الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما عداه، والحكم في جميع الإِتلاف بها سواء، سواءٌ كان على نفسٍ أو مال".
ضمان المعدن:
في الحديث المتقدّم: "والمعدن جُبار" والحُكم فيه ما تقدّم في البئر، فلو حَفَر معدناً في ملْكِه أو في موات؛ فوقع فيه شخص فمات، فدمه هدْر، وكذا لو استأجر أجيراً يعمل له، فانهار عليه فمات (1).
من استؤجر على صعود شجرة فسقط منها:
ويُلحق بالبئر والمعدن في ذلك كل أجير على عمل؛ كمن استُؤجر على صعود نخلةٍ، فسقط منها فمات (2).
هل في أخْذ الطعام مِن غير إِذن ضمان
؟
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَحلُبنَّ أحد ماشية أمرئ بغير إِذنِه، أيحب أحدُكم أن تُؤتى مَشْرُبَتُه (3) فتُكْسَرَ خِزانته فينتقل طعامه؟ فإِنما تَخزُن لهم ضُروعُ (4) ماشِيتِهم أطعُماتِهم، فلا يحلُبنَّ أحدٌ ماشية أحدٍ إِلا إِذنِه"(5).
واختلف العلماء في هذا النهي وذكروا استثناءات مِن ذلك (6):
(1) انظر "شرح النووي"(11/ 226) و"فتح الباري"(12/ 255).
(2)
انظر "فتح الباري"(12/ 255).
(3)
مشرُبَتُه: قال الحافظ رحمه الله في "الفتح""-بضم الراء وقد تفتح- أي: غُرفته: والمشربة: مكان الشرب بفتح الراء خاصة، والمشربة بالكسر إِناء الشرب".
(4)
الضرع للبهائم؛ كالثدي للمرأة.
(5)
أخرجه البخاري (2435)، ومسلم (1726).
(6)
وأفاض الحافظ رحمه الله في تفصيل ذلك في "الفتح"(5/ 89).
منها: حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذا أتى أحدكم على ماشية: فإِنْ كان فيها صاحبها فليستأذنْه، فإِن أَذِن له فليحْلِب وليشرب، فإِن لم يكن فيها فليُصَوِّت ثلاثاً، فإِن أجابه فليستأذنه، وإِلا فلَيحْتلِب وليشرب ولا يحمل"(1).
وكذلك حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذا أتَيْت على راعٍ، فناده ثلاث مرارٍ. فإِنْ أجابك، وإِلا فاشرب في غير أن تُفسد، وإِذا أتَيْت على حائط بُستان، فنادِ صاحب البُستان ثلاث مراتٍ، فإِنْ أجابك، وإِلا فكل في أن لا تُفسد"(2).
وأيضاً؛ حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا مرّ أحدكم بحائط، فليأكل ولا يتخّذ خُبْنَةً (3) "(4).
والذي يترجّح لديّ:
1 -
أنه يُراعَى فيما إِذا كان البستان عليه حائطٌ أو لا، وسمعْت من شيخنا رحمه الله يقولُ به.
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2280)، والترمذي "صحيح سنن الترمذي"(1042)، وانظر "الإرواء"(2521).
(2)
أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1862) وابن حبّان وغيرهما، وانظر "الإِرواء"(2521).
(3)
الخُبْنَة: معطف الإِزار وطرف الثوب، أي لا يأخذ منه في ثوبه، يقال: أخْبنَ الرجل: إِذا خبّأ شيئاً في خُبْنة ثوبه أو سراويله. "النهاية".
(4)
أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1863) والترمذي "صحيح سنن الترمذي"(1034)، وصححه الحافظ رحمه الله في "الفتح"(5/ 90) تحت الحديث (2435).
2 -
وأنّ الأخْذ مِن غير إِذْنٍ يجوز؛ إِذا عَلِم أو رجّح طِيب نفسِ صاحب الطعام. ويفيدنا في ذلك قول الإمام البخاري رحمه الله في كتاب "الأدبَ المفرد"(باب دالّة أهل الإِسلام بعضهم على بعض) ثم ذِكْر لأثر محمد بن زياد قال: "أدركت السَّلف، وإِنَّهم ليكونون في المنزل الواحد بأهاليهم، فربما نزل على بعضهم الضيف، وقِدْرُ أحدهم على النَّار، فيأخذها صاحب الضيف لضيفه، فيفقد القِدرَ صاحَبُها، فيقول: من أخذ القِدر؟ فيقول صاحب الضيف: فحن أخذناها لضيفنا، فيقول صاحب القِدر. بارك الله لكم فيها أو كلمةً نحرها.
قال بقية: قال محمّد: والخبز إِذا خَبَزوا مثل ذلك، وليس بينهم إلَاّ جُدُرُ القَصبِ" (1).
3 -
وأنه يجوز للحاجة والضرورة: ويعود تقدير الحاجة والضرورة للمرء نفسه.
عن عباد بن شرحبيل رضي الله عنه قال: "أصابتني سَنَة (2)، فدخَلْتُ حائطاً من حيطان المدينة، ففركْتُ سنبلاً، فأكلْتُ وحملتُ في ثوبي، فجاء صاحبه، فضربني وأخَذ ثوبي.
فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ما علّمته إِذْ كان جاهلاً، ولا أطعمته إِذ كان ساغباً (3) أو جائعاً، وأمَره، فردَّ عليّ ثوبي، وأعطاني وسْقاً (4) أو نصف
(1) انظر "صحيح الأدب المفرد"(576).
(2)
السَّنَة: الجدب، في "سنن ابن ماجه":"أصابنا عام مخمصة".
(3)
ساغباً: جائعاً، وقيل: لا يكون السَّغَب إِلا مع التعب. "النهاية".
(4)
الوَسْق: ستون صاعاً
…
والأصل في الوَسْق الحمل، وكل شيء وسَقْته فقد حَملته. "النهاية".
وسْقٍ من طعام" (1).
فعباد بن شرحبيل رضي الله عنه قال: أصابتني سَنَة -أي: جدب- فدخل حائطاً من حيطان المدينة
…
وقد لام النبيّ صلى الله عليه وسلم صاحب الحائط، فقال له: "
…
ولا أطعمته إِذْ كان ساغباً".
فهذا واجب متعيّن على القادر؛ أن يطعم الجائع، سواء أكان من الزكاة الواجبة أو الصدقة، أو فيما دخل في قاعدة "في المال حقٌّ سوى الزكاة".
وجاء في تمام النصِّ "وأعطاني وسْقاً أو نصف وسْقٍ من طعام" طرداً لجوعه وجبراً لخاطره، وتفريجاً لكربه.
وهذا كله شريطة عدم الإفساد والحمل واتخاذ الخبيئة، ففي هذه الحالة وبهذه الضوابط؛ لا يضمن ما أخَذه من طعام أو شراب.
ومن الأدلّة على عدم الضمان؛ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المارّ على الماشية بعد أن يُصوّت؛ بضمان ما شَرِبه؛ لكن نهاه عن الحمل والإِفساد فحسب. والله -تعالى- أعلم.
وقد ورَد الضّمانُ في أَخْذ الطعام كما في النصّ الآتي:
عن عمير مولى آبي اللحم قال: "أقبلتُ مع سادتي نُريد الهجرة، حتى دَنَوْنا من المدينة، قال: فدخلوا المدينة وخَلَّفوني في ظهرهم، قال: فأصابني مجاعة شديدة، قال: فمرَّ بي بعض من يخرُجُ من المدينة فقالوا لي: لو دخَلْتَ المدينة فأصبْتَ من ثمرِ حوائطها، فدخلتُ حائطاً فقطعتُ منه قِنْوينِ (2)
(1) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم وأحمد وانظر "الصحيحة"(453).
(2)
القِنو: هو العِذق: وهو الغضن له شعب بما يحمله من الرُّطب.
فأتاني صاحبُ الحائط، فأتى بي إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبَره خبري، وعليّ ثوبان،
فقال لي: "أيُّها أفضل؟ فأشَرْتُ له إِلى أحدهما، فقالك خُذْهُ، وأعطى صاحب الحائط الآخر، وخلّى سبيلي"(1).
قال شيخنا رحمه الله: "فيه دليلٌ على جواز الأكل من مال الغير بغير إِذنه عند الضرورة، مع وجوب البَدل. أفاده البيهقي.
قال الشوكاني: (8/ 128): "فيه دليلٌ على تغريم السارق قيمة ما أخذه مما لا يجب فيه الحدّ، وعلى أنّ الحاجة لا تبيح الإِقدام على مال الغير مع وجود ما يمكن الانتفاع به، أو بقيمته، ولو كان مما تدعو حاجة الإِنسان إِليه، فإِنّه هنا أخذ أحدَ ثوبيه ودَفعَه إِلي صاحب النخل". انتهى.
قلت: وقطْع عمير قِنوين -وهما غصنان ذو شُعبٍ من الرُّطب- لا يدخل في المأذون فيه، مما سبق تَفصيله، فلزم من ذلك التغريم والله -تعالى- أعلم.
(1) أخرجه أحمد وحسّنه شيخنا رحمه الله في "الصحيحة"(2580).