الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيَأْخُذُونَ بِأَصْوَات من تَسْبِيح وتكبير لم يسمعوا بِمثلِهِ قطّ وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ فِي الْجنَّة شَجَرَة على سَاق قدر مَا يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عَام فيتحدثون فِي ظلها فيشتهي بَعضهم فيذكر لَهو الدُّنْيَا فَيُرْسل الله ريحًا من الْجنَّة فيحرك تِلْكَ الشَّجَرَة بِكُل لَهو كَانَ فِي الدُّنْيَا وَلَهُم سَماع أَعلَى من هَذَا يضحمل دونه كل سَماع وَذَلِكَ حِين يسمعُونَ كَلَام الرب جل جلاله وَسَلَامه عَلَيْهِم وخطابه ومحاضرته لَهُم وَيقْرَأ عَلَيْهِم كَلَامه فَإِذا سَمِعُوهُ مِنْهُ كَأَنَّهُمْ لم يسمعوه قبل ذَلِك روى أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن بُرَيْدَة قَالَ إِن أهل الْجنَّة يدْخلُونَ كل يَوْم مرَّتَيْنِ على الْجَبَّار جل جلاله فَيقْرَأ عَلَيْهِم الْقُرْآن وَقد جلس كل امريء مِنْهُم مَجْلِسه الَّذِي هُوَ مَجْلِسه على مَنَابِر الدّرّ والياقوت والزبرجد وَالذَّهَب والزمرد فَلم تقر أَعينهم بِشَيْء وَلم يسمعوا شَيْئا قطّ أعظم وَأحسن مِنْهُ ثمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى رحالهم ناعمين قريرة أَعينهم إِلَى مثلهَا من الْغَد
…
نزه سماعك ان اردت سَماع ذياك الْغِنَا عَن هَذِه الألحان
لَا تُؤثر الْأَدْنَى على الْأَعْلَى فَتحرم ذَا وَذَا ياذلة الحرمان
…
إِن اختيارك للسماع النَّازِل الْأَدْنَى على الْأَعْلَى من النُّقْصَان
وَالله إِن سماعهم فِي الْقلب وَالْإِيمَان مثل السم فِي الْأَبدَان
…
وَالله مَا انْفَكَّ الَّذِي هُوَ دأبه
…
أبدا من الْإِشْرَاك بالرحمن
…
فالقلب بَيت الرب جل جلاله
…
حبا وإخلاصا مَعَ الاحسان
فاذا تعلق بِالسَّمَاعِ أصاره
…
عبدا لكل فُلَانَة وَفُلَان
…
.. حب الْكتاب وَحب الحان الْغِنَا
…
فِي قلب عبد لَيْسَ يَجْتَمِعَانِ
ثقل الْكتاب عَلَيْهِم لما رَأَوْا
…
تَقْيِيده بشرائع الايمان
وَاللَّهْو خف عَلَيْهِم لما رَأَوْا
…
مَا فِيهِ من طرب وَمن ألحان
قوت النُّفُوس وأنما الْقُرْآن قو
…
ت الْقلب أَنى يَسْتَوِي القوتان
وَلذَا ترَاهُ حَظّ ذِي النُّقْصَان كالجهال والنسوان وَالصبيان
…
وألذهم فِيهِ أقلهم من الْعقل الصَّحِيح فسل أَخا الْعرْفَان
يَا لَذَّة الْفُسَّاق لست كلذة الْأَبْرَار فِي عقل وَلَا قُرْآن
…
شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي التحذير من سَماع الأغاني والألحان وللعلماء رَحِمهم الله تَعَالَى فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مصنفات مُفْردَة كالامام أبي بكر الطرطوشي وَالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وللحافظ ابْن رَجَب نزهة الأسماع فِي مَسْأَلَة السماع وَغَيرهم وَهُوَ من مَكَائِد الشَّيْطَان الَّتِي كَاد بهَا من قل نصِيبه من الْعلم وَالْعقل وَالدّين وصاد بهَا قُلُوب المبطلين والجاهلين سَماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات الْمُحرمَة هُوَ الَّذِي يصد الْقُلُوب عَن الْقُرْآن ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان فَهُوَ قُرْآن الشَّيْطَان والحجاب الكثيف عَن الرَّحْمَن وَهُوَ رقية اللواط وَالزِّنَا وَبِه ينَال العاشق الْفَاسِق من معشوقة غَايَة المنى كادبة الشَّيْطَان النُّفُوس المبطلة وَحسنه لَهَا مكرا مِنْهُ وغرورا وَأوحى اليها الشّبَه الْبَاطِلَة على حسنه فَقبلت النُّفُوس وحيه واتخذت لأَجله الْقُرْآن مَهْجُورًا فَلَو رَأَيْتهمْ عِنْد ذَاك السماع وَقد خَشَعت مِنْهُم الْأَصْوَات وهدأت مِنْهُم الحركات وعكفت قُلُوبهم بكليتها عَلَيْهِ وانصبابها انصبابة
وَاحِدَة اليه فتمايلوا لَهُ كتمايل النشوان وتكسروا فِي حركاتهم ورقصهم وَلَا تحرّك المخانيث والنسوان ويحق لَهُم ذَلِك وَقد خالط خمارة النُّفُوس فَفعل فِيهَا أعظم مِمَّا يَفْعَله حميا الكؤوس فلغير الله بل للشَّيْطَان قُلُوب هُنَاكَ تمزق وأثواب تشقق وأموال فِي غير طَاعَة الله تنْفق حَتَّى إِذا عمل السكر فِي عمله وَبلغ الشَّيْطَان مِنْهُم أمْنِيته وأمله واستفزهم بِصَوْتِهِ وحيله وأجلب عَلَيْهِم بخيله وَرجله وخز فِي صُدُورهمْ وخزا وأزهم إِلَى ضرب الأَرْض بالأقدام أزا فطورا يجعلهم كالحمير حول الْمدَار وَتارَة كالذباب يترقص وسط الديار فيا رحمتا للسقوف وَالْأَرْض من دك تِلْكَ الْأَقْدَام واسوأتا من أشباه الْحمير والأنعام وشماته أَعدَاء الاسلام بالذين يَزْعمُونَ أَنهم خَواص الاسلام قَالَ الامام ابو بكر الطرطوشي فِي خطْبَة كِتَابه فِي تَحْرِيم السماع الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين وَلَا عدوان إِلَّا على الظَّالِمين ونسأل الله ان يرينا الْحق حَقًا فنتبعه وَالْبَاطِل بَاطِلا فنجتنبه وَقد كَانَ النَّاس فِيمَا مضى يتستر أحدهم بالمعصية اذا وَاقعهَا ثمَّ يسْتَغْفر الله وَيَتُوب اليه مِنْهَا ثمَّ كثر الْجَهْل وَقل الْعلم ونناقص الْأَمر حَتَّى صَار أحدهم يَأْتِي بالمعصية جهارا ثمَّ ازْدَادَ الْأَمر إدبارا حَتَّى بلغنَا ان طَائِفَة من اخواننا الْمُسلمين وفقنا الله واياهم استزلهم الشَّيْطَان واستغوى عُقُولهمْ فِي حب الأغاني وَاللَّهْو وَسَمَاع الطقطقة والتغبير واعتقدته من الدّين الَّذِي يقربهُمْ إِلَى الله وجاهرت بِهِ جمَاعَة الْمُسلمين وشاقت سَبِيل الْمُؤمنِينَ وخالفت الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء وَحَملَة الدّين {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا} النِّسَاء فَرَأَيْت أَن أوضح الْحق وأكشف من شبه اهل الْبَاطِل بالحجج الَّتِي تضمنها كتاب الله وَسنة رَسُوله وأبدأ بِذكر اقاويل الْعلمَاء الَّذين تَدور
الْفتيا عَلَيْهِم فِي أقاصي الأَرْض وأدانيها حَتَّى تعلم هَذِه الطَّائِفَة أَنَّهَا قد خَالَفت عُلَمَاء الْمُسلمين فِي بدعتها وَالله ولي التَّوْفِيق ثمَّ قَالَ أما مَالك فَإِنَّهُ نهى عَن الْغناء وَعَن استماعه قَالَ واذا اشْترى جَارِيَة فَوَجَدَهَا مغنية فَلهُ ان يردهَا بِالْعَيْبِ وَسُئِلَ مَالك عَمَّا ترخص فِيهِ أهل الْمَدِينَة من الْغناء فَقَالَ إِنَّمَا يَفْعَله عندنَا الْفُسَّاق قَالَ وَأما أَبُو حنيفَة فَإِنَّهُ يكره الْغناء ويجعله من الذُّنُوب وَكَذَلِكَ مَذْهَب أهل الْكُوفَة سُفْيَان وَحَمَّاد وابراهيم وَالشعْبِيّ وَغَيرهم لَا اخْتِلَاف بَينهم فِي ذَلِك وَلَا نعلم خلافًا أَيْضا بَين أهل الْبَصْرَة فِي الْمَنْع مِنْهُ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى مَذْهَب أبي حنيفَة فِي ذَلِك من أَشد الْمذَاهب وَقَوله فِيهِ أغْلظ الْأَقْوَال وَقد صرح أَصْحَابه بِتَحْرِيم سَماع الملاهي كلهَا كالمزمار والدف حَتَّى وَالضَّرْب بالقضيب وصرحوا بِأَنَّهُ مَعْصِيّة يُوجب الْفسق وَترد بِهِ الشَّهَادَة وأبلغ من ذَلِك قَالُوا إِن السماع فسق والتلذذ بِهِ كفر هَذَا لَفظهمْ وَرووا فِي ذَلِك حَدِيثا لَا يَصح رَفعه قَالُوا وَيجب عَلَيْهِ أَن يجْتَهد فِي أَن لَا يسمعهُ إِذا مر بِهِ أَو كَانَ فِي جواره وَأما الشَّافِعِي فَقَالَ فِي كتاب أدب الْقَضَاء إِن الْغناء لَهو مَكْرُوه يشبه الْبَاطِل والمحال وَمن استكثر مِنْهُ فَهُوَ سَفِيه ترد شَهَادَته وَصرح أَصْحَابه العارفون بمذهبه بِتَحْرِيمِهِ وأنكروا على من نسب اليه حلّه كَالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَالشَّيْخ أبي اسحاق وَابْن الصّباغ قَالَ الشَّيْخ ابو اسحاق فِي التَّنْبِيه وَلَا يَصح يَعْنِي الاجارة على مَنْفَعَة مُحرمَة كالغناء وَالزمر وَحمل الْخمر وَلم يذكر فِيهِ خلافًا وَقَالَ فِي الْمُهَذّب وَلَا يجوز على الْمَنَافِع الْمُحرمَة لِأَنَّهُ محرم فَلَا يجوز أَخذ الْعِوَض عَنهُ كالميته وَالدَّم فقد تضمن كَلَامه أمورا أَحدهَا أَن مَنْفَعَة الْغناء بِمُجَرَّدِهِ مَنْفَعَة مُحرمَة الثَّانِي أَن الِاسْتِئْجَار عَلَيْهَا بَاطِل
الثَّالِث أَن أكل المَال بِهِ أكل مَال بَاطِل بِمَنْزِلَة أكله عوضا عَن الْميتَة وَالدَّم الرَّابِع أَنه لَا يجوز للرجل بذل مَاله للْمُغني وَيحرم عَلَيْهِ ذَلِك فانه بذل مَاله فِي مُقَابلَة محرم وَأَن بذله فِي ذَلِك كبذله فِي مُقَابلَة الدَّم وَالْميتَة الْخَامِس أَن الزمر حرَام فان كل الزمر الَّذِي هُوَ أخف آلَات اللَّهْو حَرَامًا فَكيف بِمَا هُوَ اشد مِنْهُ كالعود والطنبور واليراع وَلَا يَنْبَغِي لمن شم رَائِحَة الْعلم أَن يتَوَقَّف فِي تَحْرِيم ذَلِك فَأَقل مَا فِيهِ أَنه من شعار الْفُسَّاق وشاربي الْخمر وَقد تَوَاتر عَن الشَّافِعِي رحمه الله أَنه قَالَ خلفت بِبَغْدَاد شَيْئا أحدثه الزَّنَادِقَة يسمونه التغبير يصدون بِهِ النَّاس عَن الْقُرْآن فَإِذا كَانَ هَذَا قَوْله فِي التغبير وتعليله أَنه يصد عَن الْقُرْآن وَهُوَ شعر مزهد فِي الدُّنْيَا يُغني بِهِ مغن فَيضْرب بعض الْحَاضِرين بقضيب نطع أَو مخدة على توقيع غناهُ فليت شعري مَا يَقُول فِي سَماع التغبير عِنْده كتفلة فِي بَحر قد اشْتَمَل على كل مفْسدَة وكل محرم فَالله بَين دينه وَبَين كل متعلم مفتون وَعبد جَاهِل وَأما مَذْهَب الامام احْمَد فَقَالَ عبد الله ابْنه سَأَلت أبي عَن الْغناء فَقَالَ الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب لَا يُعجبنِي ثمَّ يذكر قَول مَالك إِنَّمَا يَفْعَله عندنَا الْفُسَّاق قَالَ عبد الله وَسمعت أبي يَقُول لَو أَن رجلا عمل بِكُل رخصَة بقول أهل الْكُوفَة فِي النَّبِيذ وَأهل مَكَّة فِي الْمُتْعَة لَكَانَ فَاسِقًا قَالَ أَحْمد وَقَالَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ لَو أخذت بِرُخْصَة كل عَالم اجْتمع فِيك الشَّرّ كُله وَنَصّ فِي أَيْتَام ورثوا جَارِيَة مغنية وَأَرَادُوا بيعهَا قَالَ لَا تبَاع إِلَّا على أَنَّهَا ساذجة قَالُوا إِذا بِيعَتْ مغنية ساوت عشْرين ألفا أَو نَحْوهَا واذا بِيعَتْ ساذجة لَا تساوى أَلفَيْنِ فَقَالَ لَا تبَاع إِلَّا على أَنَّهَا ساذجة وَلَو كَانَت
مَنْفَعَة الْغناء مُبَاحَة لما فَوت هَذَا المَال على الايتام وَقد احسن النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي قَوْله
…
تلِي الْكتاب فَأَطْرقُوا لَا خيفة
…
لكنه إطراق ساه لاهي
…
وأتى الْغناء فكالحمير تناهقوا
…
وَالله مَا رقصوا لأجل الله
…
دف ومزمار ونغمة شادن
…
فَمَتَى شهِدت عبَادَة بملاهي
ثقل الْكتاب عَلَيْهِم لما رَأَوْا
…
تَقْيِيده بأوامر ونواهي
سمعُوا لَهُ رعدا وبرقا إِذْ حوى
…
زجرا وتخويفا بِفعل مناهي
ورأوه أعظم قَاطع للنَّفس عَن
…
شهواتها يَا ويحها المتناهي
وأتى السماع مُوَافقا أغراضها
…
فلأجل ذَا غَدا عَظِيم الجاه
أَيْن المساعد للهوى من قَاطع
…
أَسبَابه عِنْد الجهول الساهي
إِن لم يكن خمر الجسوم فَإِنَّهُ
…
خمر الْعُقُول مماثل ومضاهي
فَانْظُر إِلَى النشوان عِنْد شرابه
…
وَانْظُر إِلَى النشوان عِنْد ملاهي
وَانْظُر إِلَى تمزيق ذَا أثوابه
…
من بعد تمزيق الْفُؤَاد اللاهي
واحكم بِأَيّ الخمرتين أَحَق بِالتَّحْرِيمِ والتأثيم عِنْد الله
…
وَقد أَكثر الْعلمَاء الْكَلَام على هَذَا السماع الشيطاني الْمُحدث وَلَكِن آثرنا لاختصار وَالله أعلم