الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمّا المختلس فإِنّه إِنّما يأخذ المال على حين غفلة من مالكه وغيره، فلا يخلو من نوع تفريط يُمكّن به المختلس من اختلاسه، وإِلا فمع كمال التحفُّظ والتيقُّظ، لا يمكنه الاختلاس، فليس كالسارق، بل هو بالخائن أشبه، وأيضاً فالمختلس إِنما يأخذ المال من غير حِرز مثله غالباً، فإِنه الذي يغافلك، ويختلس متاعك في حال تخلّيك عنه، وغفلتك عن حِفظه، وهذا يمكن الاحتراز منه غالباً، فهو كالمنتهب.
وأمّا الغاصب فالأمر فيه ظاهر، وهو أولى بعدم القطع من المنتهب، ولكن يسوغ كفّ عدوان هؤلاء بالضرب والنَّكال، والسجن الطويل، والعقوبة بأخذ المال". (1)
هل في جحد العارية حدّ
؟
*اختلف العلماء في حُكم جاحد العارية، فقال الجمهور لا تُقطع يده؛ لأن القرآن والسنّة أوجبا القطع على من سرق، والجاحد للعارية ليس بسارق! * (2).
وذهب الإِمام أحمد (3) وإِسحاق وجمْع من العلماء إِلى قطع يده لحديث عائشة رضي الله عنها "أن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي
(1) قاله ابن القيم في "إِعلام الموقعين"(2/ 61) وذكره السيد سابق رحمه الله في "فقه السنة"(3/ 262).
(2)
ما بين نجمتين من "فقه السنة"(3/ 262) -بتصرف-.
(3)
في "منار السبيل"(2/ 340) قال الإمام أحمد: "لا أعرف شيئاً يدفعه، وعنه: لا قطع عليه".
سرقت فقالوا: من يكلّمُ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجترئ عليه إِلا أسامة حِبّ (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتشفع في حدّ من حدود الله؟
ثم قام فخطب فقال: يا أيها الناس إِنما ضلّ من كان قبلكم أنهم كانوا إِذا سرق الشريف تركوه، وإِذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وايم (2) الله لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقَت لقطع محمد يدها" (3).
وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمرَ النبي صلى الله عليه وسلم أن تُقطَع يدها
…
" (4).
قال الإِمام ابن حزم رحمه الله بعد تفصيل ومناقشة للآراء المخالفة في "المحلى"(3/ 414): "فتُقطع يد المستعير الجاحد؛ كما تقطع من السارق -سواءٌ بسواء- .... ".
ولا شك أن الحديث هو الفيصل فقد نزّل الجحد منزلة السرقة، وقد كان القطع لأجل الجحد، ورواية "سرقت" تفسير للفظ "تستعير المتاع وتجحده".
قال الإِمام الشوكاني رحمه الله في "نيل الأوطار"(7/ 308):
(1) أي محبوبه.
(2)
أيم اللهِ: من ألفاظ القَسم، وفيها لغاتٌ كثيرة، وتُفتَح همزتها وتُكسَر، وهمزتها وصْلٌ، وقد تُقطع. "النهاية".
(3)
أخرجه البخاري (6788) ومسلم (1688).
(4)
أخرجه مسلم (1688).