الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. قُلْتُمْ لنا جسم على جسم تَعَالَى الله عَن جسم وَعَن جثمان
وكذاك ان قُلْنَا الْقُرْآن كَلَامه
…
مِنْهُ بدا لم يبد من انسان
كلا وَلَا ملك وَلَا لوح وَلَا
…
كن قَالَه الرَّحْمَن قَوْله بَيَان
…
تقدم معنى أَن الْكَلَام بدا مِنْهُ تَعَالَى وَمعنى بدايته
…
قُلْتُمْ لنا إِن الْكَلَام قِيَامه
…
بالجسم أَيْضا وَهُوَ ذُو حدثان
عرض يقوم بِغَيْر جسم لم يكن
…
هَذَا بمعقول لَدَى الأذهان
…
أَي قَالَت النفاة إِذْ قُلْتُمْ إِن كَلَام الله تَعَالَى بدا مِنْهُ لم يبد من انسان وَلَا ملك وَلَا من اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَتَقول النفاة الْكَلَام عرض وَالْعرض لَا يقوم بِغَيْر جسم فكلامكم أَيهَا المثبتة غير مَعْقُول
…
وكذاك حِين نقُول ينزل رَبنَا
…
فِي ثلث ليل آخر أَو ثَان
قُلْتُمْ لنا إِن النُّزُول
لغير أجسام محَال لَيْسَ ذَا إِمْكَان
…
وكذاك ان قُلْنَا يرى سُبْحَانَهُ
…
قُلْتُمْ أجسم كي يرى بعيان
…
أَي إِذا قُلْنَا إِنَّه سُبْحَانَهُ يرى فِي الْآخِرَة قَالَت المعطلة يلْزم أَنه جسم وَأَن لَهُ جِهَة
…
أم كَانَ ذَا جِهَة تَعَالَى رَبنَا
…
عَن ذَا فَلَيْسَ يرَاهُ من إِنْسَان
…
أما اذا قُلْنَا لَهُ وَجه كَمَا
…
فِي النَّقْص أَو قُلْنَا كَذَاك يدان
وكذاك ان قُلْنَا كَمَا فِي النَّص إِن الْقلب بَين أَصَابِع الرَّحْمَن
…
وكذاك إِن قُلْنَا الاصابع فَوْقهَا
…
كل العوالم وَهِي ذُو رجفان
…
.. وكذاك ان قُلْنَا يَدَاهُ لأرضه
…
وسمائه فِي الْحَشْر قابضتان
…
وكذاك ان قُلْنَا سيكشف سَاقه
…
فيخر ذَاك الْجمع للأذقان
وكذاك ان قُلْنَا يجِئ لفصله
…
بَين الْعباد بِعدْل ذِي سُلْطَان
قَامَت قيامتكم كَذَاك قِيَامَة ال
…
آتِي بِهَذَا القَوْل فِي الرَّحْمَن
…
أَي إِذا قُلْنَا إِن لَهُ تَعَالَى وَجها كَمَا ورد بِهِ النَّص كَمَا يَلِيق بجلاله أَو قُلْنَا إِن لَهُ سُبْحَانَهُ يدين أَو قُلْنَا كَمَا فِي النَّص ان الْقلب بَين اصابع الرَّحْمَن اَوْ ان الاصابع فَوْقهَا العوالم وانه يقبض أرضه وسماءه فِي الْحَشْر وَأَنه سيكشف عَن سَاق وَأَنه سُبْحَانَهُ يَجِيء لفصل الْقَضَاء وَغير ذَلِك مِمَّا فِي كتاب الله أَو فِي صَحِيح السّنة وحسنها من غير تَشْبِيه وَلَا تَمْثِيل وَلَا تَحْرِيف وَلَا تَعْطِيل قَامَت قيامتكم ورميتمونا بِكُل حجر ومدر
ولنبسط الْكَلَام فِي الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ فَنَقُول وَجه الرب سُبْحَانَهُ حَيْثُ ورد فِي الْكتاب وَالسّنة فَلَيْسَ بمجاز بل على حَقِيقَته وَاخْتلف المعطلة فِي جِهَة التَّجَوُّز فِي هَذَا فَقَالَت طَائِفَة لفظ الْوَجْه زَائِد وَالتَّقْدِير وَيبقى رَبك إِلَّا ابْتِغَاء ربه الْأَعْلَى ويريدون رَبهم وَقَالَت فرقة الْوَجْه بِمَعْنى الذَّات وَهَذَا قَول أُولَئِكَ وان اخْتلفُوا فِي التَّعْبِير عَنهُ وَقَالَت فرقة ثَوَابه وجزاؤه فجلعه هَؤُلَاءِ مخلوقا مُنْفَصِلا قَالُوا لِأَن الَّذِي يُرَاد هُوَ الثَّوَاب قَالَ عُثْمَان بن سعيد الدِّرَامِي وَقد حكى قَول المريسي انه قَالَ فِي قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم اذا قَامَ العَبْد يُصَلِّي اقبل الله عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ يحْتَمل ان يقبل الله عَلَيْهِ بنعمته وإحسانه وأفعاله وَمَا أوجب للْمُصَلِّي من الثَّوَاب فَقَوله {وَيبقى وَجه رَبك} الرَّحْمَن أَي مَا توجه بِهِ رَبك من الْأَعْمَال الصَّالِحَة
وَقَوله {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} الْبَقَرَة أَي قبْلَة الله قَالَ الدَّارمِيّ لما فرغ المريسي من إِنْكَار الْيَدَيْنِ ونفيهما عَن الله أقبل قبل وَجه الله ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام لينفيه عَنهُ كَمَا نفى عَنهُ الْيَدَيْنِ فَلم يدع غَايَة فِي إِنْكَار وَجه الله ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام والجحود بِهِ حَتَّى ادّعى ان وَجه الله الَّذِي وَصفه بِأَنَّهُ ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام مَخْلُوق لِأَنَّهُ ادّعى انه أَعمال مَخْلُوق يتَوَجَّه بهَا إِلَيْهِ وثواب وإنعام مَخْلُوق يثيب بِهِ الْعَامِل وَزعم أَنه قبْلَة الله وقبلة الله لَا شكّ مخلوقة ثمَّ سَاق الْكَلَام فِي الرَّد عَلَيْهِ وَذكر الْخطابِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا قَالُوا لما اضاف الْوَجْه إِلَى الذَّات وأضاف النَّعْت الى الْوَجْه فَقَالَ {وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام} الرَّحْمَن دلّ على أَن ذكر الْوَجْه لَيْسَ بصلَة وَأَن قَوْله {ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام} صفة للْوَجْه وَأَن الْوَجْه صفة للذات
قَالَ النَّاظِم فِي الصَّوَاعِق فَتَأمل رفع قَول ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام عِنْد ذكر الْوَجْه وجره فِي قَول {تبَارك اسْم رَبك ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام} الرَّحْمَن فذو الْوَجْه الْمُضَاف بالجلال وَالْإِكْرَام لما كَانَ الْقَصْد الاخبار عَنهُ وَذي الْوَجْه الْمُضَاف اليه بالجلال وَالْإِكْرَام فِي آخر السُّورَة لما كَانَ الْمَقْصُود عين الْمُسَمّى دون الِاسْم فَتَأَمّله
ثمَّ اسْتدلَّ رَحمَه الله تَعَالَى على إبِْطَال هَذِه التأويلات بأوجه مِنْهَا أَنه لَا يعرف فِي لُغَة من لُغَات الْأُمَم وَجه الشَّيْء بِمَعْنى ذَاته وَنَفسه وَغَايَة ماشبه بِهِ الْمُعَطل وَجه الرب أَن قَالَ هُوَ كَقَوْل الْقَائِل وَجه الْحَائِط وَوجه الثَّوْب وَوجه النَّهَار فَيُقَال للمعطل الْمُشبه بِهِ لَيْسَ الْوَجْه فِي ذَلِك بِمَعْنى الذَّات بل هَذَا مُبْطل لِقَوْلِك فان وَجه الْحَائِط أحد جانبيه فَهُوَ مُقَابل لدبره وَمثل هَذَا وَجه الْكَعْبَة ودبرها فَهُوَ وَجه حَقِيقَة وَلكنه بِحَسب الْمُضَاف
اليه فَلَمَّا كَانَ الْمُضَاف اليه بِنَاء كَانَ وَجهه من جنسه وَكَذَلِكَ وَجه الثَّوْب اُحْدُ جانبيه وَهُوَ من جنسه وَكَذَلِكَ وَجه النَّهَار أَوله وَلَا يُقَال لجَمِيع النَّهَار وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَجه النَّهَار اوله وَمِنْه قَوْلهم صدر النَّهَار قَالَ ابْن الاعرابي اتيته بِوَجْه نَهَار وَصدر نَهَار وَأنْشد للربيع بن زِيَاد
…
من كَانَ مَسْرُورا بمقتل مَالك
…
فليأت نسوتنا بِوَجْه نَهَار
…
وَمِنْهَا أَن حمله على الثَّوَاب الْمُنْفَصِل من أبطل الْبَاطِل فان اللُّغَة لَا تحْتَمل ذَلِك وَلَا يعرف أَن الْجَزَاء يُسمى وَجها للمجاز وَأَيْضًا فالثواب مَخْلُوق وَقد صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه استعاذ بِوَجْه الله فَقَالَ أعوذ بِوَجْهِك الْكَرِيم ان تضلني لَا إِلَه أَلا أَنْت الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت وَالْجِنّ والانس يموتون رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره وَمن دُعَائِهِ يَوْم الطَّائِف أعوذ بِوَجْهِك الْكَرِيم الَّذِي أشرقت لَهُ الظُّلُمَات وَصلح عَلَيْهِ أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَا يظنّ برَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يستعيذ بمخلوق
وَمِنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ اسألك لَذَّة النّظر الى وَجهك والشوق الى لقائك وَلم يكن ليسأل لَذَّة النّظر الى ثَوَاب الْمَخْلُوق وَلَا يعرف تَسْمِيَة ذَلِك وَجها لُغَة وَلَا شرعا وَلَا عرفا
وَمِنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من استعاذ بِاللَّه فأعيذوه وَمن سَأَلَ بِوَجْه الله فَأَعْطوهُ وَفِي السّنَن من حَدِيث جَابر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يسْأَل بِوَجْه الله الا الْجنَّة فَكَانَ طَاوس يكره أَن يسْأَل الانسان بِوَجْه الله
وروى مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله لَا ينَام وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينَام
يخْفض الْقسْط وَيَرْفَعهُ يرفع اليه عمل اللَّيْل قبل عمل النَّهَار وَعمل النَّهَار قبل عمل اللَّيْل حجابه النُّور لَو كشفه لأحرقت سبحات وَجهه مَا انْتهى اليه بَصَره من خلقه
وَمِنْهَا قَول عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه لَيْسَ عِنْد ربكُم ليل وَلَا نَهَار نور السَّمَاوَات والارض من نور وَجهه فَهَل يَصح أَن يحمل الْوَجْه فِي هَذَا على مَخْلُوق أَو يكون صلَة لَا معنى لَهُ أَو يكون بِمَعْنى الْقبْلَة والجهة وَهَذَا مُطَابق لقَوْله عليه السلام أعوذ بِنور وَجهك الَّذِي أشرقت لَهُ الظُّلُمَات فأضاف النُّور إِلَى الْوَجْه وَالْوَجْه الى الذَّات واستعاذ بِنور الْوَجْه الْكَرِيم فَعلم أَن نوره صفة لَهُ كَمَا أَن الْوَجْه صفة ذاتية وَهُوَ الَّذِي قَالَه ابْن مَسْعُود وَهُوَ تَفْسِير قَوْله {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} النُّور فَلَا تشتغل بأقوال الْمُتَأَخِّرين الَّذين غشت بصائرهم عَن معرفَة ذَلِك فَخذ الْعلم عَن أَهله فَهَذَا تَفْسِير الصَّحَابَة رضي الله عنهم
وَمِنْهَا أَن الصَّحَابَة رضي الله عنهم وَالتَّابِعِينَ وَجَمِيع أهل السّنة والْحَدِيث وَالْأَئِمَّة الاربعة وَأهل الاسْتقَامَة من أتباعهم متفقون على أَن الْمُؤمنِينَ يرَوْنَ وَجه رَبهم فِي الْجنَّة وَهِي الزِّيَادَة الَّتِي فسر بهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَة {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} يُونُس
فروى مُسلم فِي صَحِيحه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي قَوْله {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} يُونُس قَالَ النّظر الى وَجه الله تَعَالَى فَمن أنكر حَقِيقَة الْوَجْه لم يكن للنَّظَر عِنْده حَقِيقَة وَلَا سِيمَا إِذا أنكر الْوَجْه والعلو فَيَعُود النّظر عِنْده الى خيال مُجَرّد وان احسن الْعبارَة قَالَ هُوَ معنى يقوم بِالْقَلْبِ نسبته اليه كنسبة النّظر الى الْعين وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَة عِنْده نظر وَلَا وَجه وَلَا لَذَّة تحصل للنَّاظِر
وَمِنْهَا أَن تَفْسِير وَجه الله بقبلة الله وان قَالَه بعض السّلف كمجاهد وَتَبعهُ الشَّافِعِي فانما قَالُوهُ فِي مَوضِع وَاحِد لَا غير وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} الْبَقَرَة فَهَب ان هَذَا كَذَلِك فِي هَذَا الْموضع فَهَل يَصح أَن يُقَال ذَلِك فِي غَيره من الْمَوَاضِع الَّتِي ذكر الله تَعَالَى فِيهَا الْوَجْه فَمَا يفيدكم هَذَا فِي قَوْله وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام الرَّحْمَن وَقَوله الا ابْتِغَاء وَجه ربه الْأَعْلَى اللَّيْل وَقَوله إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله الدَّهْر على أَن الصَّحِيح فِي قَوْله فثم وَجه الله الْبَقَرَة أَنه كَقَوْلِه فِي سَائِر الْآيَات الَّتِي فِيهَا ذكر الْوَجْه فانه قد اطرد مجيئة فِي الْقُرْآن وَالسّنة مُضَافا الى الرب تَعَالَى على طَريقَة وَاحِدَة وَمعنى وَاحِد فَلَيْسَ فِيهِ مَعْنيانِ مُخْتَلِفَانِ فِي جَمِيع الْمَوَاضِع غير الْموضع الَّذِي ذكره فِي سُورَة الْبَقَرَة وَهُوَ قَوْله فثم وَجه الله وَهَذَا لَا يتَعَيَّن حمله على الْقبْلَة أَو الْجِهَة وَلَا يمْنَع أَن يُرَاد بِهِ وَجه الرب حَقِيقَة فَحَمله على موارده ونظائره كلهَا أولى
وَمِنْهَا أَنه لَا يعرف إِطْلَاق وَجه الله على الْقبْلَة لُغَة وَلَا شرعا وَلَا عرفا بل الْقبْلَة لَهَا اسْم يَخُصهَا وَالْوَجْه لَهُ اسْم يَخُصُّهُ فَلَا يدْخل أَحدهمَا على الآخر وَلَا يستعار اسْمه لَهُ نعم الْقبْلَة تسمى وجهة كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلكُل وجهة هُوَ موليها فاستبقوا الْخيرَات أَيْنَمَا تَكُونُوا} الْبَقَرَة وَقد تسمى جِهَة وَأَصلهَا وجهة لَكِن أعلت بِحَذْف فائها كزنة وعدة وَإِنَّمَا سميت قبْلَة ووجهة لِأَن الرجل يقابلها ويواجهها بِوَجْهِهِ وَأما تَسْمِيَتهَا وَجها فَلَا عهد بِهِ فَكيف إِذا أضيف الى الله تَعَالَى مَعَ أَنه لَا يعرف تَسْمِيَة الْقبْلَة وجهة الله فِي شَيْء من الْكَلَام مَعَ أَنَّهَا تسمى وجهة فَكيف يُطلق عَلَيْهَا وَجه الله وَلَا يعرف تَسْمِيَتهَا وَجها وايضا فَمن الْمَعْلُوم أَن قبْلَة الله
الَّتِي نصبها لِعِبَادِهِ هِيَ قبْلَة وَاحِدَة وَهِي الْقبْلَة الَّتِي أَمر الله عباده أَن يتوجهوا اليها حَيْثُ كَانُوا لاكل جِهَة يولي وَجهه اليها فانه يولي وَجهه الى الْمشرق وَالْمغْرب وَالشمَال وَمَا بَين ذَلِك وَلَيْسَت تِلْكَ الْجِهَات قبْلَة الله فَكيف يُقَال أَي وجهة وجهتموها واستقبلتموها فَهِيَ قبْلَة الله فان قيل هَذَا عِنْد اشْتِبَاه الْقبْلَة على الْمُصَلِّي وَعند صلَاته النَّافِلَة فِي السّفر قيل اللَّفْظ لَا شعار لَهُ بذلك الْبَتَّةَ بل هُوَ عَام مُطلق فِي الْحَضَر وَالسّفر وَحَال الْعلم والاشتباه وَالْقُدْرَة وَالْعجز يُوضحهُ أَن إِخْرَاج الِاسْتِقْبَال الْمَفْرُوض والاستقبال فِي الْحَضَر وَعند الْعلم وَالْقُدْرَة وَهُوَ أَكثر أَحْوَال الْمُسْتَقْبل وَحمل الْآيَة على اسْتِقْبَال الْمُسَافِر فِي التنقل على الرَّاحِلَة وَحَال الْغَيْم وَنَحْوه بعيد جدا عَن ظَاهر الْآيَة وإطلاقها وعمومها وَمَا قصد بهَا فان أَيْن من أدوات الْعُمُوم وَقد أكد عمومها بِمَا اراده لتحقيق الْعُمُوم كَقَوْلِه {وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} الْبَقَرَة وَالْآيَة صَرِيحَة فِي أَنه أَيْنَمَا ولى العَبْد فثم وَجه الله من حضر أَو سفر فِي صَلَاة وَغَيرهَا وَذَلِكَ أَن الْآيَة لَا تعرض فِيهَا للْقبْلَة وَلَا لحكم الِاسْتِقْبَال بل سياقها لِمَعْنى آخر وَهُوَ بَيَان عَظمَة الرب تَعَالَى وسعته وَأَنه أكبر من كل شَيْء وَأعظم مِنْهُ وَأَنه مُحِيط بالعالم الْعلوِي والسفلي فَذكر فِي أول الْآيَة إحاطة ملكه فِي قَوْله وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب الْبَقَرَة منبها بذلك على ملكه لما ابينهما ثمَّ ذكر عَظمته سُبْحَانَهُ وَأَنه أكبر وَأعظم من كل شئ فأينما ولى العَبْد وَجهه فثم وَجه الله ثمَّ ختم باسمين دالين على السعَة والاحاطة فَقَالَ {إِن الله وَاسع عليم} فَذكر اسْمه الْوَاسِع عقيب قَول فأينما توَلّوا فثم وَجه الله كالتفسير وَالْبَيَان والتقرير لَهُ فَتَأَمّله فَهَذَا السِّيَاق لم يقْصد بِهِ الِاسْتِقْبَال فِي الصَّلَاة بِخُصُوصِهِ وَإِن دخل فِي عُمُوم الْخطاب حضرا وسفرا بِالنِّسْبَةِ الى الْفَرْض وَالنَّفْل وَالْقُدْرَة وَالْعجز
وعَلى هَذَا فالآية بَاقِيَة على عمومها وأحكامها لَيْسَ مَنْسُوخَة وَلَا مَخْصُوصَة بل لَا يَصح دُخُول النّسخ فِيهَا لِأَنَّهَا خبر عَن ملكه للمشرق وَالْمغْرب وَأَنه أَيْنَمَا ولى الرجل وَجهه فثم وَجه الله وَعَن سعته وَعلمه فَكيف يُمكن دُخُول النّسخ والتخصيص فِي ذَلِك وَأَيْضًا هَذِه الْآيَة ذكرت مَا بعْدهَا لبَيَان عَظمَة الرب وَالرَّدّ على من جعل لَهُ عدلا من خلقه الشّركَة مَعَه فِي الْعِبَادَة وَلِهَذَا ذكرهَا بعد الرَّد على من جعل لَهُ ولدا فَقَالَ تَعَالَى {وَقَالُوا اتخذ الله ولدا سُبْحَانَهُ بل لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} إِلَى قَوْله كن فَيكون الْبَقَرَة فَهَذَا السِّيَاق لَا تعرض فِيهِ للْقبْلَة وَلَا سيق الْكَلَام لأَجلهَا وَإِنَّمَا سيق لذكر عَظمَة الرب وَبَيَان سَعَة علمه وحلمه والواسع من أَسْمَائِهِ فَكيف تَجْعَلُونَ لَهُ شَرِيكا بِسَبَبِهِ وتمنعون بيوته ومساجده ان يذكر فِيهَا اسْمه تسعون فِي خرابها فَهَذَا للْمُشْرِكين ثمَّ ذكر مَا نسبه اليه النَّصَارَى من اتِّخَاذ الْوَلَد ووسط بَين كفر هَؤُلَاءِ وَقَوله تَعَالَى وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب الْبَقَرَة فالمقام مقَام تَقْرِير لأصول التَّوْحِيد والايمان وَالرَّدّ على الْمُشْركين لَا بَيَان فرع معِين جزئي
وَمِنْهَا انه لَو أُرِيد بِالْوَجْهِ فِي الْآيَة الْجِهَة والقبلة لَكَانَ وَجه الْكَلَام ان يُقَال فأينما توَلّوا فَهُوَ وَجه الله لِأَنَّهُ إِذا كَانَ المُرَاد بِالْوَجْهِ الْجِهَة فَهِيَ الَّتِي تولي نَفسهَا وَإِنَّمَا يُقَال ثمَّ كَذَا اذا كَانَ أَمْرَانِ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت نعيما وملكا كَبِيرا} الدَّهْر فالنعيم وَالْملك ثمَّ لَا إِنَّه نفس الظّرْف وَالْوَجْه لَو كَانَ المُرَاد بِهِ الْجِهَة نَفسهَا لم يكن ظرفا لنَفسهَا فان الشَّيْء لَا يكون ظرفا لنَفسِهِ فَتَأَمّله أَلا ترى أَنَّك إِذا أَشرت الى جِهَة الشرق والغرب لَا يَصح أَن تَقول ثمَّ جِهَة الشرق ثمَّ جِهَة الغرب بل تَقول هَذِه جِهَة الشرق وَهَذِه جِهَة الغرب وَلَو قلت
هُنَاكَ جِهَة الشرق والغرب لَكَانَ ذكر الظّرْف لَغوا وَذَلِكَ لِأَن ثمَّ إِشَارَة الى الْمَكَان الْبعيد فَلَا يشار بهَا الى قريب والجهة والوجهة مِمَّا يحاذيك الى آخرهَا فجهة الشرق والغرب ووجهة الْقبْلَة مِمَّا يتَّصل الى حَيْثُ يَنْتَهِي فَكيف يُقَال فِيهَا ثمَّ اشارة الى الْبعيد بِخِلَاف الاشارة الى وَجه الرب تبارك وتعالى فَإِنَّهُ يشار الى ذَاته وَلِهَذَا قَالَ غير وَاحِد من السّلف فثم الله تَحْقِيقا لَان المُرَاد وَجهه الَّذِي هُوَ من صِفَات ذَاته والاشارة اليه بِأَنَّهُ ثمَّ كاشارة اليه بِأَنَّهُ فَوق سمواته وعَلى الْعَرْش وَفَوق الْعَالم
وَمِنْهَا أَن تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ هُوَ أولى التفاسير مَا وجد اليه السَّبِيل وَلِهَذَا كَانَ يعتمده الصَّحَابَة والتابعون وَالْأَئِمَّة بعدهمْ وَالله تَعَالَى ذكر فِي الْقُرْآن الْقبْلَة باسم الْقبْلَة وَالْوُجُوه وَذكر وَجهه الْكَرِيم باسم الْوَجْه الْمُضَاف اليه فتفسيره فِي هَذِه الْآيَة بنظائره هُوَ الْمُتَعَيّن
وَمِنْهَا أَنَّك إِذا تَأَمَّلت الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَجدتهَا مفسرة لِلْآيَةِ مُشْتَقَّة مِنْهَا كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم اذا قَامَ احدكم الى الصَّلَاة فانما يسْتَقْبل ربه وَقَوله فان الله يقبل اليه بِوَجْهِهِ عَنهُ وَقَوله اذا قَامَ أحدكُم الى الصَّلَاة فَلَا يبصقن قبل وَجهه وَقَوله فان الله بَينه وَبَين الْقبْلَة وَقَوله ان الله يَأْمُركُمْ بِالصَّلَاةِ فاذا صليتم فَلَا تلتفتوا فان الله ينصب وَجهه لوجه عَبده فِي صلَاته مَا لم يلْتَفت رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ ان العَبْد اذا تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ قَالَ الى الصَّلَاة أقبل الله عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ فَلَا ينْصَرف عَنهُ حَتَّى ينْصَرف أَو يحدث حدث سوء وَقَالَ جَابر رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا قَامَ العَبْد يُصَلِّي أقبل الله عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ فاذا الْتفت أعرض الله عَنهُ وَقَالَ يَا ابْن آدم انا خير مِمَّن تلْتَفت
اليه فاذا أقبل على صلَاته أقبل الله عَلَيْهِ فاذا الْتفت أعرض الله عَنهُ انْتهى كَلَام النَّاظِم بِاخْتِصَار
قَوْله وَكَذَلِكَ لفظ يَد وَلَفظ يدان قَالَ تَعَالَى {بل يَدَاهُ مبسوطتان} الْمَائِدَة قَالَت الْجَهْمِية وَمن تَبِعَهُمْ هَذَا مجَاز فِي النِّعْمَة أَو الْقُدْرَة وَهَذَا فِي الأَصْل قَول الْجَهْمِية وتبعهم الْمُعْتَزلَة وَبَعض الْمُتَأَخِّرين مِمَّن ينتسب الى الاشعري والأشعري وقدماء أَصْحَابه يردون على هَؤُلَاءِ ويبدعونهم ويثبتون الْيَد حَقِيقَة قَالَ عبد الْعَزِيز بن يحيى الْكِنَانِي الْمَالِكِي جليس الشَّافِعِي والخصيص بِهِ وَقد مَاتَ قبل الامام احْمَد فِي كتاب الرَّد على الْجَهْمِية والزنادقة قَالَ يُقَال للجهمي أَتَقول إِن لله وَجها وَله نفس وَله يَد فَيَقُول نعم وَلَكِن معنى وَجه الله هُوَ الله وَمعنى نَفسه عينه وَمعنى يَده نعْمَته قَالَ وَالْجَوَاب ان يُقَال لَهُ فَذكر كلَاما يتَعَلَّق بِالْوَجْهِ وَالنَّفس ثمَّ قَالَ وَأما قَوْله فِي الْيَد أَنَّهَا يَد النِّعْمَة كَمَا تَقول الْعَرَب لَك عِنْدِي يَد فقد قَالَ الله تَعَالَى بِيَدِك الْخَيْر آل عمرَان وَقَالَ فسبحان الَّذِي بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء يس وَقَالَ {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} الْملك وَقَالَ يَد الله فَوق أَيْديهم الْفَتْح وَقَالَ بل يَدَاهُ مبسوطتان الْمَائِدَة قَالَ فَزعم الجهمي ان يَد الله نعْمَته فبدل قولا غير الَّذِي قيل لَهُ فَأَرَادَ الجهمي أَن يُبدل كَلَام الله إِذْ أخبر الله أَن لَهُ يدا بهَا ملكوت كل شَيْء فبدل مَكَان الْيَد نعْمَة وَقَالَ الْعَرَب تسمي الْيَد نعْمَة قُلْنَا لَهُ الْعَرَب تسمي النِّعْمَة يدا وتسمي يَد الانسان يدا فاذا أردْت يَد الذَّات جعلت على قَوْلهَا علما ودليلا يعقل بِهِ السَّامع أَنَّهَا ارادت يَد الذَّات وَإِذا أَرَادَت يَد النِّعْمَة
جعلت على قَوْلهَا علما ودليلا يعقل السَّامع كَلَامهَا أَنَّهَا تُرِيدُ يَد النِّعْمَة وَلَا تجْعَل كَلَامهَا مشتبها على سامعه وَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر
…
ناولت زيدا بيَدي عَطِيَّة
…
يدبها رمى كتابا مخضب
…
فَدلَّ بِهَذَا القَوْل على يَد الذَّات بالمناولة وبالباء حِين قَالَ بيَدي فَجعل الْبَاء استقصاء للعدد حِين لم يكن لَهُ غير يدين وَقَالَ الآخر حِين أَرَادَ يَد النِّعْمَة
…
أشكر يدين لنا عَلَيْك وأنعما
…
شكرا يكون مكافيا للمنعم
…
فَدلَّ على يَد النِّعْمَة بقوله لنا عَلَيْك ثمَّ قَالَ وأنعما ثمَّ قَالَ يدين فَجعل النُّون مَكَان الْيَاء لم يستقص بهما الْعدَد فَهَذَا قَول الْعَرَب ومذهبها فِي لغاتها وَالله تَعَالَى لم يسم فِي كِتَابه يدا بِنِعْمَة وَلم يسم نعْمَة يدا سمى سُبْحَانَهُ الْيَد يدا وَالنعْمَة نعْمَة فِي جَمِيع الْقُرْآن فَأَما مَا ذكره سُبْحَانَهُ من يدين وَيَد فقد ذكرت ذَلِك فِي صدر الْكَلَام وَأما النِّعْمَة الَّتِي هِيَ عَن الْيَد فَمن ذَلِك قَوْله {واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم} آل عمرَان وَقَوله وَمَا بكم من نعْمَة فَمن الله النَّحْل وَقَوله وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي الْمَائِدَة وَقَوله {وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ وأنعمت عَلَيْهِ} الْأَحْزَاب فَسمى الله النعم باسم النِّعْمَة وَلم يسمهَا بِغَيْر أسمائها وَمثل هَذَا فِي الْقُرْآن كثير وَذكر الله تَعَالَى أَيدي المخلوقين فسماها بِالْأَيْدِي فَقَالَ تَعَالَى وَلَا تجْعَل يدك مغلولة الى عُنُقك الأسراء وَقَالَ تَعَالَى وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا الْمَائِدَة وَقَالَ وَالْمَلَائِكَة باسطو أَيْديهم الْأَنْعَام فَهَذِهِ أيد لَا نعْمَة وَذكر نعْمَته على يَد ونعمة النَّبِي صلى الله عليه وسلم فسماها نعْمَة وَلم يسميها يدا ثمَّ أخبر سُبْحَانَهُ عَن يَدَيْهِ أَنَّهُمَا يدان لَا ثَلَاثَة وَجعل الْبَاء استقصاء للعدد
حِين قَالَ {مَا مَنعك أَن تسْجد لما خلقت بيَدي} فَدلَّ على أَنَّهُمَا يَدي الذَّات لَا يتعارف الْعَرَب فِي لغاتها وَلَا أشعارها الا أَن هَاتين الْيَدَيْنِ يَدي الذَّات لاستقصاء الْعدَد بِالْبَاء وَأما نعم الله فَهِيَ أَكثر وَأعظم من أَن تحصر أَو تعد كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإِن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها} ابراهيم
قَالَ وَاعْلَم رَحِمك الله أَن قَائِل هَذِه الْمقَالة جَاهِل بلغَة الْقُرْآن وبلغة الْعَرَب ومعانيها وكلامها وَذَلِكَ أَن الله إِذا افْتتح الْخَبَر عَن نَفسه بِلَفْظ الْجمع ختم الْكَلَام بِلَفْظ الْجمع واذا افْتتح الْكَلَام بِلَفْظ الْوَاحِد ختم الْكَلَام بِلَفْظ الْوَاحِد وانما يُغني الْخَبَر عَن نَفسه وان كَانَ اللَّفْظ جمعا فَأَما مَا كَانَ من لفظ الْوَاحِد فَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} الأسراء فَافْتتحَ الْخَبَر عَن نَفسه بِلَفْظ الْوَاحِد وبمثله ختم الْكَلَام فَقَالَ {أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} الاسراء وَقَالَ رب ارحمهما كَمَا ربياني صَغِيرا الأسراء وَقَالَ ربكُم اعْلَم بكم الاسراء وَأما مَا افتتحه بِلَفْظ الْجمع فَهُوَ قَوْله وقضينا الى بني اسرائيل فِي الْكتاب الاسراء فافتتحه بِلَفْظ الْجمع ثمَّ خَتمه بِمثل مَا افتتحه بِهِ فَقَالَ {فَإِذا جَاءَ وعد أولاهما بعثنَا عَلَيْكُم عبادا لنا} الاسراء وَإِنَّمَا عَنى بذلك نَفسه لِأَنَّهَا كلمة ملوكية تَقُولهَا الْعَرَب وَرُوِيَ ان ابْن عَبَّاس لَقِي أَعْرَابِيًا وَمَعَهُ نَاقَة فَقَالَ لمن هَذِه فَقَالَ الْأَعرَابِي فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس كم أَنْتُم فَقَالَ أَنا وَاحِد فَقَالَ ابْن عَبَّاس هَكَذَا قَول الله تَعَالَى نَحن وخلقناه وقضينا انما يَعْنِي نَفسه والمبهم يرد الى الْمُحكم فَكل كلمة فِي الْقُرْآن من لفظ جمع قبلهَا مُحكم من التَّوْحِيد ترد اليه فَمن ذَلِك قَوْله {وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل} الاسراء يرد الى قَوْله وَقضى رَبك الا تعبدوا الا اياه الاسراء وَقَوله {وخلقناكم أَزْوَاجًا} النبأ يرد الى قَوْله انما أمره يس وَقَوله
{لما جَاءَ أَمر رَبك} هود وَكَذَلِكَ قَوْله {أَو لم يرَوا أَنا خلقنَا لَهُم مِمَّا عملت أَيْدِينَا أنعاما} يس يرد إِلَى قَوْله {لما خلقت بيَدي} فَلَمَّا افْتتح الْكَلَام بِلَفْظ الْجمع فَقَالَ {أَو لم يرَوا أَنا خلقنَا لَهُم} يس قَالَ أَيْدِينَا وَلما افْتتح بقوله مَا مَنعك ان تسْجد لما خلقت بيَدي ختم الْكَلَام على مَا افتتحه بِهِ فَهَذَا بَيَان لقوم يفقهُونَ وَقد كَانَ أَكثر قسم النَّبِي صلى الله عليه وسلم اذا أقسم أَن يَقُول لَا وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ وَهَذَا لَا يَلِيق بِهِ النِّعْمَة وَهَذَا قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم يصدق كتاب الله انْتهى كَلَامه الْأَشْعَرِيّ فِي كتبه يُصَرح باثبات الصِّفَات الخبرية فِي كتبه كلهَا وَمَعْلُوم أَن أحدا لَا يُنكر لَفظهَا وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا حقائقها ومعانيها الظَّاهِرَة وَكَلَام الْأَشْعَرِيّ مَوْجُود فِي الابانة والموجز والمقالات وموجود فِي تصانيف أَئِمَّة أَصْحَابه وأجلهم على الاطلاق القَاضِي أَبُو بكر بن الطّيب وَقد ذكر ذَلِك فِي كتاب الابانة والتمهيد وَغَيرهمَا وَذكره ابْن فورك فِيمَا جمعه من كَلَام ابْن كلاب وَكَلَام الْأَشْعَرِيّ وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات والاعتقاد وَذكره ابو الْقَاسِم الْقشيرِي فِي كتاب الشكاية لَهُ وَذكره ابْن عَسَاكِر فِي كتاب تَبْيِين كذب المفتري حَتَّى الْفَخر الرَّازِيّ وَالسيف الْآمِدِيّ حكوا ذَلِك عَن الْأَشْعَرِيّ وَأَنه أثبت الْيَدَيْنِ صفة لله وَلَكِن غلطوا حَيْثُ ظنُّوا أَن لَهُ قَوْلَيْنِ فِي ذَلِك وَهَذِه كتبه كلهَا لَيْسَ فِيهَا الا الاثبات فَهُوَ الَّذِي يحكيه عَن أهل السّنة وينصره ويحكي خِلَافه عَن الْجَهْمِية والمعتزلة نعم كَانَ قبل ذَلِك يَقُول بقول الْمُعْتَزلَة ثمَّ رَجَعَ عَنهُ وَصرح بمخالفتهم وَاسْتمرّ على ذَلِك حَتَّى مَاتَ قَالَ ابو الْحسن الْأَشْعَرِيّ فِي كتاب الابانة الَّذِي ذكر ابْن عَسَاكِر أَنه آخر كتبه وَعَلِيهِ اعْتمد فِي ذكر مناقبه واعتقاده قَالَ فان سَأَلنَا سَائل فَقَالَ أتقولون إِن لله يدين