الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبا طالب أحبُّ أن تجِيزَ ابني هذا برجل من الخمسين ولا تُصبِر (1) يمينَه حيث تُصبَر الأيمان (2)، ففعل.
فأتاه رجل منهم فقال: يا أبا طالب أردتَ خمسين رجلاً أن يَحلِفوا مكان مائةٍ من الإِبل، يصيبُ كل رجل بعيران، هذان بعيران فاقبلهما منّى ولا يصبر يميني؛ حيث تُصْبر الأيمان، فقبلهما، وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا.
قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده ما حال الحول (3) ومن الثمانية وأربعين عينٌ تَطرِفُ (4) " (5).
وعن سليمان بن يَسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل من أصحاب رسول الله من الأنصار: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقَرّ القَسامة على ما كانت عليه في الجاهلية"(6).
بيان صورة القَسامَة:
*صورة القَسامة أن يوجدَ قتيلٌ وادعى وليّه على رجلٍ، أو على جماعةٍ
(1) تُصبر يمينَه: أصل الصبر: الحبس والمنع، ومعناه في الأيمان الإلزام، تقول: صبرتُه: أي ألزمتُه أن يحلف بأعظم الإِيمان حتى لا يسعه أن لا يحلف. "الفتح".
(2)
أي: بين الرّكن والمقام.
(3)
أي: من يوم حلفوا.
(4)
أي: تتحرّك.
(5)
أخرجه البخاري (3845).
(6)
أخرجه مسلم (1670).
وعليهم لوثٌ ظاهر. واللوث: ما يَغلب على القلب صدق المدّعي، بأن وجد فيما بين قوم أعداء لا يخالطهم غيرُهم، كقتيل خيبر وُجد بينهم، والعداوة بين الأنصار وبين أهل خيبر ظاهرة، أو اجتمع جماعةٌ في بيت أو صحراء وتفرقوا عن قتيل، أو وُجد في ناحية قتيلٌ وثمّ رجل مختضب بدمه، أو يشهد عدل واحد على أن فلاناً قتَله* (1).
فيحلف أولياء المقتول خمسين يميناً، أن ذلك الخاصم هو الذي قتلَه ويستحقون دمه.
فإِن أبَوا القَسم؛ ردّ ذلك إِلى أولياء المدَّعَى عليه بالقتل، فيحلفون خمسين يميناً على نفي القتل، فإِن حلفوا؛ لم يُطالبوا بالدِّية، وإن أبَوا؛ وجبت الدية عليهم.
وإذا لم يتمكن الوالي مِن تمحيص الأمر -لالتباس أو غموض- كأن يأبى أولياء المدعي أيمان أولياء المدعي عليه- كانت الدية مِن بيت مال المسلمين.
ودليل ذلك ما رواه رافع بن خَديج وسهل بن أبي حَثْمة: "أن عبد الله بن سهل ومحيِّصة بن مسعود أتيا خيبر، فتفرقا في النّخل، فقُتل عبد الله بن سهل، فجاء عبد الرحمن بن سهل وحوَيِّصة ومحيِّصة ابنا مسعود إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكلموا في أمرِ صاحبهم، فبدأ عبد الرحمن -وكان أصغر القوم- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كبِّر الكُبْرَ.
قال يحيى: لِيليَ الكلام الأكبر، فتكلموا في أمرَ صاحبهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتستَحِقون قتيلَكم -أو قال:- صاحبَكم- بأيمان خمسين منكم.
(1) ما بين نجمتين من "الروضة الندية"(2/ 669).