبتُ امرأة فأبت أن تنْكحني وخطبَها غيري فأحبّت أن تنكحه، فغِرت عليها فقتلتُها، فهل لي من توبة؟ قال: أمّك حيّة؟ قال: لا، قال: تبْ إِلى الله عز وجل وتقرَّبْ إِليه ما استطعت، قال عطاء بن يسار: فذهبتُ فسألت ابن عباس رضي الله عنهما لم سألته عن حياة أمّه؟ فقال: إِني لا أعلم عملاً أقرب إِلى الله عز وجل من بر الوالدة" أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" "صحيح الأدب المفرد" برقم (4).