الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجَسَد على الْهَوَاء فَلفظ الْجِسْم عِنْدهم يشبه لفظ الْجَسَد قَالَ الْجَوْهَرِي الْجَسَد وَالْبدن تَقول فِيهِ تجسد كَمَا تَقول الْجِسْم تجسم كَمَا تقدم نَقله عَن أَئِمَّة اللُّغَة ان الْجِسْم هُوَ الْجَسَد فَعلم ان هذَيْن اللَّفْظَيْنِ مُتَرَادِفَانِ اَوْ قريبان من الترادف وَلِهَذَا يَقُولُونَ لهَذَا الثَّوْب جَسَد كَمَا يَقُولُونَ لَهُ جسم إِذا كَانَ غليظا ثخينا صفيقا وَتقول الْعلمَاء النَّجَاسَة قد تكون مستخبثة كَالدَّمِ وَالْميتَة وَقد لَا تكون مستجسمة كالرطبة ويسمون الدَّم جسدا كَمَا قَالَ النَّابِغَة
…
فَلَا لعَمْرو الَّذِي قد زرته حجَجًا
…
وَمَا أريق على الانصاب من جَسَد
…
الْمُقدمَة الثَّانِيَة أَنه لَو سلم ذَلِك فَقَوْلهم إِن هَذَا يطلقونه عِنْد تزايد الْأَجْزَاء هُوَ مَبْنِيّ على أَن الْأَجْسَام مركبة من الْجَوَاهِر المنفردة وَهَذَا لَو قدر أَنه صَحِيح فَأهل اللُّغَة لم يعتبروه وَلَا قَالَ اُحْدُ مِنْهُم ذَلِك فَعلم انهم إِنَّمَا لحظوا غلظه وكثافته وَأما كَونهم اعتبروا كَثْرَة الْأَجْزَاء
اَوْ قَتلهَا فَهَذَا لَا يتصوره أَكثر عقلاء بني آدم فضلا عَن أَن ينْقل عَن اهل اللُّغَة قاطبة انهم ارادوا ذَلِك بقَوْلهمْ جسيم وأجسم وَالْمعْنَى الْمَشْهُور فِي اللُّغَة لَا يكون مُسَمَّاهُ مَا لَا يفهمهُ إِلَّا بعض النَّاس واثبات الْجَوَاهِر المنفردة امْر خص بِهِ بعض النَّاس فَلَا يكون مُسَمّى الْجِسْم فِي اللُّغَة مَا لَا يعرفهُ إِلَّا بعض النَّاس وَهُوَ الْمركب من ذَلِك وَأما الأَصْل الثَّانِي الْعقلِيّ فَقَوْلهم إِنَّمَا يشار إِلَيْهِ بِأَنَّهُ هُنَا وَهنا فانه مركب من الْجَوَاهِر المنفردة أَو من الْمَادَّة وَالصُّورَة وَهَذَا بحث عَقْلِي وَأكْثر عقلاء بني آدم من أهل الْكَلَام يُنكرُونَ ان يكون ذَلِك مركبا من الْجَوَاهِر المنفردة اَوْ من الْمَادَّة وَالصُّورَة وإنكار ذَلِك قَول ابْن كلاب وَأَتْبَاعه الْكلابِيَّة وَهُوَ قَول الهشامية والنجارية والضرارية وَبَعض الكرامية وَهَؤُلَاء الَّذين
أثبتوا الْجَوْهَر الْفَرد وَزَعَمُوا انا لم نعلم لَا بالحس وَلَا بِالضَّرُورَةِ ان الله أبدع شَيْئا قَائِما بِنَفسِهِ وان جَمِيع مَا نشهده مخلوقا من السَّحَاب والمطر وَالْحَيَوَان والنبات والمعدن بني آدم وَغير بني آدم فانما فِيهِ أَنه أحدث أكوانا فِي الْجَوَاهِر المنفردة كالجمع والتفريق وَالْحَرَكَة والسكون وَأنكر هَؤُلَاءِ أَن يكون الله لما خلقنَا احدث أبدانا قَائِمَة بأنفسها أَو شَجرا اَوْ ثمرا اَوْ شَيْئا قَائِما بِنَفسِهِ وانما احدث عِنْدهم اعراضا واما الْجَوَاهِر المنفردة فَلم تزل مَوْجُودَة ثمَّ من يَقُول إِنَّهَا محدثة مِنْهُم من يَقُول إِنَّهَا محدثة وَمِنْهُم من يَقُول إِنَّهُم علمُوا حدوثها بِأَنَّهَا لم تخل من الْحَوَادِث وَمَا لم يخل من الْحَوَادِث فَهُوَ حَادث الى ان قَالَ وَلِهَذَا صَارَت النفاة اذا اثْبتْ اُحْدُ شَيْئا من الصِّفَات كَانَ ذَلِك مستلزما لِأَن يكون الْمَوْصُوف عِنْدهم جسما وَعِنْدهم الْأَجْسَام متماثلة فصاروا يسمونه مشبها بِهَذِهِ الْمُقدمَات الَّتِي يلْزمهُم مثل مَا ألزموه لغَيرهم وَهِي متناقضة لَا يتَصَوَّر أَن يَنْتَظِم مِنْهَا قَول صَحِيح وَكلهَا مُقَدمَات مَمْنُوعَة عِنْد جَمَاهِير الْعُقَلَاء وفيهَا من تَغْيِير اللُّغَة والمعقول مَا دخل بِسَبَبِهِ هَذِه الأغاليط والشبهات حَتَّى يبْقى الرجل حائرا لَا يهون عَلَيْهِ إبِْطَال عقله وَدينه وَالْخُرُوج عَن الايمان وَالْقُرْآن فان ذَلِك كُله متطابق على إِثْبَات الصِّفَات وَلَا يهون عَلَيْهِ الْتِزَام مَا يلزمونه من كَون الرب مركبا من الْأَجْزَاء أَو مماثلا للمخلوقات فانه يعلم أَيْضا بطلَان هَذَا وَأَن الرب عز وجل يجب تنزيهه عَن هَذَا فانه سُبْحَانَهُ احْمَد صَمد والأحد يَنْفِي التَّمْثِيل والصمد يَنْفِي أَن يكون قَابلا للتفريق والتجسيم والبعضية سبحانه وتعالى فضلا عَن كَونه مؤلفا مركبا ألف من الْأَجْزَاء فيفهمون من يخاطبونه أَن مَا وصف بِهِ الرب نَفسه لَا يعقل الا فِي بدن مثل بدن الانسان بل وَقد يصرحون بذلك وَيَقُولُونَ الْكَلَام لَا يكون
إِلَّا من صُورَة وَصُورَة مركبة مثل فَم الانسان وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يَدعُونَهُ وَإِذا قَالَ النفاة لَهُم مَتى قُلْتُمْ إِنَّه يرى لزم أَن يكون مركبا مؤلفا لِأَن المرئي لَا يكون إِلَّا بِجِهَة من الرَّائِي وَمَا يكون بِجِهَة من الرَّائِي لَا يكون إِلَّا جسما والجسم مؤلف مركب من الْأَجْزَاء وَقَالُوا إِذا تكلم بِالْقُرْآنِ أَو غَيره من الْكَلَام لزم ذَلِك واذا كَانَ فَوق الْعَرْش لزم ذَلِك صَار الْمُسلم الْعَارِف بِمَا قَالَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم يعلم أَنه يرى فِي الْآخِرَة لما تَوَاتر عِنْده من الْأَخْبَار عَن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بِمَا يدل على ذَلِك مَعَ مَا يُوَافق ذَلِك من القضايا الفطرية الَّتِي خلق الله بهَا عباده وَإِذا قَالُوا هَذَا يسْتَلْزم أَن الله مركب من الْأَجْزَاء المنفردة والمركب لَا بُد لَهُ من مركب فَلَزِمَ أَن يكون الله مُحدثا إِذْ الْمركب يفْتَقر إِلَى أَجْزَائِهِ وأجزاؤه تكون غَيره وَمَا افْتقر إِلَى غَيره لم يكن غَنِيا وَاجِب الْوُجُود بِنَفسِهِ حيروه وشككوه إِن لم يَجْعَلُوهُ مُكَذبا لما جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم مُرْتَدا عَن بعض مَا كَانَ عَلَيْهِ من الايمان مَعَ أَن شكه وحيرته تقدح فِي إيمَانه وَدينه وَعلمه وعقله فَيُقَال أما كَون الرب سبحانه وتعالى مركبا رَكبه غَيره فَهَذَا من أظهر الْأُمُور فَسَادًا وَهَذَا مَعْلُوم فَسَاده بضرورة الْعقل وَمن قَالَ هَذَا فَهُوَ من أَكثر النَّاس وأجهلهم وأشدهم محاربة لله وَلَيْسَ فِي الطوائف الْمَشْهُورَة من يَقُول بِهَذَا وَكَذَلِكَ إِذا قيل هُوَ مؤلف أَو مركب بِمَعْنى أَنه كَانَت أجزاؤه مفرقة فَجمع بَينهمَا كَمَا يجمع بَين أَجزَاء المركبات من اعتقده فِي الله فَهُوَ من اكفر النَّاس وأظلمهم وَلم يَعْتَقِدهُ أحد من الطوائف الْمَشْهُورَة فِي الْأمة بل أَكثر الْعُقَلَاء عِنْدهم أَن مخلوقات الرب لَيست مركبة هَذَا التَّرْكِيب وانما يَقُول بِهَذَا من يثبت الْجَوَاهِر المنفردة وَكَذَلِكَ من زعم ان الرب مركب مؤلف بِمَعْنى أَنه يقبل التَّفْرِيق والانقسام والتجزئة فَهَذَا من أكفر النَّاس وأجهلهم