الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ورد في بعض الروايات أنّ المرأة التي قَتلت، ضربت ضَرَّتها بعمود فسطاط وفيه:- "فقضى في الجنين بغرّة".
وفي لفظ: "فقضى فيه بغُرّة، وجعلَه على أولياء المرأة"(1).
قال الإِمام النووي رحمه الله (11/ 176): "ومتى وَجبت الغُرّة فهي على العاقلة؛ لا على الجاني، هذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وسائر الكوفيين رضي الله عنهم وقال مالك والبصريون: تجب على الجاني، وقال الشافعي وآخرون: يلزم الجاني الكفّارة.
وقال بعضهم: لا كفّارة عليه، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما والله أعلم". انتهى.
ورجّح شيخ الإِسلام رحمه الله الكفّارة؛ كما في العنوان الآتي:
مسألة:
إِذا قال الرجل لزوجته أسقطي ما في بطنك والإثم عليّ:
جاء في "مجموع الفتاوى"(34/ 159): "وسئل رحمه الله عن رجل قال لزوجته: أسقطي ما في بطنك والإِثم عليّ، فإِذا فعَلت هذا، وسَمعت منه؛ فما يجب عليهما من الكفّارة؟
فأجاب: إِنْ فعَلت ذلك فعليهما كفّارة رقبة مؤمنة، فإن لم يجدا فصيام شهرين متتابعين، وعليهما غُرّة عبد أو أَمَة لوارثه الذي لم يقتله؛ لا للأب، فإِنّ الأب هو الآمر بقتله، فلا يستحق شيئاً".
(1) أخرجه مسلم (1682).
وجاء فيه (ص 161): "وسئل رحمه الله عن امرأة حامل تعمّدت إِسقاط الجنين إِمّا بضربٍ، وإِما بشرب دواء؛ فما يجب عليها؟
فأجاب: يجب عليها بسُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتفاق الأئمّة؛ غرّة عبد أو أَمَة، تكون هذه الغرة لورثة الجنين؛ غير أمّه، فإنْ كان له أب كانت الغرة لأبيه، فإنْ أحب أن يسقط عن المرأة فله ذلك، وتكون قيمة الغرة عشر ديَة، أو خمسين ديناراً وعليها أيضاً عند أكثر العلماء عتْق رقبة، فإِن لم تجِدْ؛ صامت شهرين متتابعين، فإِن لم تستطِع؛ أطعمت ستين مسكيناً" (1).
وجاء في "الروضة النديّة"(2/ 668): "وأمّا إِذا خرج الجنين حيّاً، ثم مات مِن الجناية؛ ففيه الدِّيَة أو القَوَد".
قلت: وهذا القَوَد إِذا كان عمداً.
وقد اختلف العلماء في وجوب القِصاص في القتل بالمثقل.
قال الحافظ في "الفتح": "عقب الحديث المتقدّم: "واستدل به على عدم وجوب القِصاص في القتل بالمثقل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر فيه بالقَوَد وإِنما أمر بالدية.
وأجاب من قال به بأن عمود الفسطاط يختلف بالكبر والصغر؛ بحيث يقتل بعضه غالباً ولا يقتل بعضه غالباً، وطرد المماثلة في القصاص إِنما يشرع فيما إِذا وقعت الجناية بما يقتل غالباً.
(1) وبناء على قوله رحمه الله (عشر دية) أقول: إِذا كانت الخمسون ديناراً عشر دية؛ فالدية كاملة خمسمائة دينار من ذهب. وقد سبق أن الدية ألف دينار من ذهب، وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بلغت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين أربعمائة دينار إِلى ثمانمائة دينار، وذكر بعض الفقهاء أنها نصف عشر الدية والأول أرجح. والله -تعالى- أعلم.
وفي هذا الجواب نظر، فإن الذي يظهر أنه إنما لم يوجب فيه القَوَد؛ لأنها لم يقصد مثلها، وشرط القَوَد العمد، وهذا إنما هو شبه العمد، فلا حُجّة فيه لقتلٍ بالمثقل ولا عكسه" (1).
وجاء في "السيل الجرار"(4/ 414): "
…
وأمّا إذا كانت الآلة مثلها يقتل في العادة، وإن لم يكن من المحدّد؛ فإن القصاص فيها واجب، كما تقدم في رضّ رأس اليهودي الذي رضّ رأس الجارية، وكما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث حمل بن مالك قال:"كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فَقَتلتها وجنينها، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم في جنينها بغُرّة، وأن تُقتل بها"(2).
وقد ذهب إلى وجوب القصاص في مثل هذا الجمهور -وهو الحقّ- وأدلة الكتاب والسنة المثبتة للقصاص تشمله، وليس بيد من قال إنه لا قصاص في القتل بغير المحدّد مطلقاً دليل تقوم به الحجة، ولا حجة فيما ورد من طريق الكذّابين والوضّاعين.
وقد بيّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخطأ الذي هو شبه العمد بياناً شافياً، فلنقتصر عليه، ونردّ ما عداه إلى ما شرعه الله لعباده من القصاص في العمد العدوان".
(1)"الفتح"(12/ 250).
(2)
أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(2136) من حديث عمر بن الخطاب، أنه نشد الناس قضاء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك -يعني في الجنين- فقام حمل بن مالك بن النابعة فقال:"كنت بين امرأتين لي، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وقتلت جنينها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد، وأن تقتل بها". أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(3825).