المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل في أخذ الطعام من غير إذن ضمان - الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة - جـ ٦

[حسين العوايشة]

فهرس الكتاب

- ‌الحدود

- ‌الحدود

- ‌تعريفها:

- ‌جرائم الحدود:

- ‌وجوب إِقامة الحدود:

- ‌تحريم الشفاعة في الحدود إِذا بلغت السلطان:

- ‌درء الحدود بالشُّبهات:

- ‌من يُقيم الحدود

- ‌التستُّر في الحدود:

- ‌ستر المسلم على نفسه:

- ‌الحدود كفّارة للآثام:

- ‌النهي عن إِقامة الحدود في المساجد:

- ‌اتقاء ضرْب الوجه في الحدود:

- ‌الخمر:

- ‌ما هي الخمر

- ‌ما أسكر كثيره فقليله حرام:

- ‌شرب العصير والنبيذ قبل التخمير:

- ‌الخمر إِذا تخلّلت:

- ‌أمّا إِذا تخلّلت من ذاتها فلا بأس

- ‌المخدرات:

- ‌الاتجار بالخمر والمواد المخدّرة:

- ‌حدّ شارب الخمر:

- ‌بمَ يثبُت حدّ الشرب

- ‌شروط إِقامة الحدّ

- ‌عدم اشتراط الحرّية والإِسلام في إِقامة الحدّ:

- ‌تحريم التداوي بالخمر:

- ‌إِذا أقام الإِمام الحدّ على السكران فمات أعطاه الدِّية:

- ‌حدّ الزنى

- ‌الزنى الموجب للحدّ:

- ‌حدّ الزاني البكر

- ‌ما وَرد في التغريب:

- ‌حدّ الزاني المحصن:

- ‌وجوب الحد على الكافر والذّمي:

- ‌بمَ يثبت حدّ الزنى

- ‌ماذا يفعل الإِمام إِذا جاءه من أقرّ على نفسه بالزنى

- ‌من أقرّ بزنى امرأة فأنكرت:

- ‌سقوط الحدّ بظهور ما يقطع بالبراءة:

- ‌سقوط الحدّ إِذا أبدى المتهم العذر واقتنع الإِمام:

- ‌سقوط الحدّ بالتوبة الصحيحة:

- ‌عفو الحاكم عن الحدود لأسباب مخصوصة:

- ‌الوطء بالإِكراه:

- ‌الخطأ في الوطء

- ‌الوطء في نكاحٍ باطل

- ‌لا تُرجم الحُبلى حتّى تضع وتُرضع ولدها، ولا المريضة حتى تبرأ:

- ‌شهود طائفة من المؤمنين الحدّ:

- ‌الشهود أول من يرجُم ثم الإِمام ثمّ الناس:

- ‌ما جاء في جلد المريض:

- ‌اللواط:

- ‌ما هو حدّ اللواط:

- ‌السّحاق:

- ‌الاستمناء:

- ‌إِتيان البهيمة:

- ‌حدّ القذف

- ‌حرمته:

- ‌هل يُقام حدّ القذف على من عرَّض

- ‌بمَ يثبت حدّ القذف

- ‌عقوبة القاذف الدنيوية:

- ‌هل تُقبل شهادة القاذف إِذا تاب:

- ‌من رمى المحصنة ولم يأتِ بأربعة شهداء:

- ‌إِذا كرّر القذف للشخص نفسه:

- ‌سُقوط حد القذف

- ‌إِقامة الحد يوم القيامة:

- ‌حدّ السّرقة

- ‌تعريف السّرقة:

- ‌أنواع السرقة

- ‌ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع:

- ‌هل في جحد العارية حدّ

- ‌الصفات التي يجب اعتبارها في السارق

- ‌الصفات التي يجب اعتبارها في المال المسروق:

- ‌ما يُعتبر في الموضع المسروق منه

- ‌الإِنسان حِرْز نفسه:

- ‌المطالبة بالمسروق شرطٌ في القطع:

- ‌المسجد حرزٌ:

- ‌السرقة من الدار:

- ‌بمَ يثبثُ حدّ السرقة

- ‌إِذا تراجع الشاهدان في الشهادة بعد إِقامة الحدّ:

- ‌إِذا عُلم كذب الشاهِدَين أقيم عليهما الحدّ:

- ‌هل يتوقف الحدّ على طلب المسروق منه

- ‌هل يُلقّن القاضي السارق ما يُسقط الحدّ

- ‌عقوبة السرقة:

- ‌الردَّة والزّندقة

- ‌الردّة:

- ‌التحذير من التكفير:

- ‌تجاوز الله -تعالى- عن العبد ما حدّث به نفسه ما لم يعمل به أو يتكلم:

- ‌أحكام المرتدّ والمرتدّة واستتابتهم:

- ‌1 - العلاقة الزوجيّة:

- ‌2 - ميراثه:

- ‌3 - فَقْد أهليته للولاية على غيره:

- ‌قتل الخوارج والملحدين بعد إِقامة الحُجّة عليهم

- ‌الزنديق

- ‌هل يُقتل الساحر

- ‌الكاهن والعرَّاف والمنجِّم:

- ‌الحرابة

- ‌تعريفها:

- ‌الحرابَة جريمةٌ كُبرى:

- ‌شروط الحرابة:

- ‌شرط التَّكليف:

- ‌هل يُشترط حمل السِّلاح

- ‌هل تُشترط الصَّحراء والبعد عن العمران

- ‌هل تشترط المجاهرة

- ‌عقوبة الحرابة

- ‌سببُ نزول هذه الآية:

- ‌العقوبات التي قررتها الآية الكريمة:

- ‌عدم حسْم المحاربين من أهل الرِّدَّة حتى يهلكوا وكذا عدم سقايتهم الماء ونبذهم في الشمس:

- ‌فائدة "1

- ‌فائدة "2

- ‌ردُّ اعتراض، ودفْعُ إِشكالٍ

- ‌واجب الحاكم والأمَّة حِيال الحرابة

- ‌إِذا طَلب السلطان المحاربين فامتنعوا:

- ‌توبةُ المحاربين قبْل القُدرة عليهم:

- ‌سُقوطُ الحدود بالتَّوبة قبْل رَفْعِ الجناة إِلى الحاكم:

- ‌دفاع الإِنسان عن نفسه

- ‌دفاع الإِنسان عن غيره:

- ‌الجنايات

- ‌تعريفها:

- ‌حُرمة المسلم عند الله تعالى:

- ‌جزاء من سَنّ القتل:

- ‌تحريم الانتحار وقتل المرء نفسه:

- ‌أنواع القتل

- ‌القتلُ أنواعٌ ثلاثةٌ:

- ‌القتلُ العَمْدُ

- ‌أداةُ القتلِ ووسائله:

- ‌فائدة:

- ‌ماذا يترتّب على قتْل العمد

- ‌من حقّ الورثة التنازُل عن القِصاص وطلب الدية أو العفو:

- ‌ماذا إِذا عفا أحد الورثة

- ‌القَتْل شبه العمْد:

- ‌ماذا يترتب على قتل شِبْه العمد

- ‌القتل الخطأ

- ‌ماذا يترتب على قتل الخطأ

- ‌فائدة:

- ‌عمْد الصبيّ والمجنون خطأ تحمله العاقلة:

- ‌القِصاص

- ‌شروط القِصاص

- ‌الجماعة تُقتَل بالواحد:

- ‌ثبوت القِصاص:

- ‌ويُسأَل القاتل حتى يُقرّ:

- ‌وإِذا أقرّ بالقتل مرّة واحدة قتل به

- ‌استيفاء القِصاص

- ‌بمَ يكون القِصاص

- ‌استحباب العفو في القِصاص:

- ‌إِذا اعتدى على الجاني بعد العفو:

- ‌سقوط القِصاص

- ‌التراضي على الدِّية بالزيادة فِراراً من القِصاص:

- ‌استيفاء القِصاص بحضرة السلطان

- ‌القِصاص في الأطراف والجروح:

- ‌القِصاص في اللطمة والضربة واللكز والسبِّ:

- ‌اشتراك الجماعة في القِصاص:

- ‌هل يشرع القِصاص في إِتلاف الأموال

- ‌ضمان المِثل:

- ‌لا يُستقاد من الجُرح حتى يبرأ صاحبُه:

- ‌موت المقتصّ منه

- ‌الدِّيات والضمان

- ‌تعريفها:

- ‌مشروعيتها:

- ‌حِكمتها:

- ‌مقدار دِية الرجل المسلم:

- ‌القتل الذي تجب فيه

- ‌تغليظ الدِّية

- ‌تغليظ الدِّية في الحَرَم والشهر الحرام:

- ‌على مَن تَجب الدِّية

- ‌تعريف العاقلة:

- ‌فائدة:

- ‌مقدار دية الأعضاء والشّجاج:

- ‌فائدة:

- ‌الجراح وأقسامها ودِياتها

- ‌دية الشجاج:

- ‌ما جاء في أرش الجروح غير المسمّاة والحكومة:

- ‌دية المرأة:

- ‌دية أهل الكتاب:

- ‌فائدة:

- ‌دية الجنين:

- ‌ما هي الغُرة

- ‌لمن تجب وعلى من

- ‌مسألة:

- ‌فائدة:

- ‌لا ديَة إِلا بعد البُرء:

- ‌وجود قتيل بين قومٍ متشاجرين:

- ‌هل يضمن راكب الدابّة

- ‌ماذا إِذا صدم راكب السيارة أو الدابة سيارةً أو دابةً واقفة

- ‌ماذا إِذا كان الواقف متعدّياً

- ‌حُكم قتْل الدابَّة والجناية عليها:

- ‌ما أفسدت البهائم بالليل من الزرع فهو مضمون على أهلها وما أفسدت من ذلك نهاراً لم يضمنوه:

- ‌ضمان صاحب الكلب العقور ونحوِه:

- ‌ضمان صاحب الطيور:

- ‌لا ضمان في قتْل الحيوان الضارّ:

- ‌إِذا كانت الجناية من الظالم المعتدي فلا ضمان فيها:

- ‌ادعاء القتل دفاعاً:

- ‌هل يضمن ما أتلفته النار

- ‌في إِفساد زرْعِ الغير:

- ‌في غرق السفينة:

- ‌ضمان الطبيب:

- ‌الحائط يقع على شخصٍ فيقتله:

- ‌ضمان حافر البئر:

- ‌ضمان المعدن:

- ‌من استؤجر على صعود شجرة فسقط منها:

- ‌هل في أخْذ الطعام مِن غير إِذن ضمان

- ‌القَسامة

- ‌القَسامة في الجاهلية

- ‌بيان صورة القَسامَة:

- ‌الردّ على من يقول بعدم مشروعيّة القَسامة:

- ‌هل في قتل الخطأ قَسامة

- ‌هل يُضرب المتهم ليُقرّ

- ‌التعزير

- ‌تعريفه:

- ‌مشروعيّته:

- ‌هل يشرع الجلد في التعزير فوق عشر جلدات

- ‌الفرق بينه وبين الحدود:

- ‌صفة التعزير

- ‌التعزير بالتوبيخ والزجر والكلام:

- ‌التعزير بالمقاطعة والامتناع عن الكلام:

- ‌التعزير بالنفي:

- ‌التعزير بالحبس:

- ‌التعزير بالضرب:

- ‌التعزير بالإِتلاف والتحريق والتكسير:

- ‌التعزير بأخْذ المال:

- ‌التعزير بالتغريم:

- ‌التعزير بتغليظ الدِّية:

- ‌التعزير بالقتل في حالات مخصوصة:

- ‌التعزير على قول: يا كافر! يا فاسق! يا خبيث! يا حمار

- ‌تعزير الخطباء الذين لا يتحرّون ثبوت الأحاديث:

- ‌التعزير على نفي النسب:

- ‌التعزير على الاستمناء:

- ‌التعزير من حقّ الحاكم:

- ‌هل في التعزير ضمان

- ‌يُعزِّر الوالي بما يرى:

- ‌الجمع بين نوعين من أنواع التعزير:

- ‌ما لا يجوز فيه التعزير:

- ‌مسائل متفرقة في التعزير:

الفصل: ‌هل في أخذ الطعام من غير إذن ضمان

ما عداه، والحكم في جميع الإِتلاف بها سواء، سواءٌ كان على نفسٍ أو مال".

‌ضمان المعدن:

في الحديث المتقدّم: "والمعدن جُبار" والحُكم فيه ما تقدّم في البئر، فلو حَفَر معدناً في ملْكِه أو في موات؛ فوقع فيه شخص فمات، فدمه هدْر، وكذا لو استأجر أجيراً يعمل له، فانهار عليه فمات (1).

‌من استؤجر على صعود شجرة فسقط منها:

ويُلحق بالبئر والمعدن في ذلك كل أجير على عمل؛ كمن استُؤجر على صعود نخلةٍ، فسقط منها فمات (2).

‌هل في أخْذ الطعام مِن غير إِذن ضمان

؟

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَحلُبنَّ أحد ماشية أمرئ بغير إِذنِه، أيحب أحدُكم أن تُؤتى مَشْرُبَتُه (3) فتُكْسَرَ خِزانته فينتقل طعامه؟ فإِنما تَخزُن لهم ضُروعُ (4) ماشِيتِهم أطعُماتِهم، فلا يحلُبنَّ أحدٌ ماشية أحدٍ إِلا إِذنِه"(5).

واختلف العلماء في هذا النهي وذكروا استثناءات مِن ذلك (6):

(1) انظر "شرح النووي"(11/ 226) و"فتح الباري"(12/ 255).

(2)

انظر "فتح الباري"(12/ 255).

(3)

مشرُبَتُه: قال الحافظ رحمه الله في "الفتح""-بضم الراء وقد تفتح- أي: غُرفته: والمشربة: مكان الشرب بفتح الراء خاصة، والمشربة بالكسر إِناء الشرب".

(4)

الضرع للبهائم؛ كالثدي للمرأة.

(5)

أخرجه البخاري (2435)، ومسلم (1726).

(6)

وأفاض الحافظ رحمه الله في تفصيل ذلك في "الفتح"(5/ 89).

ص: 276

منها: حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذا أتى أحدكم على ماشية: فإِنْ كان فيها صاحبها فليستأذنْه، فإِن أَذِن له فليحْلِب وليشرب، فإِن لم يكن فيها فليُصَوِّت ثلاثاً، فإِن أجابه فليستأذنه، وإِلا فلَيحْتلِب وليشرب ولا يحمل"(1).

وكذلك حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذا أتَيْت على راعٍ، فناده ثلاث مرارٍ. فإِنْ أجابك، وإِلا فاشرب في غير أن تُفسد، وإِذا أتَيْت على حائط بُستان، فنادِ صاحب البُستان ثلاث مراتٍ، فإِنْ أجابك، وإِلا فكل في أن لا تُفسد"(2).

وأيضاً؛ حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا مرّ أحدكم بحائط، فليأكل ولا يتخّذ خُبْنَةً (3) "(4).

والذي يترجّح لديّ:

1 -

أنه يُراعَى فيما إِذا كان البستان عليه حائطٌ أو لا، وسمعْت من شيخنا رحمه الله يقولُ به.

(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2280)، والترمذي "صحيح سنن الترمذي"(1042)، وانظر "الإرواء"(2521).

(2)

أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1862) وابن حبّان وغيرهما، وانظر "الإِرواء"(2521).

(3)

الخُبْنَة: معطف الإِزار وطرف الثوب، أي لا يأخذ منه في ثوبه، يقال: أخْبنَ الرجل: إِذا خبّأ شيئاً في خُبْنة ثوبه أو سراويله. "النهاية".

(4)

أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1863) والترمذي "صحيح سنن الترمذي"(1034)، وصححه الحافظ رحمه الله في "الفتح"(5/ 90) تحت الحديث (2435).

ص: 277

2 -

وأنّ الأخْذ مِن غير إِذْنٍ يجوز؛ إِذا عَلِم أو رجّح طِيب نفسِ صاحب الطعام. ويفيدنا في ذلك قول الإمام البخاري رحمه الله في كتاب "الأدبَ المفرد"(باب دالّة أهل الإِسلام بعضهم على بعض) ثم ذِكْر لأثر محمد بن زياد قال: "أدركت السَّلف، وإِنَّهم ليكونون في المنزل الواحد بأهاليهم، فربما نزل على بعضهم الضيف، وقِدْرُ أحدهم على النَّار، فيأخذها صاحب الضيف لضيفه، فيفقد القِدرَ صاحَبُها، فيقول: من أخذ القِدر؟ فيقول صاحب الضيف: فحن أخذناها لضيفنا، فيقول صاحب القِدر. بارك الله لكم فيها أو كلمةً نحرها.

قال بقية: قال محمّد: والخبز إِذا خَبَزوا مثل ذلك، وليس بينهم إلَاّ جُدُرُ القَصبِ" (1).

3 -

وأنه يجوز للحاجة والضرورة: ويعود تقدير الحاجة والضرورة للمرء نفسه.

عن عباد بن شرحبيل رضي الله عنه قال: "أصابتني سَنَة (2)، فدخَلْتُ حائطاً من حيطان المدينة، ففركْتُ سنبلاً، فأكلْتُ وحملتُ في ثوبي، فجاء صاحبه، فضربني وأخَذ ثوبي.

فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ما علّمته إِذْ كان جاهلاً، ولا أطعمته إِذ كان ساغباً (3) أو جائعاً، وأمَره، فردَّ عليّ ثوبي، وأعطاني وسْقاً (4) أو نصف

(1) انظر "صحيح الأدب المفرد"(576).

(2)

السَّنَة: الجدب، في "سنن ابن ماجه":"أصابنا عام مخمصة".

(3)

ساغباً: جائعاً، وقيل: لا يكون السَّغَب إِلا مع التعب. "النهاية".

(4)

الوَسْق: ستون صاعاً

والأصل في الوَسْق الحمل، وكل شيء وسَقْته فقد حَملته. "النهاية".

ص: 278

وسْقٍ من طعام" (1).

فعباد بن شرحبيل رضي الله عنه قال: أصابتني سَنَة -أي: جدب- فدخل حائطاً من حيطان المدينة

وقد لام النبيّ صلى الله عليه وسلم صاحب الحائط، فقال له: "

ولا أطعمته إِذْ كان ساغباً".

فهذا واجب متعيّن على القادر؛ أن يطعم الجائع، سواء أكان من الزكاة الواجبة أو الصدقة، أو فيما دخل في قاعدة "في المال حقٌّ سوى الزكاة".

وجاء في تمام النصِّ "وأعطاني وسْقاً أو نصف وسْقٍ من طعام" طرداً لجوعه وجبراً لخاطره، وتفريجاً لكربه.

وهذا كله شريطة عدم الإفساد والحمل واتخاذ الخبيئة، ففي هذه الحالة وبهذه الضوابط؛ لا يضمن ما أخَذه من طعام أو شراب.

ومن الأدلّة على عدم الضمان؛ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المارّ على الماشية بعد أن يُصوّت؛ بضمان ما شَرِبه؛ لكن نهاه عن الحمل والإِفساد فحسب. والله -تعالى- أعلم.

وقد ورَد الضّمانُ في أَخْذ الطعام كما في النصّ الآتي:

عن عمير مولى آبي اللحم قال: "أقبلتُ مع سادتي نُريد الهجرة، حتى دَنَوْنا من المدينة، قال: فدخلوا المدينة وخَلَّفوني في ظهرهم، قال: فأصابني مجاعة شديدة، قال: فمرَّ بي بعض من يخرُجُ من المدينة فقالوا لي: لو دخَلْتَ المدينة فأصبْتَ من ثمرِ حوائطها، فدخلتُ حائطاً فقطعتُ منه قِنْوينِ (2)

(1) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم وأحمد وانظر "الصحيحة"(453).

(2)

القِنو: هو العِذق: وهو الغضن له شعب بما يحمله من الرُّطب.

ص: 279

فأتاني صاحبُ الحائط، فأتى بي إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبَره خبري، وعليّ ثوبان،

فقال لي: "أيُّها أفضل؟ فأشَرْتُ له إِلى أحدهما، فقالك خُذْهُ، وأعطى صاحب الحائط الآخر، وخلّى سبيلي"(1).

قال شيخنا رحمه الله: "فيه دليلٌ على جواز الأكل من مال الغير بغير إِذنه عند الضرورة، مع وجوب البَدل. أفاده البيهقي.

قال الشوكاني: (8/ 128): "فيه دليلٌ على تغريم السارق قيمة ما أخذه مما لا يجب فيه الحدّ، وعلى أنّ الحاجة لا تبيح الإِقدام على مال الغير مع وجود ما يمكن الانتفاع به، أو بقيمته، ولو كان مما تدعو حاجة الإِنسان إِليه، فإِنّه هنا أخذ أحدَ ثوبيه ودَفعَه إِلي صاحب النخل". انتهى.

قلت: وقطْع عمير قِنوين -وهما غصنان ذو شُعبٍ من الرُّطب- لا يدخل في المأذون فيه، مما سبق تَفصيله، فلزم من ذلك التغريم والله -تعالى- أعلم.

(1) أخرجه أحمد وحسّنه شيخنا رحمه الله في "الصحيحة"(2580).

ص: 280