الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" .. فالحق قطع جاحد الوديعة؛ ويكون ذلك مُخصِّصاً للأدلة الدالة على اعتبار الحرز، ووجهه أن الحاجة ماسّة بين الناس إِلى العارية، فلو علم المعير أن المستعير إِذا جحَد؛ لا شيء عليه؛ لجَرّ ذلك إِلى سد باب العارية وهو خلاف المشروع".
الصفات التي يجب اعتبارها في السارق
(1):
*1 - أن يكون السارق بالغاً عاقلاً؛ فلا حدّ على مجنون ولا صغير إِذا سرق؛ لأنهما غير مُكَلَّفين ولكن يُؤدّب الصغير إِذا سرَق.
ولا يُشترط في السارق الإسلام؛ فإِذا سَرق الذّمي أو المرتدّ فإِنه يُقطع، كما أنّ المسلم يُقطَع إِذا سرَق من الذمّي.
[أقول: هذا لعموم النصوص الواردة في عقوبة السارق والسارقة من غير استثناء؛ فتُؤخذ على عمومها].
2 -
الاختيار؛ بأن يكون السارق مختاراً في سرقته، فلو أُكره على السرقة؛ فلا يُعدّ سارقاً؛ لأن الإِكراه يسلبه الاختيار، وسلْب الاختيار يُسقِط التكليف.
3 -
ألا يكون للسارق في الشيء المسروق شبهة، فإِن كانت له فيه شُبهة؛ فإِنه لا يقطَع، ولهذا لا يقطع الأب ولا الأمّ بسرقة مالِ ابنيهما.* (2).
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه "أنّ رجلاً قال: يا رسول الله إِنّ لي
(1) لا يجب القطع إِلا بسبعة شروط ذكرها صاحب "المغني" رحمه الله في كتابه تحت (باب القطع في السرقة) فانظرها -إِن شئت- المزيد من الفائدة.
(2)
ما بين نجمتين من "فقه السُّنة"(3/ 264).
مالاً وولداً. وإِنّ أبي يريد أن يجتاحَ مالي. فقال: أنت ومَالُك لأبيكَ" (1).
وجاء في "السيل الجرّار": (4/ 367) قوله: "ولا يقطع والد لولده وإنْ سفُل".
أقول: لا شك أنّ حديث: "أنت وَمالُكَ لأَبيكَ" يكون شبهة أقلّ أحْوَاله، وهو حديث تقوم به الحجّة، وقد عضده حديث:"كُلُوا مِنْ كَسبِ أولادكم" وأمّا الولد إِذا سرق مال والده فلا شبهة له، وهو مشمول بالأدلة الموجبة للحد على السارق.
قلت: ويرى شيخنا رحمه الله أنه لا بدّ من تقييد هذا بالحاجة، والله أعلم بالصواب.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ أولادكم هِبَةُ الله لكم {يَهَبُ لمن يشاء إناثاً ويَهَبُ لمن يشاء الذّكور} فهم وأموالهم لكم إِذا احتجتُم إِليها"(2).
قال شيخنا رحمه الله: "وفي الحديث فائدة فقهية هامة قد لا تجدها في غيره، وهي أنه يبين أنّ الحديث المشهور: "أنت ومالك لأبيك" (3) ليس على إِطلاقه، بحيث أنّ الأب يأخذ من مال ابنه ما يشاء، كلا وإِنما يأخذ ما هو بحاجة إِليه". انتهى.
(1) أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1855) وصححه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(838).
(2)
أخرجه الحاكم وعنه البيهقي وانظر "الصحيحة"(2564).
(3)
انظر"الإرواء"(838).
قلت: لذلك كان يرى ابن حزم رحمه الله قطع الأب والأم لغير حاجة فقد قال في "المحلى"(13/ 385): "
…
فصحّ أن القطع واجب على الأب والأمّ، إِذا سرقا من مال ابنهما؛ ما لا حاجة بهما إِليه".
والذي يترجح لديّ عدم إِقامة الحدّ على الأب للشبهة المعلومة، فإِن الوالد لا يُقتل بولده، -كما سيأتي إِن شاء الله تعالى في حدّ القتل (1) -.
وسيأتي الآن بعد سطرٍ -بإِذن الله سبحانه- عدم قطع الخادم؛ فالأب من باب أولى. والله -تعالى- أعلم.
ولا يقطع الخادم الذي يخدم سيده.
فعن السائب بن يزيد؛ أنّ عبد الله بن عمرو الحَضرمي جاء بغلام له إِلى عمر بن الخطاب فقال له: "اقطع يد غلامي هذا فإِنه سرق، فقال له عمر: ماذا سرق؟ فقال: سرق مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهماً. فقال له عمر: أرسِله فليس عليه قطع، خادمكم سرق متاعكم"(2).
وعن عمرو بن شرحبيل قال: "جاء معقل المزنيّ إِلى عبد الله فقال: غلامي سرق قبائي، فاقطعه، قال عبد الله: لا؛ مالك بعضُه في بعض".
(1) وفي ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يُقتَل والدٌ بولده" أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإرواء"(2214).
(2)
أخرجه مالك والشافعي والبيهقي وغيرهم، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(2419).