الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هم في البنيان أحقّ بالعقوبة منهم في الصَّحراء؛ لأنَّ البنيان محلّ الأمن والطمأنينة، ولأنَّه محل تناصر الناس وتعاونهم، فإِقْدامهم عليه يقتضي شدَّة المحاربة والمغالبة؛ ولأنَّهم يسلبون الرجل في داره جميع ماله، والمسافر لا يكون معه غالباً إِلا بعض ماله، وهذا هو الصَّواب".
والذي يترجَّح لديَّ عدم التَّفريق بين الصحراء والبنيان؛ لعموم الآية المتناولة كل محارب في أيّ مكان، فقطع الطَّريق وسفْك الدِّماء وسلْب الأموال وهتْك الأعراض واقعٌ في الصَّحراء والبُنْيان، والأودية والجبال.
هل تشترط المجاهرة
؟
ومِن شروط الحرابة عند بعض الفقهاء المجاهرة، بأن يأخذوا المال جهراً، فإِنْ أخذوه مختفين، فهم سُرَّاق، وإِنْ اختطفوه وهربوا، فهم منتهبون لا قطْع عليهم، وكذلك إنْ خَرَجَ الواحد والاثنان على آخر قافلة، فسلبوا منها شيئاً؛ لأنَّهم لا يرجعون إِلى منعة وقوَّة، وإِنْ خرجوا على عدد يسير فقهروهم، فهم قُطّاع طريق. وهذا مذهب الأحناف، والشافعيَّة، والحنابلة. وخالف في ذلك المالكيَّة، والظَّاهريَّة.
قال ابن العربي المالكي: والذي نختاره، أنَّ الحرابة عامّة في المصر والقفر، وإِن كان بعضها أفحش من بعض، ولكن اسم الحرابة يتناولها، ومعنى الحرابة موجود فيها، ولو خَرج بعصاً في المصر يُقْتَلُ بالسَّيف، ويُؤخَذُ فيه بأشدّ من ذلك، لا بأيسره؛ فإِنَّه سلبَ غيلةً، وفِعْل الغيلة أقبح من فِعل المجاهرة.
ولذلك دخل العفو في قتل المجاهرة، فكان قِصاصاً، ولم يدخل في قتل الغيلة، فكان حرابة، فتحرر أنَّ قطع السبيل موجب للقتل.
وقال: لقد كنتُ، أيام تولية القضاء، قد رُفِعَ إِليَّ أمرُ قومٍ خَرَجوا محاربين في رفقة، فأخذوا منهم امرأة مغالبةً على نفسها من زوجها، ومِن جملة المسلمين معه فاختلوا بها، ثم جد فيهم الطلب، فأُخِذوا وجيء بهم.
فسألتُ من كان ابتلاني الله به من المفتين، فقالوا: ليسوا محاربين، لأنَّ الحرابة إِنَّما تكون في الأموال، لا في الفروج. فقلتُ لهم: إِنَّا لله وإِنَّا إِليه راجعون! ألم تعلموا أنَّ الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال، وأنَّ الناس ليرضون أن تذهب أموالهم، وتحرب بين أيديهم، ولا يرضون أن يحرب المرء في زوجته وبنته؟ ولو كان فوق ما قال الله عقوبة، لكانت لمن يسلب الفروج، وحسبكم من بلاءٍ صحبة الجُهَّال، وخصوصاً في الفتيا والقضاء.
وقال القرطبي: والمغتال كالمحارب، وهو أن يحتال في قتلِ إِنسان على أخذ ماله، وإِن لم يُشهِر السِّلاح، ولكن دخل عليه بيته، أو صَحِبَه في سفر، فأطعمه سُمًّا فقتله، فيقتل حدًّا، لا قوَداً.
وقريب من هذا القول، رأي ابن حزم، حيث يقول: إِنَّ المحارب هو المكابر، المخيف لأهل الطريق، المفسد في سبل الأرض؛ سواء بسلاح، أم بلا سلاح أصلاً، سواء ليلاً، أم نهاراً، في مصر أم فلاة، في قصر الخليفة، أم في الجامع سواء، وسواء فعل ذلك بجندٍ، أم بغير جند، منقطعين في الصحراء، أم أهل قرية؛ سكاناً في دورهم، أم أهل حصن كذلك، أم أهل مدينة عظيمة، أم غير عظيمة، كذلك واحد، أم أكثر، كل من حارب المارة، وأخاف السبيل بقتل نفس، أو أخْذ مال، أو لجراحة، أو لانتهاك عرض، فهو محارب عليه وعليهم،