الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. هُوَ كُله حق وَعدل ذُو رضى
…
والشأن فِي الْمقْضِي كل الشان
فلذاك نرضى بِالْقضَاءِ ونسخط الْمقْضِي حِين يكون بالعصيان
…
فَالله يرضى بِالْقضَاءِ ويسخط الْمقْضِي مَا الْأَمْرَانِ متحدان
فقضاؤه صفة بِهِ قَامَت وَمَا الْمقْضِي الا صنعه الْإِنْسَان
…
والكون مَحْبُوب ومبغوض لَهُ
…
وَكِلَاهُمَا بِمَشِيئَة الرَّحْمَن
…
هَذَا الْبَيَان يزِيل لبسا طالما
…
هَلَكت عَلَيْهِ النَّاس كل زمَان
وَيحل مَا قد عقدوا بأصولهم
…
وبحوثهم فافهمه فهم بَيَان
من وَافق الكوني وَافق سخطه
…
أفلم يُوَافق طَاعَة الديَّان
فلذاك لَا يعدوه ذمّ أَو فوا
…
ت الْحَمد مَعَ أجر وَمَعَ رضوَان
وموافق الديني لَا يعدوه أجر بل لَهُ عِنْد الصَّوَاب اثْنَان
…
حَاصِل مَا ذكره النَّاظِم فِي هَذِه الأبيات أَن الْحَكِيم من أَوْصَافه سُبْحَانَهُ وان ذَاك نَوْعَانِ احدهما حكم وَالثَّانِي احكام ثمَّ ذكر ان الحكم شَرْعِي وكوني وأنهما لَا يتلازمان وَهَذَا لَا يتمشى على أصُول من يَجْعَل محبَّة الرب وَرضَاهُ ومشيئته وَاحِدَة فان من قَالَ كل مَا شاءه الله تَعَالَى وقضاة فقد
أحبه ورضيه لَا يحسن مِنْهُ وَلَا عِنْده هَذَا التَّفْصِيل كَمَا لَا يخفى وَأَيْضًا هَذَا إِنَّمَا يَصح عِنْد من جعل الْقَضَاء غير الْمقْضِي وَالْفِعْل غير الْمَفْعُول وَهُوَ مَذْهَب السّلف وَأما من لم يفرق بَينهمَا فَكيف يَصح هَذَا عِنْده
قَالَ النَّاظِم فِي شرح منَازِل السائرين إِنَّمَا نَشأ الاشكال من جعلهم
الْمَشِيئَة نفس الْمحبَّة ثمَّ زادوه بجعلهم الْفِعْل نفس الْمَفْعُول وَالْقَضَاء عين الْمقْضِي فَنَشَأَ من ذَلِك إلزامهم بِكَوْنِهِ تَعَالَى رَاضِيا محبا لذَلِك وَالْتزم رضاهم بِهِ وَالَّذِي يكْشف هَذِه الْغُمَّة وينجي من هَذِه الورطة التَّفْرِيق بَين مَا فرق الله بَينه وَهُوَ الْمَشِيئَة والمحبة فليسا وَاحِدًا وَلَا هما متلازمان بل قد يَشَاء مَا لَا يُحِبهُ وَيُحب مَا لَا يَشَاء كَونه فَالْأول كمشيئته وجود إِبْلِيس وَجُنُوده ومشيئته الْعَامَّة لجَمِيع مَا فِي الْكَوْن مَعَ بغضه لبعضه وَالثَّانِي كمحبة إِيمَان الْكفَّار وطاعات الْفجار وَعدل الظَّالِمين وتوبة الْفَاسِقين وَلَو شَاءَ ذَلِك لوجد كُله فانه مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن
فَإِذا تقرر هَذَا الأَصْل ان الْفِعْل غير الْمَفْعُول وَالْقَضَاء غير الْمقْضِي وان الله جلّ شَأْنه لم يَأْمر عباده بالرضى بِكُل مَا خلقه وشاءه وَقد زَالَت الشُّبُهَات وانحلت الاشكالات إِذا عرف هَذَا فالرضى بِالْقضَاءِ الديني الشَّرْعِيّ وَاجِب وَهُوَ أساس الاسلام وَقَاعِدَة الايمان فَيجب على العَبْد ان يكون رَاضِيا بِهِ بِلَا حرج وَلَا مُنَازعَة وَلَا مُعَارضَة وَلَا اعْتِرَاض قَالَ تَعَالَى {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا} النِّسَاء فأقسم الله تَعَالَى أَنهم لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يحكموا رَسُوله ويرتفع الْحَرج من نُفُوسهم من حكمه ويسلموا لحكمه وَهَذَا حَقِيقَة الرضى بِحكمِهِ فالتحكيم فِي مقَام الاسلام وَانْتِفَاء الْحَرج فِي مقَام الايمان وَالتَّسْلِيم فِي مقَام الاحسان وَمَتى خالطت الْقلب بشاشة الايمان واكتحلت بصيرته بِحَقِيقَة الْيَقِين وحيي بِروح الْوَحْي وتمهدت طَبِيعَته وانقلبت النَّفس الامارة مطمئنة راضية وَادعَة وتلقى الاسلام بصدر منشرح فقد رَضِي كل الرضى بِهَذَا الْقَضَاء المحبوب لله وَرَسُوله انْتهى
.. وَقد أَحْبَبْت ان اذكر هُنَا الأبيات الَّتِي أظهرها بعض الزَّنَادِقَة على لِسَان بعض أهل الذِّمَّة وَبَعض جَوَاب شيخ الاسلام عَنْهَا وَقد ذكرهَا الْحَافِظ مُحَمَّد ابْن عبد الْهَادِي فِي مَنَاقِب الشَّيْخ وَذكرهَا ابْن السُّبْكِيّ فِي طبقاته قَالَ ابْن السُّبْكِيّ فِي تَرْجَمَة الشَّيْخ عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ وَلما ظهر السُّؤَال الَّذِي أظهره بعض الْمُعْتَزلَة وكتم اسْمه وَجعله على لِسَان بعض أهل الذِّمَّة وَهُوَ
…
أيا عُلَمَاء الدّين ذمِّي دينكُمْ
…
تحير دلوه بأوضح حجَّة
إِذا مَا قضى رَبِّي بكفري بزعمكم
…
وَلم يرضه مني فَمَا وَجه حيلتي
دَعَاني وسد الْبَاب عني فَهَل إِلَى
…
دخولي سَبِيل بينوا لي قضيتي
قضا بضلالي ثمَّ قَالَ ارْض بالقضا
…
فَمَا أَنا رَاض بِالَّذِي فِيهِ شقوتي
فَإِن كنت بالمقضي يَا قوم رَاضِيا
…
فربي لَا يرضى بشؤم شكيتي
وَهل لي رضى مَا لَيْسَ يرضاه سَيِّدي
…
فقد حرت دلوني على كشف حيرتي
إِذا شَاءَ رَبِّي الْكفْر مني مَشِيئَة
…
فَهَل أَنا عَاص فِي اتِّبَاع الْمَشِيئَة
وَهل لي اخْتِيَار أَن أُخَالِف حكمه
…
فبالله فاشفوا بالبراهين علتي
…
قَالَ أجَاب الشَّيْخ عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ الشَّافِعِي فَقَالَ
…
أيا عَالما أبدى دَلَائِل حيرة
…
يروم اهتداء من أهيل فَضِيلَة
لقد سرني أَن كنت للحق طَالبا
…
عَسى نفحة للحق من سحب رَحْمَة
فبالحق نيل الْحق فالجأ بِبَابِهِ
…
كَأَهل النهى واترك حبائل حِيلَة
قضى الله قدما بالضلالة وَالْهدى بقدرة فعال بِأَحْكَم حِكْمَة
…
.. إِذا الْعقل بل تحسينه بعض خلقه
…
وَلَيْسَ على الخلاق حكم الخليقة
…
وأفعالنا من خلقه كذواتنا
…
وَمَا فيهمَا خلق لنا بِالْحَقِيقَةِ
…
وَلكنه أجْرى على الْخلق خلقه
…
دَلِيل على تِلْكَ الْأُمُور الْقَدِيمَة
عرفنَا بِهِ أهل السَّعَادَة والشقا
…
كَمَا شاءه فِينَا بمحض الْمَشِيئَة
لِبَاس أَثوَاب جعلن أَمارَة
…
على حالتي حب وَسخط لرؤية
تصاريفه فِينَا تصاريف مَالك
…
سما عَن سُؤال الكيف والسببية
أمات وأحيى ثمَّ صَار معافيا
…
وقبح تَحْسِين الْعُقُول الضعيفة
فَكُن رَاضِيا نفس الْقَضَاء وَلَا تكن
…
بمقضي كفر رَاضِيا ذَا خَطِيئَة
وتكليفنا بِالْأَمر وَالنَّهْي قَاطع
…
بأعذارنا فِي يَوْم بعث البربة
فَعبر بسد أَو بِفَتْح وعد عَن
…
ضَلَالَة تشكيك بأوضح حجَّة
وَقد بَان وَجه الامر وَالنَّهْي وَاضحا
…
وَلَا شكّ فِيهِ بل وَلَا وهم شُبْهَة
…
قلت هَذَا الْجَواب مَبْنِيّ على انكار التحسين والتقبيح العقليين كَمَا هُوَ مَذْهَب الأشاعرة وَمن وافقهم من اصحاب أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأهل الحَدِيث وَغَيرهم
وَأجَاب شيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى فَقَالَ
…
سؤالك يَا هَذَا سُؤال معاند
…
تخاصم رب الْعَرْش باري الْبَريَّة
وَهَذَا سُؤال خَاصم الْمَلأ العلى
…
قَدِيما بِهِ إِبْلِيس أصل البلية
…