الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بطريق التعاون، وهو قتل شبه العمد وقتل الخطأ (1)، والقاتل كأحد أفراد العاقلة؛ لأنه هو القاتل، فلا معنى لإِخراجه.
تعريف العاقلة:
العاقلة مأخوذة من العقل؛ لأنها تَعقل الدماء؛ أي؛ تُمسكها من أن تسفك، يقال: عقَل البعير عقلاً. أي: شدَّه بالعقال، ومنه العقل؛ لأنه يمنع من التورط في القبائح.
والعاقلة: هي الجماعة الذين يعقلون العقل، وهي الدية، يقال: عقلْت القتيل، أي: أعطيت دِيته، وعقلْت عن القاتل، أدّيت ما لزمه من الدِّية.
والعاقلة هم عَصَبةَ الرجل، أي: قرابته الذكور، البالغون من قِبل الأب الموسرون، العقلاء ويدخل فيهم الأعمى والزَّمِن (2)، والهرم إِن كانوا أغنياء، ولا يدخل في العاقلة أنثى، ولا فقير ولا صغير ولا مجنون، ولا مخالف لدين الجاني؛ لأنّ مبنى هذا الأمر على النصرة، وهؤلاء ليسوا من أهلها* (3).
قال ابن الأثير رحمه الله في "النهاية":- "والعَصَبة: الأقارب من جهة الأب؛ لأنّهم يُعصّبونه ويعتصب بهم يحيطون ويشتدّ بهم".
قال شيخ الإِسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوى"(34/ 158):
"وأمّا العاقلة التي تحمِل: فَهُم عَصَبته: كالعمّ وبنيه، والإِخوة وبنيهم باتفاق العلماء وأمّا أبو الرجل وابنه فهو من عاقلته أيضاً عند الجمهور؛ كأبي حنيفة،
(1) وكذا عمد الصغير والمجنون؛ كما سيأتي؛ إِن شاء الله.
(2)
من الزمانة: أي مرض يدوم.
(3)
ما بين نجمتين من "فقه السنة"(3/ 336).
ومالك، وأحمد في أظهر الروايتين عنه، وفي الرواية الأخرى، وهو قول الشافعي: أبوه وابنه ليسا من العاقلة".
وقال شيخنا رحمه الله في "الصحيحة" تحت الحديث (1983): "العصبة: هم بنو الرجل وقرابته لأبيه، وفي "الفرائض": مَن ليست له فريضة مُسمّاة في الميراث وإِنّما يأخُذُ ما أبقى ذوو الفرائض".
وقال ابن المنذر رحمه الله: "وأجمعوا أن المرأة والصبي الذي لم يبلغ؛ لا يعقلان مع العاقلة شيئاً"(1).
ودليل وجوب الدِّيَة على العاقلة؛ ما ورَدَ في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أن امرأتين من هذيل رمت إِحداهما الأخرى فطرحت جنينها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بغُرّةٍ: عبدٍ أو أَمة"(2).
وفي الحديث: "العقل (3) على العَصَبة، وفي السّقط غُرَّة عبدٍ أو أَمة"(4).
قال ابن المنذر رحمه الله: "أجمع أهل العلم على أن دِيَة الخطأ تحمِله العاقلة"(5).
*ويرى مالك وأحمد -رحمهما الله تعالى- أنه لا يجب على واحدٍ من
(1) انظر "الإِجماع"(120).
(2)
أخرجه البخاري (6904)، ومسلم (1681).
(3)
أي: الدِّية؛ كما تقدّم.
(4)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" وإسناده صحيح كما في "الصحيحة"(1983).
(5)
انظر "الإِجماع"(120).
العَصبَة قدْرٌ مُعيَّنٌ مِن الدِّية، ويجتهد الحاكم في تحميل كلّ واحدٍ منهم ما يسهُل عليهِ، ويبدأ بالأقرب فالأقرب.
وقال شيخ الإِسلام رحمه الله: "وتُؤخذ الدّيَة من الجاني خطأً عند تعذُّر العاقلة؛ في أصحّ قولي العلماء.
وإذا قتل المسلمون رجلاً في المعركة ظناً أنه كافر؛ ثمّ تبيّن أنه مُسلم؛ فديَته في بيت المال؛ وكذلك مَن مات من الزِّحام (1)، تجب ديته في بيت المال* (2).
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما كان يوم أُحد هُزِم المشركون، فصاح إِبليسُ: أي عباد الله أخراكم. فرجَعَت أولاهم فاجتَلَدَت هي وأخراهم فنظر حذيفة فإِذا هو بأبيه اليمان، فقال: أي عباد الله، أبي أبي.
قالت: فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه، قال حذيفة: غفرَ الله لكم. قال عروة: فما زالت في حذيفة منه بقية خير حتى لحقَ بالله" (3).
قال الحافظ رحمه الله في "الفتح": "قال ابن بطّال: اختلف عليٌّ وعمرُ هل تجب دِيَته في بيت المال أو لا؟ وبه قال إِسحاق -أي: بالوجوب- وتوجيهه أنه مسلم مات بفعل قوم من المسلمين، فوجبت ديته في بيت مال المسلمين"(4).
(1) انظر حديث عائشة رضي الله عنها الآتي في "صحيح البخاري"(كتاب الدِّيات باب إِذا مات في الزِّحام أو قُتِل).
(2)
ما بين نجمتين من "فقه السنة"(3/ 339) -بتصرف-.
(3)
أخرجه البخاري (6890).
(4)
انظر للمزيد -إن شئت- ما قاله الحافظ رحمه الله (12/ 218).
عن بُشير بن عُبيد عن سهل بن أبي حَثْمة: "أخبرهُ أن نَفَراً مِن قومه انطلقوا إِلى خَيبر فتفرقوا فيها ووجدوا أحدهم قتيلاً وقالوا: للذي وُجد فيهم: قَتَلْتُم صاحِبنا، قالوا ما قَتلنا ولا عَلِمنا قاتلاً.
فانطلقوا إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، انطلقنا إِلى خَيبر، فوجدنا أحدنا قتيلاً فقال الكُبْرَ الكُبْرَ، فقال لهم: تأتونَ بالبَيِنّة على من قَتَله؟ قالوا: ما لنا بيّنة، قالوا: فيحلفون؟ قالوا: لا نرضى بأيْمانِ اليهود، فكَرِه رسول الله أن يُبطل دمَهُ فوداه (1) مائة من إِبل الصدقة" (2).
وجاء في "سنن ابن ماجه": "الدية على العاقلة، فإِن لم يكن عاقلة؛ ففي بيت المال"(3).
ثم ذكر حديث المقدام الشامي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أنا وارثُ مَن لا وارث له، أعقِل عنه وأرثُه، والخال وارثُ من لا وارث له؛ يَعقِلُ عنه ويَرثُه"(4).
ونخلُص بهذا إِلى أنّ الدِّية إِن تعذّر الحصول عليها؛ فإِنها تُؤْخَذ من بيت مال المسلمين.
(1) أي: دفع دِيته.
(2)
أخرجه البخاري (6898) ومسلم (1669).
(3)
انظر الكتاب المذكور (كتاب الديات باب - 7).
(4)
أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(2130) وغيره، وانظر "الإِرواء"(6/ 138).