الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَول ابْن عَبَّاس الْحجر الاسود يَمِين الله فِي الارض فَمن استلمه وَصَافحهُ فَكَأَنَّمَا بَايع ربه أَو كَمَا قَالَ وَنَحْو ذَلِك فَهُنَا اللَّفْظ فِيهِ تجوز إِلَى آخر كَلَامه فَهَذَا ظَاهر فِي اثبات الْمجَاز وَالله اعْلَم
وَأما النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فقد رَأَيْت فِي كَلَامه فِي النّظم وَفِي كَلَامه الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنهُ وَلكنه قد بَالغ فِي كتاب الصَّوَاعِق الْمُرْسلَة فِي أبطال الْمجَاز وَاسْتدلَّ لذَلِك بِنَحْوِ خمسين وَجها ورد على ابْن جني كَلَامه فِي الْمجَاز من أوجه كَثِيرَة وَالله أعلم
قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى
…
واشهد عَلَيْهِم أَنهم لَا يكفرو
…
نكم بِمَا قُلْتُمْ من الكفران
اذ انتم أهل الْجَهَالَة عِنْدهم
…
لَسْتُم أولي كفر وَلَا إِيمَان
لَا تعرفُون حَقِيقَة الكفران بل
…
لَا تعرفُون حَقِيقَة الْإِيمَان
الا اذا عاندتم ورددتم
…
قَول الرَّسُول لاجل قَول فلَان
فهناك انتم أكفر الثقلَيْن من
…
انس وجن سَاكِني النيرَان
…
يَأْتِي الْكَلَام فِي مَسْأَلَة التَّكْفِير ان شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْفَصْل الَّذِي اوله وَمن الْعَجَائِب أَنكُمْ كَفرْتُمْ اهل الحَدِيث وشيعة الْقُرْآن
قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى
…
واشهد عَلَيْهِم أَنهم قد أثبتوا ال أقدار وَارِدَة من الرَّحْمَن
…
واشهد عَلَيْهِم أَن حجَّة رَبهم
…
قَامَت عَلَيْهِم وَهُوَ ذُو غفران
…
.. واشهد عَلَيْهِم أَنهم هم فاعلو
…
ن حَقِيقَة الطَّاعَات والعصيان
…
والجبر عِنْدهم محَال هَكَذَا
…
نفي الْقَضَاء فبئست الرأيان
واشهد عَلَيْهِم ان ايمان الورى
…
قَول وَفعل ثمَّ عقد جنان
وَيزِيد بالطاعات قطعا هَكَذَا
…
بالضد يُمْسِي وَهُوَ ذُو نُقْصَان
وَالله مَا ايمان عاصينا كايمان الامين منزل الْقُرْآن
…
كلا وَلَا ايمان مؤمننا كايمان الرَّسُول معلم الايمان
واشهد عَلَيْهِم انهم لم يخلدوا
…
اهل الْكَبَائِر فِي حميم آن
بل يخرجُون باذنه بشفاعة
…
وبدونها لمساكن بجنان
واشهد عَلَيْهِم ان رَبهم يرى
…
يَوْم الْمعَاد كَمَا يرى القمران
واشهد عَلَيْهِم ان أَصْحَاب الرَّسُول خِيَار خلق الله من انسان
…
حاشا النَّبِيين الْكِرَام فانهم
…
خير الْبَريَّة خيرة الرَّحْمَن
…
وخيارهم خلفاؤه من بعده
…
وخيارهم حَقًا هما الْعمرَان
وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ أَحَق بالتقديم مِمَّن بعدهمْ بِبَيَان
…
كل بِحَسب السَّبق أفضل رُتْبَة
…
من لَاحق وَالْفضل للمنان
…
قد تكلمنا على أَكثر مَضْمُون هَذِه الأبيات فِي غُضُون هَذَا الشَّرْح واما مَسْأَلَة خلق افعال الْعباد وَمَسْأَلَة الايمان وَأَنه قَول وَعمل وَنِيَّة و
يزِيد وَينْقص فينبسط الْكَلَام عَلَيْهَا بعض الْبسط لانها من الاصول الْكِبَار لأهل السّنة وَالْجَمَاعَة فَنَقُول
قَوْله واشهد عَلَيْهِم أَنهم فاعلون حَقِيقَة الطَّاعَات الخ أَي ان اهل الْإِثْبَات اهل السّنة وَالْجَمَاعَة يُؤمنُونَ بِالْقدرِ خَيره وشره وَالْإِيمَان بِالْقدرِ على دَرَجَتَيْنِ كل دَرَجَة تَتَضَمَّن شَيْئَيْنِ فالدرجة الأولى الْإِيمَان بِأَنَّهُ تَعَالَى علم مَا الْخلق عاملون بِعِلْمِهِ الْقَدِيم الَّذِي هُوَ مَوْصُوف بِهِ أزلا وأبدا وَعلم جَمِيع أَحْوَالهم من الطَّاعَات والمعاصي والآجال ثمَّ كتب الله فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مقادير الْخلق فَأول مَا خلق الْقَلَم فَقَالَ اكْتُبْ فَقَالَ مَا أكتب فَقَالَ اكْتُبْ ماهو كَائِن الى يَوْم الْقِيَامَة فَمَا أصَاب الانسان لم يكن ليخطئه وَمَا أخطأه لم يكن ليصيبه كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {ألم تَرَ أَن الله يعلم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} المجادلة وَقَالَ تَعَالَى {مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها} الْحَدِيد وَهَذَا التَّقْدِير التَّابِع لعلمه سُبْحَانَهُ يكون فِي مَوَاضِع جملَة وتفصيلا فقد كتب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَإِذا خلق جَسَد الْجَنِين قبل نفخ الرّوح بعث إِلَيْهِ ملك فيأمر بِأَرْبَع كَلِمَات فَيُقَال اكْتُبْ رزقة وأجله وَعَمله وشقي أَو سعيد وَأما الدرجَة الثَّانِيَة
فَهُوَ مَشِيئَة الله تَعَالَى النافذة وَقدرته الشاملة وَهُوَ الْإِيمَان بِأَن مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَأَنه مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض من حَرَكَة وَلَا سُكُون إِلَّا بِمَشِيئَة الله تَعَالَى لَا يكون فِي ملكه مَا لَا يُريدهُ سُبْحَانَهُ وَأَنه سبحانه وتعالى على كل شَيْء قدير من الموجودات والمعدومات فَمَا من مَخْلُوق فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء الا الله سُبْحَانَهُ خالقه وَلَا خَالق غَيره وَلَا رب سواهُ وَقد امْر الْعباد بِطَاعَتِهِ وَطَاعَة رَسُوله ونهاهم عَن مَعْصِيَته وَهُوَ سُبْحَانَهُ يحب الْمُتَّقِينَ والمحسنين والمقسطين ويرضى عَن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَلَا يحب الْكَافرين وَلَا يرضى عَن الْقَوْم الْفَاسِقين وَلَا يَأْمر بالفحشاء وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر وَلَا يحب الْفساد والعباد فاعلون حَقِيقَة وَالله خَالق أفعالهم وَالْعَبْد هُوَ الْمُؤمن وَالْكَافِر وَالْبر والفاجر وَالْمُصَلي وللعباد قدرَة على أَعْمَالهم وَإِرَادَة وَالله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم كَمَا قَالَ {لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يَسْتَقِيم وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله رب الْعَالمين} التكوير وَهَذِه الدرجَة من الْقدر يكذب بهَا عَامَّة الْقَدَرِيَّة الَّذين سماهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم مجوس هَذِه الْأمة ويغلو فِيهَا قوم من أهل الْإِثْبَات حَتَّى يسلبوا العَبْد قدرته واختياره ويخرجونه عَن افعال الله وَحكمهَا ومصالحها
قَوْله والجبر عِنْدهم الْمحَال الخ اعْلَم ان ائمة السّلف رحمه الله عَلَيْهِم أَنْكَرُوا الْجَبْر قَالَ الْخلال فِي كتاب السّنة الرَّد على الْقَدَرِيَّة
وَقَوْلهمْ إِن الله أجبر الْعباد على الْمعاصِي ثمَّ رُوِيَ عَن عمر وَابْن عُثْمَان عَن بَقِيَّة بن الْوَلِيد قَالَ سَأَلت الزبيدِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ عَن الْجَبْر فَقَالَ الزبيدِيّ أَمر الله أعظم وَقدرته أعظم من ان يجْبر اَوْ يعضل وَلَكِن يقْضِي وَيقدر ويخلق ويجبل عَبده على مَا احب وَقَالَ الاوزاعي مَا أعرف للجبر أصلا من الْقُرْآن وَلَا السّنة فأهاب ان أَقُول ذَلِك وَلَكِن الْقَضَاء وَالْقدر والخلق والجبل فَهَذَا يعرف فِي الْقُرْآن والْحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا وضعت هَذَا مَخَافَة أَن يرتاب رجل من اهل الْجَمَاعَة والتصديق
قَالَ شيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى فهذان الجوابان اللَّذَان ذكرهمَا هَذَانِ الإمامان فِي عصر تَابِعِيّ التَّابِعين من احسن الْأَجْوِبَة
أما الزبيدِيّ مُحَمَّد بن الْوَلِيد صَاحب الزُّهْرِيّ فَإِنَّهُ قَالَ امْر الله اعظم وَقدرته اعظم من ان يجْبر اَوْ يعضل فنفى الْجَبْر وَذَلِكَ لِأَن الْجَبْر الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة هُوَ إِلْزَام الْإِنْسَان بِخِلَاف رِضَاهُ كَمَا يَقُول الْفُقَهَاء فِي بَاب النِّكَاح هَل تجبر الْمَرْأَة على النِّكَاح اَوْ لَا تجبر وَإِذا عضلها الْوَلِيّ مَاذَا تصنع فيعنون بجبرها إنكاحها بِدُونِ رِضَاهَا واختيارها ويعنون بعضلها منعهَا بِمَا ترضاه وتختاره فَقَالَ الله اعظم من ان يجْبر أَو يعضل لِأَن 2 الله سُبْحَانَهُ قَادر على ان يَجْعَل العَبْد مُخْتَارًا رَاضِيا لما يَفْعَله ومبغضا وكارها لما يتْركهُ كَمَا هُوَ الْوَاقِع فَلَا يكون العَبْد مجبورا على مَا يُحِبهُ ويرضاه ويريده وَهِي أَفعاله الاختيارية وَلَا يكون معضولا عَمَّا يتْركهُ فَيبْغضهُ ويكرهه اَوْ لَا يُريدهُ وَهِي تروكه الاختيارية
واما الاوزاعي فَإِنَّهُ منع من إِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ وَإِن عَنى بِهِ هَذَا الْمَعْنى حَيْثُ لم يكن لَهُ أصل فِي الْكتاب وَالسّنة فيفضي الى اطلاق لفظ مُبْتَدع ظَاهر فِي إِرَادَة الْبَاطِل وَذَلِكَ لَا يسوغ
فان قيل إِنَّه يُرَاد بِهِ معنى صَحِيح قَالَ الْخلال انا ابو بكر الْمَرْوذِيّ قَالَ سَمِعت بعض المشيخة يَقُول سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن مهْدي يَقُول أنكر سُفْيَان الثَّوْريّ الْجَبْر وَقَالَ الله جبل الْعباد وَقَالَ الْمَرْوذِيّ أَظُنهُ أَرَادَ قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد الْقَيْس يَعْنِي قَوْله الَّذِي فِي صَحِيح مُسلم إِن فِيك لخلتين يحبهما الله الْحلم والأناة فَقَالَ أخلقين تخلقت بهما اَوْ خلقين جبلت عَلَيْهِمَا فَقَالَ بل خلقين جبلت عَلَيْهِمَا فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي جبلني على خلقين يحبهما الله وَلِهَذَا احْتج البُخَارِيّ وَغَيره على خلق افعال الْعباد بقوله تَعَالَى {إِن الْإِنْسَان خلق هلوعا إِذا مَسّه الشَّرّ جزوعا وَإِذا مَسّه الْخَيْر منوعا} المعارج فَأخْبر أَنه خلق على هَذِه الصّفة وَاحْتج غَيره بقول الْخَلِيل {رب اجْعَلنِي مُقيم الصَّلَاة وَمن ذريتي} ابراهيم وَقَوله {رَبنَا واجعلنا مُسلمين لَك وَمن ذريتنا أمة مسلمة لَك} الْبَقَرَة وَجَوَاب الْأَوْزَاعِيّ أقوم من جَوَاب الزبيدِيّ لِأَن الزبيدِيّ نفى الْجَبْر وَالْأَوْزَاعِيّ منع إِطْلَاقه إِذْ هَذَا اللَّفْظ قد يحْتَمل معنى صَحِيحا فنفيه قد يَقْتَضِي نفي الْحق وَالْبَاطِل كَمَا ذكر الْخلال مَا ذكره عبد الله بن احْمَد فِي كتاب السّنة فَقَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن بكار ثَنَا ابو معشر ثَنَا بن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ إِنَّمَا سمي الْجَبَّار لِأَنَّهُ يجْبر الْخلق على مَا أورد فَإِذا امْتنع من إِطْلَاق اللَّفْظ الْمُجْمل المشتبه زَالَ الْمَحْذُور وَكَانَ احسن من نَفْيه وَإِن كَانَ ظَاهرا فِي الْمَعْنى الْفَاسِد خشيَة ان يظنّ أَنه ينفى المعنين جَمِيعًا وَهَكَذَا يُقَال فِي نفي الطَّاقَة عَن الْمَأْمُور فَإِن إِثْبَات الْجَبْر فِي الْمَحْظُور نَظِير سلب الطَّاقَة فِي الْمَأْمُور
وَهَكَذَا كَانَ يَقُول الامام احْمَد وَغَيره من ائمة السّنة قَالَ الْخلال أنبا الْمَيْمُونِيّ قَالَ سَمِعت ابا عبد الله يَعْنِي احْمَد بن حَنْبَل يناظر خَالِد بن خرَاش يَعْنِي فِي الْقدر فَذكرُوا رجلا فَقَالَ عبد الله إِنَّمَا كره من هَذَا ان تَقول أجبر الله وَقَالَ أنبأ الْمَرْوذِيّ قلت لأبي عبد الله رجل يَقُول إِن الله أجبر الْعباد فَقَالَ هَكَذَا لَا نقُول وَأنكر هَذَا وَقَالَ يضل من يَشَاء وَيهْدِي من يَشَاء قَالَ أنبأ الْمَرْوذِيّ قَالَ كتب الى عبد الْوَهَّاب فِي امْر حسن بن خلف العكبري وَقَالَ إِنَّه تنزه عَن مِيرَاث أَبِيه فَقَالَ رجل قدري قَالَ إِن الله لم يجْبر الْعباد على الْمعاصِي فَرد عَلَيْهِ احْمَد بن رَجَاء فَقَالَ إِن الله جبر الْعباد على مَا أَرَادَ اراد بذلك إِثْبَات الْقدر فَوضع احْمَد بن عَليّ كتابا يحْتَج فِيهِ فأدخلته على أبي عبد الله فَأَخْبَرته بالقصة فَقَالَ وَيَضَع كتابا وَأنكر عَلَيْهِمَا جَمِيعًا على ابْن رَجَاء حِين قَالَ جبر الْعباد وعَلى القدري حِين قَالَ يجْبر وانكر على أَحْمد ابْن عَليّ وَضعه الْكتاب واحتجاجه وَأمر بهجرانه لوضعه الْكتاب وَقَالَ لي يجب على ابْن رَجَاء ان يسْتَغْفر ربه لما قَالَ جبر الْعباد فَقلت لأبي عبد الله فَمَا الْجَواب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة قَالَ يضل من يَشَاء وَيهْدِي من يَشَاء قَالَ الْمَرْوذِيّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِنَّه سمع أَبَا عبد الله لما أنكر على الَّذِي قَالَ لم يجْبر وعَلى من رد عَلَيْهِ جبر فَقَالَ أَبُو عبد الله كلما ابتدع رجل بِدعَة اتَّسع النَّاس فِي جوابها وَقَالَ يسْتَغْفر ربه الَّذِي رد عَلَيْهِم بمحدثة وَأنكر على من رد بِشَيْء من جنس الْكَلَام إِذا لم يكن لَهُ فِيهَا إِمَام تقدم قَالَ الْمَرْوذِيّ فَمَا كَانَ بأسرع من ان قدم احْمَد بن عَليّ عَن عكبر وَمَعَهُ مشيخة وَكتاب من اهل عكبر فأدخلت أَحْمد بن عَليّ على ابي عبد الله فَقَالَ
يَا أَبَا عبد الله هُوَ ذَا الْكتاب ادفعه الى أبي بكر حَتَّى يقطعهُ وانا أقوم على مِنْبَر عبكر وَأَسْتَغْفِر الله عز وجل فَقَالَ أَبُو عبد الله لي يَنْبَغِي أَن يقبلُوا مِنْهُ فَرَجَعُوا لَهُ وَقد بسطنا الْكَلَام فِي هَذَا الْمقَام فِي غير هَذَا الْموضع انْتهى كَلَام شيخ الاسلام
قَوْله وَأشْهد عَلَيْهِم أَن ايمان الورى قَول وَفعل الخ هَذِه الْمَسْأَلَة من مسَائِل الْأُصُول الْكِبَار وَمذهب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَن الْإِيمَان تَصْدِيق بالجنان وَعمل بالأركان وَقَول بِاللِّسَانِ وَأَنه يزِيد وَينْقص وَذهب جهم والصالحي والأشعري فِي الْمَشْهُور من قوليه إِلَى أَن الْإِيمَان هُوَ تَصْدِيق الْقلب وَذَهَبت المرجئة إِلَى أَن الْإِيمَان هُوَ قَول اللِّسَان وتصديق الْقلب وَذَهَبت الكرامية إِلَى إِن الْإِيمَان هُوَ تَصْدِيق اللِّسَان فَقَط قَالَ الامام الشَّافِعِي رحمه الله فِي الام وَكَانَ الْإِجْمَاع من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ من بعدهمْ وَمن أدركناهم يَقُولُونَ إِن الْإِيمَان قَول وَعمل وَنِيَّة لَا تجزيء وَاحِدَة من الثَّلَاثَة الا بِالْأُخْرَى
وَقَالَ احْمَد بن حَنْبَل رحمه الله وَلِهَذَا كَانَ القَوْل إِن الْإِيمَان قَول وَعمل عِنْد اهل السّنة وَمن شَعَائِر السّنة
وروى أَبُو عمر الطلمنكي بِإِسْنَادِهِ الْمَعْرُوف عَن مُوسَى بن هَارُون الْحمال قَالَ أمْلى علينا اسحاق بن رَاهَوَيْه أَن الْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص لَا شكّ أَن ذَلِك كَمَا وَصفنَا وَإِنَّمَا عقلنا هَذَا بالروايات الصَّحِيحَة والْآثَار الْعَامَّة المحكمة وأقوال أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالتَّابِعِينَ هَلُمَّ جرا على ذَلِك وَكَذَلِكَ بعد التَّابِعين من اهل الْعلم على شَيْء وَاحِد لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ
وَكَذَلِكَ فِي عهد الاوزاعي بِالشَّام وسُفْيَان الثَّوْريّ بالعراق وَمَالك بن انس بالحجاز وَمعمر بِالْيمن على مَا فسرنا وَبينا أَن الايمان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص
وَقَالَ اسحاق من ترك الصَّلَاة مُتَعَمدا حَتَّى ذهب وَقتهَا الظّهْر الى الْمغرب وَالْمغْرب الى نصف اللَّيْل فانه كَافِر بِاللَّه الْعَظِيم يستاب ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن لم يرجع وَقَالَ تَركهَا كفرا ضربت عُنُقه يَعْنِي تَركهَا وَقَالَ ذَلِك وَأما اذا صلى الله عليه وسلم وَقَالَ ذَلِك فَهَذِهِ مَسْأَلَة اجْتِهَاد قَالَ واتبعهم على مَا وَصفنَا من بعدهمْ من عصرنا هَذَا أهل الْعلم إِلَّا من باين الْجَمَاعَة وَاتبع الاهواء الْمُخْتَلفَة فَأُولَئِك لَا يعبأ الله بهم لما باينوا الْجَمَاعَة
قَوْله وَيزِيد بالطاعات قطعا الخ أَي أَن اهل السّنة والْحَدِيث على ان الايمان يتفاضل وجمهورهم يَقُول يزِيد وَينْقص وَمِنْهُم من يَقُول يزِيد وَلَا ينقص كَمَا رُوِيَ عَن مَالك فِي احدى الرِّوَايَتَيْنِ وَمِنْهُم من يَقُول يتفاضل كَعبد الله بن الْمُبَارك وَقد ثَبت لفظ الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان مِنْهُ عَن الصَّحَابَة وَلم يعرف فِيهِ مُخَالف مِنْهُم فروى النَّاس من وُجُوه كَثِيرَة مَشْهُورَة عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن ابي جَعْفَر عَن جده عُمَيْر بن حبيب وَهُوَ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الايمان يزِيد وَينْقص قيل لَهُ وَمَا زِيَادَته ونقصانه قَالَ إِذا ذكرنَا الله وحمدناه وسبحناه فَتلك زِيَادَته واذا غفلنا ونسينا فَتلك نقصانه
وروى اسماعيل بن عَيَّاش عَن جرير بن عُثْمَان عَن الْحَارِث بن مُحَمَّد عَن ابي الدَّرْدَاء قَالَ الايمان يزِيد وَينْقص وَقَالَ احْمَد بن حَنْبَل ثَنَا يزِيد ثَنَا جرير بن عُثْمَان قَالَ سَمِعت أشياخنا أَو بعض اشياخنا ان ابا الدَّرْدَاء قَالَ من فقه العَبْد ان يتَعَاهَد إيمَانه وَمَا ينقص مِنْهُ وَمن فقه العَبْد ان يعلم أيزداد
إيمَانه ام ينقص وَإِن من فقه الرجل ان يعلم نزعات الشَّيْطَان أَنى تَأتيه
وروى اسماعيل بن عَيَّاش عَن صَفْوَان بن عَمْرو عَن عبد الله بن ربيعَة الْحَضْرَمِيّ عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ الايمان يزِيد وَينْقص وَقَالَ احْمَد بن حَنْبَل ثَنَا يزِيد بن هَارُون ثَنَا مُحَمَّد بن طَلْحَة عَن زبيد عَن ذَر قَالَا كَانَ عمر بن الْخطاب يَقُول لأَصْحَابه هلموا نَزْدَدْ إِيمَانًا فَيذكرُونَ الله عز وجل وَقَالَ أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب فِي حَدِيث عَليّ إِن الْإِيمَان يَبْدُو لمظة فِي الْقلب كلما ازْدَادَ الايمان ازدادت اللمظة وَرُوِيَ ذَلِك عَن عُثْمَان بن عبد الله بن عَمْرو بن هِنْد الحملي عَن عَليّ قَالَ الْأَصْمَعِي اللحظة مثل النُّكْتَة اَوْ نَحْوهَا
وَقَالَ احْمَد بن حَنْبَل ثَنَا وَكِيع عَن شريك عَن هِلَال عَن عبد الله ابْن عكيم قَالَ سَمِعت ابْن مَسْعُود يَقُول فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ زِدْنَا إِيمَانًا وايقانا وفقها
وروى سُفْيَان الثَّوْريّ عَن جَامع بن شَدَّاد عَن سَواد بن هِلَال قَالَ كَانَ معَاذ بن جبل يَقُول للرجل اجْلِسْ بِنَا نؤمن سَاعَة نذْكر الله تَعَالَى وروى ابو الْيَمَان ثَنَا صَفْوَان عَن شُرَيْح بن عبيد ان عبد الله بن رَوَاحَة كَانَ يَأْخُذ بيد الرجل من اصحابه يَقُول قُم بِنَا نؤمن سَاعَة فنجلس فِي مجْلِس ذكر وَهَذِه الزِّيَادَة قد ذكرهَا الصَّحَابَة واثبتوها بعد موت النَّبِي صلى الله عليه وسلم ونزول الْقُرْآن كُله وَصَحَّ عَن عمار بن يَاسر أَنه قَالَ ثَلَاث من كن فِيهِ فقد اسْتكْمل الايمان الانصاف من نَفسه والانفاق من الاقتار وبذل السَّلَام للْعَالم ذكره البُخَارِيّ عَنهُ فِي صَحِيحه وَقَالَ جُنْدُب بن عبد الله وَابْن عمر وَغَيرهمَا تعلمنا الْإِيمَان تعلمنا الْقُرْآن فازددنا إِيمَانًا والْآثَار فِي هَذَا كَثِيرَة رَوَاهَا المصنفون فِي هَذَا الْبَاب عَن
الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِي كتب كَثِيرَة مَعْرُوفَة وَقَالَ الْحَافِظ ابو عمر بن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد أجمع أهل الْفِقْه والْحَدِيث على ان الايمان قَول وَعمل وَلَا عمل إِلَّا بنية والايمان عِنْدهم يزِيد بالطاعات وَينْقص بالمعصية الطَّاعَات كلهَا عِنْدهم إِيمَان إِلَّا مَا ذكر عَن ابي حنيفَة وَأَصْحَابه فَإِنَّهُم ذَهَبُوا الى ان الطَّاعَات لَا تسمى إِيمَانًا قَالُوا إِنَّمَا الايمان التَّصْدِيق والاقرار وَمِنْهُم من زَاد الْمعرفَة وَذكر مَا احْتَجُّوا بِهِ إِلَى أَن قَالَ وَأما 6 سَائِر الْفُقَهَاء من اهل الرَّأْي والْآثَار بالحجاز وَالْعراق وَالشَّام ومصر مِنْهُم مَالك بن انس وَاللَّيْث بن سعد وسُفْيَان الثَّوْريّ والاوزاعي وَالشَّافِعِيّ وَاحْمَدْ بن حَنْبَل واسحاق بن رَاهَوَيْه وابو عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَدَاوُد بن عَليّ والطبري وَمن سلك سبيلهم فَقَالُوا الايمان قَول وَعمل قَول بِاللِّسَانِ وَهُوَ الْإِقْرَار واعتقاد بِالْقَلْبِ وَعمل بالجوارح مَعَ الاخلاص بِالنِّيَّةِ الصادقة قَالُوا وكل مَا يطاع الله عز وجل بِهِ من فَرِيضَة ونافلة فَهُوَ من الايمان والايمان يزِيد بالطاعات وَينْقص بِالْمَعَاصِي واهل الذُّنُوب عِنْدهم مُؤمنُونَ غير مستكملي الْإِيمَان من اجل ذنوبهم وَإِنَّمَا صَارُوا ناقصي الْأَيْمَان بارتكابهم الْكَبَائِر الا ترى قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن الحَدِيث يُرِيد مُسْتَكْمل الايمان وَلم يرد بِهِ نفي جَمِيع الايمان عَن فَاعل ذَلِك بِدَلِيل الاجماع على تَوْرِيث الزَّانِي وَالسَّارِق والشارب للخمر إِذا صلوا الى الْقبْلَة وانتحلوا دَعْوَة الاسلام من قراباتهم الْمُؤمنِينَ الَّذين لَيْسُوا بِتِلْكَ الْأَحْوَال وَاحْتَجُّوا على ذَلِك ثمَّ قَالَ وَأكْثر أَصْحَاب مَالك قَالُوا إِن الْإِيمَان والاسلام شَيْء وَاحِد قَالَ
وَأما قَول الْمُعْتَزلَة فالايمان عِنْدهم جماع الطَّاعَات وَمن قصر عَن شَيْء مِنْهَا فَهُوَ فَاسق لَا مُؤمن وَلَا كَافِر وَهَؤُلَاء هم الْمُحَقِّقُونَ بالاعتزال اصحاب الْمنزلَة بَين المنزلتين الى ان قَالَ وعَلى ان الايمان يزِيد وَينْقص يزِيد بِالطَّاعَةِ وَينْقص بالمعصية جمَاعَة أهل الاثر وَالْفُقَهَاء من اهل الْفتيا فِي فِي الامصار
وروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك ان الايمان يزِيد وَتوقف فِي نقصانه وروى عَنهُ عبد الرَّزَّاق ومعن بن عِيسَى وَابْن نَافِع انه يزِيد وَينْقص وعَلى هَذَا مَذْهَب الْجَمَاعَة من اهل الحَدِيث وَالْحَمْد لله ثمَّ ذكر حجج المرجئة ثمَّ حجج اهل السّنة ورد على الْخَوَارِج التَّكْفِير بالحدود الْمَذْكُورَة للعصاة فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَنَحْو ذَلِك وبالموراثة وَبِحَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت من اصاب ذَلِك شَيْئا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ وَقَالَ الايمان مَرَاتِب بَعْضهَا فَوق بعض فَلَيْسَ نَاقص الايمان ككامل الايمان قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم} الى قَوْله 6 {أُولَئِكَ هم الْمُؤْمِنُونَ حَقًا} الْأَنْفَال وَكَذَلِكَ قَوْله صلى الله عليه وسلم الْمُؤمن من أَمنه النَّاس من الْمُسلم سلم النَّاس من لِسَانه وَيَده أَي حَقًا وَمن هَذَا قَوْله أكمل الْمُؤمنِينَ إِيمَانًا وَمَعْلُوم ان هَذَا لَا يكون أكمل حَتَّى يكون غَيره أنقص وَقَوله
أوثق عرى الايمان الْحبّ فِي الله والبغض فِي الله وَقَوله لاايمان لمن لَا امانة لَهُ يدل على ان بعض الايمان أوثق وأكمل من بعض وَذكر الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره من أحب لله وَأبْغض لله الحَدِيث وَكَذَلِكَ ذكر لأبو عمر الطلمنكي إِجْمَاع أهل السّنة على أَن الايمان قَول وَعمل وَنِيَّة واصابة السّنة وَمن حجج الْجَهْمِية على أَن الْأَعْمَال لَيست من الْأَيْمَان أَنهم قَالُوا ان الْقرَان نفى الايمان عَن غير هَؤُلَاءِ كَقَوْلِه تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم} الْأَنْفَال الايات وَلم يقل ان هَذِه الْأَعْمَال من الْإِيمَان قَالُوا فَنحْن نقُول من لم يعْمل هَذِه الْأَعْمَال لم يكن مُؤمنا لِأَن انتفاءها دَلِيل على انْتِفَاء الْعلم من قلبه
وَالْجَوَاب عَن هَذَا من وُجُوه
أَحدهَا أَنهم سلمُوا أَن هَذِه الْأَعْمَال لَازِمَة لايمان الْقلب فَإِذا انْتَفَت لم يبْق فِي الْقلب ايمان وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوب وَبعد هَذَا فكونها لَازِمَة أَو جُزْء نزاع لَفْظِي
وَالثَّانِي أَن نصوصا صرحت بِأَنَّهَا جُزْء كَقَوْلِه الايمان بضع وَسَبْعُونَ شُعْبَة أَو سِتّ وَسَبْعُونَ شُعْبَة
الثَّالِث أَنكُمْ أَن قُلْتُمْ بِأَن من انْتَفَى عَنهُ هَذِه الْأُمُور فَهُوَ كَافِر خَال من كل ايمان كَانَ قَوْلكُم قَول الْخَوَارِج وانتم فِي طرف والخوارج فِي طرف فَكيف توافقونهم فِي هَذِه الْأُمُور وَمن هَذِه الْأُمُور إقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَالْحج وَالْجهَاد والإجابة الى حكم الله وَرَسُوله وَغير ذَلِك مِمَّا لَا تكفرون تَارِك وان كفرتموه كَانَ قَوْلكُم قَول الْخَوَارِج
الرَّابِع ان قَول الْقَائِل إِن انْتِفَاء بعض هَذِه الْأَعْمَال يسْتَلْزم أَن لَا يكون فِي قلب الانسان شَيْء من التَّصْدِيق بِأَن الرب حق قَول يعلم فَسَاده بالاضطرار
الْخَامِس أَن هَذَا إِذا ثَبت فِي سَائِر الْوَاجِبَات فيرتفع النزاع الْمَعْنَوِيّ وَمن حججهم الْعَقْلِيَّة أَيْضا أَن الشَّيْء الْمركب إِذا زَالَ بعض أَجْزَائِهِ لزم زَوَاله كُله وَلِهَذَا لما صنف الْفَخر الرَّازِيّ مَنَاقِب الإِمَام الشَّافِعِي ذكر قَوْله فِي الايمان وَقَول الشَّافِعِي قَول الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَقد ذكر الشَّافِعِي أَنه احماع الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فاستشكل الرَّازِيّ قَول الشَّافِعِي جدا لِأَنَّهُ كَانَ قد انْعَقَد فِي نَفسه شُبْهَة أهل الْبدع فِي الايمان من الْخَوَارِج والمعتزلة والجهمية والكرامية وَسَائِر المرجئة وَهُوَ أَن الشَّيْء الْمركب إِذا زَالَ بعض أَجْزَائِهِ لزم زَوَاله كُله لَكِن هُوَ لم يذكر الا ظَاهر شبهتهم
قَالَ شيخ الاسلام رحمه الله وَالْجَوَاب عَمَّا ذكره هُوَ سهل فانه يسلم لَهُ ان الْهَيْئَة الاجتماعية لم تبْق مجتمعة كَمَا كَانَت لَكِن لَا يلْزم من زَوَال بَعْضهَا زَوَال سَائِر الاجزاء وَالشَّافِعِيّ مَعَ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَسَائِر السّلف يَقُولُونَ إِن الذَّنب يقْدَح فِي كَمَال الايمان وَلِهَذَا نفى الشَّارِع الايمان عَن هَؤُلَاءِ فَلذَلِك الْمَجْمُوع الَّذِي هُوَ الايمان لم يبْق مجموعا مَعَ
الذُّنُوب لَكِن يَقُولُونَ بَقِي بعضه إِمَّا أَصله وَأَكْثَره وَأما غير ذَلِك فَيَعُود الْكَلَام إِلَى أَنه يذهب بعضه وَيبقى بعضه وَلِهَذَا كَانَت المرجئة تنفر من لفظ النَّقْص اعظم من نفرتها من لفظ الزِّيَادَة لِأَنَّهُ إِذا نقص لزم ذَهَابه كُله عِنْدهم إِن كَانَ مُتَعَددًا متبعضا عِنْد من يَقُول بذلك وهم الْخَوَارِج والمعتزلة وَأما الْجَهْمِية فَهُوَ وَاحِد عِنْدهم لَا يقبل التَّعَدُّد فيثبتون وَاحِدًا لَا حَقِيقَة لَهُ كَمَا قَالُوا مثل ذَلِك فِي وحدانية الرب ووحدانية صِفَاته عِنْد من أثبتها مِنْهُم وَمن الْعجب ان الاصل الَّذِي اوقعهم فِي هَذَا الِاعْتِقَاد اعْتِقَادهم أَنه لَا يجْتَمع فِي الانسان بعض الايمان وَبَعض الْكفْر اَوْ مَا هُوَ ايمان وَمَا هُوَ كفر واعتقدوا ان هَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ بَين الْمُسلمين كَمَا ذكر ذَلِك ابو الْحسن وَغَيره فلأجل اعْتِقَادهم هَذَا الاجماع وَقَعُوا فِيمَا هُوَ مُخَالف للاجماع الْحَقِيقِيّ اجماع السّلف الَّذِي ذكر غير وَاحِد من الائمة بل وَصرح غير وَاحِد مِنْهُم بِكفْر من قَالَ بقول جهم فِي الايمان انْتهى الْمَقْصُود من كَلَامه وَقد بسط رحمه الله الْكَلَام فِي الايمان وَكَلَام النَّاس فِيهِ وَمَا لَهُم وَعَلَيْهِم فِي كتاب الايمان الْكَبِير فَمن اراد ذَلِك فليراجعه وَالله اعْلَم
قَوْله الْعمرَان يَعْنِي ابا بكر وَعمر رضي الله عنهما وَهَذَا من بَاب التغليب كَمَا قَالُوا سيرة العمرين