الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. هَذَا هُوَ التعطيل للأفعال كالتعطيل للأوصاف بالميزان
فَالْحق أَن الْوَصْف لَيْسَ بمورد التَّقْسِيم هَذَا مُقْتَضى الْبُرْهَان
…
بل مورد التَّقْسِيم مَا قد قَامَ بِالذَّاتِ الَّتِي للْوَاحِد الرَّحْمَن
فهما اذا نَوْعَانِ اوصاف وأفعال فهذي قسْمَة التِّبْيَان
…
فالوصف بالافعال يَسْتَدْعِي قيا
…
م الْفِعْل بالموصوف بالبرهان
…
فالوصف بِالْمَعْنَى سوى الافعال مَا
…
إِن بَين ذَيْنك قطّ من فرقان
وَمن الْعَجَائِب أَنهم ردوا على
…
من أثبت الْأَسْمَاء دون معَان
قَامَت بِمن هِيَ وَصفه هَذَا محا
…
ل غير مَعْقُول لذِي الأذهان
وأتو الى الاوصاف باسم الْفِعْل قا
…
لوا لم تقم بِالْوَاحِدِ الديَّان
فَانْظُر اليهم أبطلوا الاصل الَّذِي
…
ردوا بِهِ أَقْوَالهم بوزان
ان كَانَ هَذَا مُمكنا فكذاك قو ل خصومكم أَيْضا فذو إِمْكَان
…
وَالْوَصْف بالتقديم وَالتَّأْخِير كو
…
ني وديني وهما نَوْعَانِ
وَكِلَاهُمَا أَمر حَقِيقِيّ ونسبي وَلَا يخفى الْمِثَال على أولي الأذهان
…
وَالله قدر ذَاك أجمعه باحكام واتقان من الرَّحْمَن
…
قَوْله وَلذَلِك قد غلط الْمقسم أَي إِن الْجَهْمِية وَمن تَبِعَهُمْ من الْمُعْتَزلَة والاشعرية قَالُوا إِن الْفِعْل هُوَ الْمَفْعُول والخلق هُوَ الْمَخْلُوق وَقد أَشَرنَا إِلَى ذَلِك فِيمَا تقدم ولنزد ذَلِك أيضاحا فَنَقُول قَالَ النَّسَفِيّ
رَحمَه الله فِي عقائده الْمَشْهُورَة والتكوين صفة لله أزلية وَهُوَ تكوينه للْعَالم وكل جُزْء من أَجْزَائِهِ وَهُوَ غير المكون عندنَا قَالَ شارحها الْمُحَقق سعد الدّين التَّفْتَازَانِيّ التكوين هُوَ معنى الْمعبر عَنهُ بِالْفِعْلِ والخلق والتخليق والايجاد والاحداث والاختراع وَنَحْو ذَلِك ويفسر باخراج الْمَعْدُوم من الْعَدَم الى الْوُجُود صفة لله تَعَالَى لإطباق الْعقل وَالنَّقْل على أَنه خَالق للْعَالم مكون لَهُ وَامْتِنَاع اطلاق اسْم الْمُشْتَقّ على الشَّيْء من غير أَن يكون مَأْخَذ الِاشْتِقَاق وَصفا قَائِما بِهِ أزلية لوجوه
الأول أَن يمْتَنع قيام الْحَوَادِث بِذَاتِهِ تَعَالَى
الثَّانِي أَنه وصف ذَاته فِي كَلَامه الأزلي بِأَنَّهُ الْخَالِق فَلَو لم يكن فِي الازل خَالِقًا للَزِمَ الْكَذِب أَو الْعُدُول الى الْمجَاز أَي الْخَالِق فِيمَا يسْتَقْبل اَوْ الْقَادِر على الْخلق من غير تعذر الْحَقِيقَة على أَنه لَو جَازَ إِطْلَاق الْخَالِق عَلَيْهِ بِمَعْنى الْقَادِر لجَاز اطلاق كل مَا يقدر عَلَيْهِ من الاعراض
الثَّالِث أَنه لَو كَانَ حَادِثا فاما بتكوين آخر فَيلْزم التسلسل وَهُوَ محَال وَيلْزم مِنْهُ اسْتِحَالَة تكون مَعَ أَنه مشَاهد وَإِمَّا بِدُونِهِ فيستغني الْحَادِث عَن الْمُحدث والاحداث وَفِيه تَعْطِيل الصَّانِع
الرَّابِع أَنه لَو حدث لحَدث إِمَّا فِي ذَاته تَعَالَى فَيصير محلا للحوادث أَو فِي غَيره كَمَا ذهب اليه أَبُو الْهُذيْل من ان تكوين كل جسم قَائِم بِهِ فَيكون كل جسم خَالِقًا ومكونا لنَفسِهِ ولاخفاء فِي استحالته ومبني هَذِه الادلة أَن التكوين صفة حَقِيقِيَّة كَالْعلمِ وَالْقُدْرَة قَالَ والمحققون من الْمُتَكَلِّمين على أَنه من الاضافات والاعتبارات الْعَقْلِيَّة مثل كَون الصَّانِع تَعَالَى وتقدس قبل كل شَيْء وَمَعَهُ وَبعده ومذكورا بالسنتنا ومعبودا لنا ومميتا ومحييا وَنَحْو ذَلِك قَالَ وَالْحَاصِل فِي الازل هُوَ مبدأ التخليق والترزيق والإماتة والإحياء
وَغير ذَلِك وَلَا دَلِيل على كَونه صفة أُخْرَى سوى الْقُدْرَة والارادة وان كَانَت نسبتها الى وجود المكون وَعَدَمه على السوَاء لَكِن مَعَ انضمام الارادة بتخصيص أحد الْجَانِبَيْنِ قَالَ وَلما اسْتدلَّ الْقَائِلُونَ بحدوث التكوين بِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر بِدُونِ المكون كالضرب بِدُونِ الْمَضْرُوب فَلَو كَانَ قَدِيما لزم قدم المكونات وَهُوَ محَال أَشَارَ النَّسَفِيّ الى الْجَواب بقوله وَهُوَ أَي التكوين تكوينه للْعَالم وَلكُل من أَجْزَائِهِ لَا فِي الْأَزَل بل لوقت وجوده على حسب علمه وارادته فالتكوين بَاقٍ أزلا وأبدا والمكون حَادث بحدوث التَّعَلُّق كَمَا فِي الْعلم وَالْقُدْرَة وَغَيرهمَا من الصِّفَات الْقَدِيمَة الَّتِي لَا يلْزم من قدمهَا قدم متعلقاتها لكَون تعلقاتها حَادِثَة وَهَذَا تَحْقِيق مَا يُقَال إِن وجود الْعَالم إِن لم يتَعَلَّق بِذَات الله تَعَالَى أَو صفة من صِفَاته لزم تَعْطِيل الصَّانِع واستغناء الْحَوَادِث عَن الموجد وَهُوَ محَال وَإِن تعلق فإمَّا أَن يسْتَلْزم ذَلِك قدم مَا يتَعَلَّق وجوده بِهِ فَيلْزم قدم الْعَالم وَهُوَ بَاطِل أَولا فَلْيَكُن التكوين أَيْضا قَدِيما مَعَ حُدُوث المكون الْمُتَعَلّق بِهِ وَمَا يُقَال بِأَن القَوْل بتعلق وجود المكون بالتكوين قَول بحدوثه إِذْ الْقَدِيم مَا لَا يتَعَلَّق وجوده بِالْغَيْر والحادث مَا يتَعَلَّق بِهِ فمنظور فِيهِ لِأَن هَذَا معنى الْقَدِيم والحادث بِالذَّاتِ على مَا يَقُول بِهِ الفلاسفة وَأما عِنْد الْمُتَكَلِّمين فالحادث مَا لوُجُوده بداية أَي يكون مَسْبُوقا بِالْعدمِ وَالْقَدِيم بِخِلَافِهِ وَمُجَرَّد تعلق وجوده بِالْغَيْر لَا يسْتَلْزم حُدُوثه بِهَذَا الْمَعْنى لجَوَاز أَن يكون مُحْتَاجا الى الْغَيْر صادرا عَنهُ دَائِما بدوامه كَمَا ذهب اليه الفلاسفة فِيمَا ادعوا قدمه من الممكنات كالهيولي مثلا نعم إِذا أثبتنا صُدُور الْعَالم عَن الصَّانِع بِالِاخْتِيَارِ دون الايجاب بِدَلِيل لَا يتَوَقَّف على حُدُوث الْعَالم كَانَ القَوْل بتعلق وجوده بتكوين الله تَعَالَى قولا بحدوثه وَمن هُنَا يُقَال ان التَّنْصِيص
على كل جُزْء من أَجزَاء الْعَالم إِشَارَة الى الرَّد على من زعم قدم بعض الْأَجْزَاء كالهيولي وَإِلَّا فهم إِنَّمَا يَقُولُونَ بقدمها بِمَعْنى عدم المسبوقية بِالْعدمِ لَا بِمَعْنى عدم تكونه بِالْغَيْر
وَالْحَاصِل أَنا لَا نسلم أَنه لَا يتَصَوَّر التكوين بِدُونِ المكون وَأَن وازنه مَعَه وزان الضَّرْب مَعَ الْمَضْرُوب فان الضَّرْب صفة إضافية لَا يتَصَوَّر بِدُونِ المضافين اعني الضَّارِب والمضروب وَقد بَينا أَن التكوين صفة حَقِيقِيَّة هِيَ مبدأ الاضافة الَّتِي هِيَ إِخْرَاج الْمَعْدُوم من الْعَدَم الى الْوُجُود لَا عينهَا حَتَّى لَو كَانَت عينهَا على مَا وَقع فِي عبارَة بعض الْمَشَايِخ لَكَانَ القَوْل بتحققها بِدُونِ المكون مُكَابَرَة وانكارا للضَّرُورَة فَلَا ينْدَفع بِمَا يُقَال من ان الضَّرْب مُسْتَحِيل الْبَقَاء فَلَا بُد لتَعَلُّقه بالمفعول ووصول الْأَلَم اليه من وجود الْمَفْعُول مَعَه إِذْ لَو تَأَخّر لانعدم كَذَا قيل وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لفعل الْمَخْلُوق وَهُوَ بِخِلَاف فعل الْبَارِي فانه ازلي الدَّوَام يبْقى الى وَقت وجود الْمَفْعُول فالتكوين غير المكون عندنَا لِأَن الْفِعْل يغاير الْمَفْعُول بِالضَّرُورَةِ كالضرب مَعَ الْمَضْرُوب وَالْأكل مَعَ الْمَأْكُول وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ نفس المكون لزم أَن يكون المكون مكونا مخلوقا بِنَفسِهِ ضَرُورَة أَنه مكون بالتكوين الَّذِي هُوَ عينه فَيكون قَدِيما مستغنيا عَن الصَّانِع وَهُوَ محَال وان لَا يكون للخالق تعلق بالعالم سوى أَنه أقدم مِنْهُ وقادر عَلَيْهِ من غير صنع وتأثير فِيهِ ضَرُورَة تكونه بِنَفسِهِ وَهَذَا لَا يُوجب كَونه خَالِقًا للْعَالم والعالم مخلوقا فَلَا يَصح القَوْل بِأَنَّهُ خَالق الْعَالم وصانعه وَهَذَا خلق وَأَن لَا يكون الله مكونا للاشياء ضَرُورَة أَنه لَا معنى للمكون إِلَّا من قَامَ بِهِ التكوين والتكوين اذا كَانَ عين المكون لَا يكون قَائِما بِذَات الله تَعَالَى وَإِن يَصح القَوْل بِأَنَّهُ خَالق سَواد هَذَا الْحجر أسود وَهَذَا الْحجر خَالق السوَاد
إِذْ لَا معنى للخالق وَالْأسود إِلَّا من قَامَ بِهِ الْخلق والسواد وهما وَاحِد فمحلهما وَاحِد هَذَا كُله تَنْبِيه على كَون الحكم بتغاير الْفِعْل وَالْمَفْعُول ضَرُورِيًّا ثمَّ قَالَ السعد التَّفْتَازَانِيّ وَهَذَا يَعْنِي إبِْطَال القَوْل بِأَن الْفِعْل هُوَ الْمَفْعُول لَا يتم إِلَّا بِإِثْبَات أَن تكون الْأَشْيَاء وصدورها عَن الْبَارِي تَعَالَى يتَوَقَّف على صفة حَقِيقِيَّة قَائِمَة بِالذَّاتِ مُغَايرَة للقدرة والارادة قَالَ وَالتَّحْقِيق أَن تعلق الْقُدْرَة على وفْق الارادة بِوُجُود الْمَقْدُور لوقت وجوده إِذا نسب للقدرة يُسمى أيجابها لَهُ واذا نسب الى الْقَادِر يُسمى الْخلق والتكوين وَنَحْو ذَلِك فحقيقة كَون الذَّات بِحَيْثُ تعلّقت قدرته بِوُجُود الْمَقْدُور لوقته ثمَّ يتَحَقَّق بِحَسب خصوصيات المقدورات خصوصيات الافعال كالترزيق والتصوير والاحياء والإماتة وَغير ذَلِك الى مَا لَا نِهَايَة لَهُ قَالَ وَأما كَون كل من ذَلِك صفة حَقِيقِيَّة أزلية فمما تفرد بِهِ عُلَمَاء مَا وَرَاء النَّهر وَفِيه تَكْثِير للقدماء جدا وَإِن لم تكن مُتَغَايِرَة قَالَ وَالْأَقْرَب مَا ذهب اليه الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُم وَهُوَ ان مرجع الْكل الى التكوين فانه ان تعلق بِالْحَيَاةِ سمي إحْيَاء وبالموت سمي إماتة وبالصورة تصويرا وبالرزق ترزيقا الى غير ذَلِك فَالْكل تكوين وانما الْخُصُوص بِخُصُوص التعلقات انْتهى
قلت مُرَاده بقوله مِمَّا تفرد بِهِ بعض عُلَمَاء مَا وَرَاء النَّهر عُلَمَاء الْكَلَام والا فَهُوَ مَذْهَب السّلف كَمَا تقدّمت الاشارة اليه وَهُوَ الَّذِي دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة وَلِهَذَا قَالَ شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح العقائد الاصفهانية الصَّوَاب ان الْخلق غير الْمَخْلُوق قَالَ وَالَّذين يَقُولُونَ الْخلق هُوَ الْمَخْلُوق قَوْلهم فَاسد وَبَين وَجه فَسَاده وَمَا ذكر من الْآيَات القرآنية وَالْأَخْبَار النَّبَوِيَّة الدَّالَّة على هَذَا الاصل شَيْئا
كثيرا مثل {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} الرَّحْمَن {ذَلِك بِأَنَّهُم اتبعُوا مَا أَسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أَعْمَالهم} مُحَمَّد وَقَوله {إِن تكفرُوا فَإِن الله غَنِي عَنْكُم وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر وَإِن تشكروا يرضه لكم} الزمر فَأخْبر أَن طَاعَته سَبَب لمحبته وَرضَاهُ ومعصيته سَبَب لسخطه وغضبه وَقَالَ تَعَالَى {فاذكروني أذكركم} الْبَقَرَة وَجَوَاب الشَّرْط كالمسبب مَعَ السَّبَب وَفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيمَا يروي عَن ربه تبارك وتعالى أَنه قَالَ من ذَكرنِي فِي نَفسه ذكرته فِي نَفسِي وَمن ذَكرنِي فِي مَلأ ذكرته فِي مَلأ خير مِنْهُم وَمن تقرب الي شبْرًا تقربت اليه ذِرَاعا وَمن تقرب الي ذِرَاعا تقربت اليه باعا وَمن اتاني يمشي أَتَيْته هرولة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا لله أَشد فَرحا بتوبة عَبده الْمُؤمن مِمَّن أضلّ رَاحِلَته بِأَرْض دوية مهلكة عَلَيْهَا طَعَامه وَشَرَابه فَنَامَ تَحت شَجَرَة ينْتَظر الْمَوْت فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ إِذا هُوَ بدابته عَلَيْهَا طَعَامه وَشَرَابه فَالله أَشد فَرحا بتوبة عَبده من هَذَا براحلته وَفِي الصَّحِيح يضْحك الله الى الرجلَيْن يقتل احدهما الآخر كِلَاهُمَا يدْخل الْجنَّة وَفِي الصِّحَاح وَالسّنَن والمساند من هَذَا شَيْء كثير يتَعَذَّر أَو يتعسر إحصاؤه وَقد ذكر من ذَلِك شَيْئا كثيرا ثمَّ قَالَ وَبِهَذَا الاصل الْعَظِيم وَكَانَ عَلَيْهِ سلف الامة وأئمتها بل وَعَلِيهِ جَمَاهِير الْعُقَلَاء وأكابرهم من جَمِيع الطوائف حَتَّى من الفلاسفة يظْهر بطلَان مَذْهَب الْقَائِلين بالقدماء الْخَمْسَة انْتهى
قَول النَّاظِم فلذاك وصف الْفِعْل لَيْسَ الا نِسْبَة عدمية الخ يَعْنِي ان الْقَائِلين بِأَن الْفِعْل هُوَ الْمَفْعُول عِنْدهم أَن صفة الْفِعْل نِسْبَة وَالنّسب أُمُور عدمية فَجَمِيع أَسمَاء الفعال عِنْدهم نسب وَالنّسب أَمر عدمي