الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الردّة:
الردّة من قولك: ردَدَت الشيء: أرُدُّه؛ كأنّه ردَّه إِلى كُفره فارتدّ، أي: فرجع وردّ نفسه (1).
وقال في "المغني"(10/ 74): "الردّة: هي الرجوع عن دين الإِسلام إِلى الكُفر، قال الله -تعالى-:{ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} (2).
وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"(3).
وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد، وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ ومعاذ وأبي موسى وابن عباس وخالد وغيرهم، ولم ينكر ذلك فكان إِجماعاً".
وفيه أيضاً (10/ 74): "فمن أشرك بالله -تعالى- أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة من صفاته أو قال اتخذ صاحبة أو ولداً، أو جحد نبياً أو كتاباً من كتب الله أو شيئاً منه، أو سبَّ الله سبحانه وتعالى ورسوله كَفَر".
*ولا يجوز إِيقاع حُكم التكفير على أيّ مسلم؛ إِلا مَن دلّ الكتابُ والسّنة على كُفره دلالةً واضحة صريحة بيّنة؛ فلا يكفي في ذلك مجرّدُ
(1)"حلية الفقهاء"(198).
(2)
البقرة: 217.
(3)
أخرجه البخاري (3017).
الشبهة والظنّ.
وقد يَرِد في الكتاب والسّنة؛ ما يُفهم منه أن قولاً ما أو عملاً أو اعتقاداً كُفرٌ؛ مخرجٌ من الإِسلام، لكن ليس لنا أن نكفِّر به أحداً بعينه؛ إِلا إِذا أقيمت عليه الحُجّة؛ بتحقيق الشروط: علماً وقصداً واختياراً وانتفاء للموانع، وهي عكس هذه وأضدادها، وهي الجهل والذهول والإِكراه* (1).
فمن سجد عند صنم وهو لا يعلم أنه صنَم، أو نطق كلمةً مِن كلمات الكُفر وهو في ذهول؛ كأن يقول: اللهم أنت عبدي وأنا ربّك، أو أُكره على ذلك وقلبه مطمئنٌ بالإِيمان فإنه لا يكفُر.
قال الله -تعالى-: {مَن كفَر بالله من بعد إِيمانه إِلا مَن أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإِيمان ولكن من شرح بالكُفر صدراً فعليهم غضبٌ من الله ولهم عذابٌ أليم} (2).
وقد نزلت هذه الآية في عمّار بن ياسر رضي الله عنه (3).
وقد يكون المرء حديث عهدٍ بالإِسلام؛ فما وقع منه من بعض الكفر؛ فإِنه يُعذَر؛ حتى يبلغه ذلك.
(1) ما بين نجمتين من "مُجمَل مسائل الإِيمان العلمية في أُصول العقيدة السلفية"(ص 17) بتصرّف يسير.
(2)
النّحل: 106.
(3)
قال -شيخنا رحمه الله في تخريج "فقه السّيرة"(ص 122): "
…
نعم إِنما يصحّ منه نزول الآية في عمّار؛ لمجيء ذلك مِن طُرُق؛ ساقها ابن جرير، والله أعلم".
ومن الأمثلة الدالّة على الكفر (1):
1 -
إِنكار ما عُلم من الدين بالضرورة، مثل: إِنكار وحدانية الله، وخلقه للعالم، وإِنكار وجود الملائكة، وإِنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن وحي من الله، وإِنكار البعث والجزاء، وإِنكار فرضية الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج.
2 -
استباحة محرّم أجمعَ المسلمون على تحريمه، كاستباحة الخمر، والزنى، والربا، وأكل الخنزير
…
3 -
تحريم ما أجمع المسلمون على حله، كتحريم الطيبات.
4 -
سبِّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أو الاستهزاء به، وكذا سبّ أي نبيّ من أنبياء الله.
5 -
سبِّ الدين، والطعن في الكتاب والسّنة، وتفضيل القوانين الوضعية عليهما.
6 -
ادعاء فرد من الأفراد، أن الوحي ينزل عليه.
7 -
إِلقاء المصحف في القاذورات، وكذا كتب الحديث؛ استهانة بها، واستخفافاً بما جاء فيها.
قلت: وجاء في "الروضة الندية"(2/ 629) تحت عنوان "والساب لله أو لرسوله أو للإِسلام أو للكتاب أو للسُّنة، والطاعن في الدين، وكل هذه الأفعال موجبة للكفر الصريح، ففاعلها مرتدّ حده حده
…
ثم ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنّ أعمى كانت له أمّ ولد،
(1) عن "فقه السنة"(3/ 227) بتصرف.
تشتم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وتقَع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر.
قال: فلمّا كانت ذات ليلة جَعَلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المِغْوَل (1) فوضعه في بطنها، واتكأ عليها فقتَلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطخت ما هَناك بالدم، فلما أصبح ذُكِر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع الناس فقال: أنشد الله رجلاً فَعَل ما فَعَل لي عليه حقّ؛ إِلا قام.
فقام الأعمى يتخطى الناس، وهو يتزلزل، حتى قَعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلمّا كانت البارحة جَعَلت تشتمك وتقع فيك، فأخذتُ المِغْوَل فوضعْتُه في بطنها، واتكأت عليها حتى قتلْتُها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا اشهدوا أنّ دمها هدر" (2).
ثمّ ذكَر حديث أبي برزة قال: كنت عند أبي بكر فتغيّظ على رجل، فاشتد عليه، فقلت: تأذن لي يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أضرب عنقه؟ قال: فأذهبت كلمتي غضبه.
فقام فدخل فأرسل إِليّ فقال: ما الذي قلت آنفاً؟ قلت: ائذَنْ لي أضرب عنقه، قال: أكنت فاعلاً لو أمرتُك؟ قلت: نعم، قال: لا والله ما كانت لبشر
(1) المِغْوَل: شبه سيف قصير، يشتمل به الرجل تحت ثيابه فيغطّيه، وقيل: هو حديدة دقيقة لها حَدٌّ ماضٍ وقَفَا "النهاية" وتقدّم.
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(3665)، والنسائي "صحيح سنن النسائي"(3794) وتقدّم.