الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. إِن كَانَ رَبك وَاحِدًا سُبْحَانَهُ
…
فاخصصه بِالتَّوْحِيدِ مَعَ إِحْسَان
إِن كَانَ رَبك وَاحِدًا أنشاك لم
…
يشركهُ اذ أنشأك رب ثَان
فكذاك أَيْضا وَحده فاعبده لَا
…
تعبد سواهُ يَا أَخا الْعرْفَان
والصدق تَوْحِيد الارادة وَهُوَ بذ
…
ل الْجهد لَا كسلا وَلَا متوان
وَالسّنة المثلى لسالكها فتو
…
حيد الطَّرِيق الْأَعْظَم السُّلْطَان
فلواحد كن وَاحِدًا فِي وَاحِد
…
أعنى سَبِيل الْحق والايمان
هذي ثَلَاث مسعدات للَّذي
…
قد نالها وَالْفضل للمنان
فاذا هِيَ اجْتمعت لنَفس حرَّة
…
بلغت من العلياء كل مَكَان
لله قلب شام هاتيك البرو
…
ق من الْخيام فهم بالطيران
لَوْلَا التعلل بالرجاء تصدعت
…
أعشاره كتصدع الْبُنيان
وتراه يبسطه الرَّجَاء فينثني
…
متمايلا كتمايل النشوان
وَيعود يقبضهُ الاياس لكَونه
…
مُتَخَلِّفًا عَن رفْقَة الْإِحْسَان
فتراه بَين الْقَبْض والبسط اللذا
…
ن هما لأفق سمائه قطبان
وبدا لَهُ سعد السُّعُود فَصَارَ مسراه عَلَيْهِ لاعلى الدبران
…
لله ذياك الْفَرِيق فانهم
…
خصوا بخالصة من الرَّحْمَن
…
شدت ركائبهم الى معبودهم
…
وَرَسُوله يَا خيبة الكسلان
…
شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي النَّوْع الثَّانِي من تَوْحِيد الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وَهُوَ تَوْحِيد الْعِبَادَة وَالْعِبَادَة فِي اللُّغَة الذل يُقَال بعير معبد أَي مذلل وَطَرِيق معبد إِذا كَانَ مذللا قد وطئته الْأَقْدَام
وَأما الْعِبَادَة فِي اصْطِلَاح الْعلمَاء فقد عرفهَا طَائِفَة بقَوْلهمْ الْعِبَادَة مَا أَمر بِهِ شرعا من غير اطراد عرفي وَلَا اقْتِضَاء عَقْلِي وَعرفهَا طَائِفَة بانها كَمَال الْحبّ مَعَ كَمَال الخضوع
وَقَالَ شيخ الاسلام هِيَ اسْم جَامع لكل مَا يُحِبهُ الله ويرضاه من الْأَقْوَال والأعمال الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج وَصدق الحَدِيث وَأَدَاء الْأَمَانَة وبر الْوَالِدين وصلَة الْأَرْحَام وَالْوَفَاء بالعهود وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَالْجهَاد للْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ والاحسان الى الْجَار واليتيم الْمِسْكِين والمملوك من الْآدَمِيّين والبهائم وَالدُّعَاء وَالذكر وَالْقِرَاءَة وأمثال ذَلِك من الْعِبَادَة وَكَذَلِكَ حب الله وَرَسُوله وخشية الله والانابة إِلَيْهِ وإخلاص الدّين لَهُ وَالصَّبْر لحكمه وَالشُّكْر لنعمه والرضى بِقَضَائِهِ والتوكل عَلَيْهِ والرجاء لِرَحْمَتِهِ وَالْخَوْف من عَذَابه وأمثال ذَلِك فالدين كُله دَاخل فِي الْعِبَادَة انْتهى وكل هَذِه التعريفات لِلْعِبَادَةِ مَعْنَاهَا وَاحِد
وَإِذا عرفت معنى الْعِبَادَة فَاعْلَم أَن التَّوْحِيد نَوْعَانِ تَوْحِيد فِي الْمعرفَة والاثبات وَهُوَ تَوْحِيد الربوبية والأسماء وَالصِّفَات وتوحيد فِي الطّلب وَالْقَصْد وَهُوَ تَوْحِيد الالهية وَالْعِبَادَة
قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى وَأما التَّوْحِيد الَّذِي دعت اليه الرُّسُل
وَنزلت بِهِ الْكتب فَهُوَ نَوْعَانِ تَوْحِيد فِي الْمعرفَة والاثبات وتوحيد فِي الطّلب وَالْقَصْد فَالْأول هُوَ إِثْبَات حَقِيقَة ذَات الرب تَعَالَى وَصِفَاته وأفعاله وأسمائه وتكلمه بكتبه وتكليمه من شَاءَ من عباده وَإِثْبَات عُمُوم قَضَائِهِ وَقدره وحكمته وَقد أفْصح الْقُرْآن عَن هَذَا النَّوْع حد الافصاح كَمَا فِي أول الْحَدِيد وَسورَة طه وَآخر الْحَشْر وَأول تَنْزِيل السَّجْدَة وَسورَة الاخلاص بكمالها وَغير ذَلِك
النَّوْع الثَّانِي مَا تضمنه سُورَة {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} وَقَوله تَعَالَى {قل يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَلا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا} آل عمرَان الْآيَة وَأول سُورَة تَنْزِيل الْكتاب وَآخِرهَا وَأول سُورَة الْمُؤمن ووسطها وَآخِرهَا وَأول سُورَة الْأَعْرَاف وَآخِرهَا وَجُمْلَة سُورَة الْأَنْعَام وغالب سور الْقُرْآن بل كل سُورَة فِي الْقُرْآن فَهِيَ متضمنة لنوعي التَّوْحِيد شاهدة بِهِ دَاعِيَة اليه فان الْقُرْآن إِمَّا خبر عَن الله واسمائه وَصِفَاته وأفعاله وأقواله فَهُوَ التَّوْحِيد العلمي الخبري وَإِمَّا دَعْوَة الى عِبَادَته وَحده لَا شريك لَهُ وخلع مَا يعبد من دونه فَهُوَ التَّوْحِيد الارادي الطلبي وَإِمَّا أَمر وَنهي وإلزام بِطَاعَتِهِ وَأمره وَنَهْيه فَهُوَ حُقُوق التَّوْحِيد ومكملاته وَإِمَّا خبر عَن إكرام أهل التَّوْحِيد وَمَا فعل بهم فِي الدُّنْيَا ويكرمهم بِهِ فِي الْآخِرَة فَهُوَ جَزَاء أهل توحيده وَإِمَّا خبر عَن أهل الشّرك وَمَا فعل بهم فِي الدُّنْيَا من النكال وَمَا يحل بهم فِي العقبى من الْعَذَاب فَهُوَ جَزَاء من خرج عَن حكم التَّوْحِيد فالقرآن كُله فِي التَّوْحِيد وحقوقه وجزائه وَفِي شَأْن الشّرك وَأَهله وجزائهم انْتهى
قَالَ شيخ الاسلام التَّوْحِيد الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُول إِنَّمَا يتَضَمَّن إِثْبَات الإلهية لله وَحده بِأَن يشْهد أَن لَا إِلَه الا الله فَلَا يعبد إِلَّا إِيَّاه وَلَا يتوكل
إِلَّا عَلَيْهِ وَلَا يوالي الا لَهُ وَلَا يعادي إِلَّا فِيهِ وَلَا يعْمل الا لأَجله وَذَلِكَ يتَضَمَّن أثبات مَا أثْبته لنَفسِهِ من الاسماء وَالصِّفَات قَالَ تَعَالَى {وإلهكم إِلَه وَاحِد لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم} الْبَقَرَة وَقَالَ تَعَالَى وَقَالَ الله {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِد فإياي فارهبون} النَّحْل وَقَالَ تَعَالَى {وَمن يدع مَعَ الله إِلَهًا آخر لَا برهَان لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حسابه عِنْد ربه إِنَّه لَا يفلح الْكَافِرُونَ} الْمُؤْمِنُونَ وَقَالَ تَعَالَى {واسأل من أرسلنَا من قبلك من رسلنَا أجعلنا من دون الرَّحْمَن آلِهَة يعْبدُونَ} الزخرف وَأخْبر عَن كل نَبِي من الْأَنْبِيَاء أَنهم دعوا النَّاس الى عبَادَة الله وَحده لَا شريك لَهُ وَقَالَ {قد كَانَت لكم أُسْوَة حَسَنَة فِي إِبْرَاهِيم وَالَّذين مَعَه إِذْ قَالُوا لقومهم إِنَّا بُرَآء مِنْكُم وَمِمَّا تَعْبدُونَ من دون الله كفرنا بكم وبدا بَيْننَا وَبَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء أبدا حَتَّى تؤمنوا بِاللَّه وَحده} الممتحنة وَقَالَ عَن الْمُشْركين {إِنَّهُم كَانُوا إِذا قيل لَهُم لَا إِلَه إِلَّا الله يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أئنا لتاركوا آلِهَتنَا لشاعر مَجْنُون} الصافات وَهَذَا فِي الْقُرْآن كثير وَلَيْسَ المُرَاد بِالتَّوْحِيدِ مُجَرّد تَوْحِيد الربوبية وَهُوَ اعْتِقَاد أَن الله وَحده خلق الْعَالم كَمَا يظنّ ذَلِك من يَظُنّهُ من اهل الْكَلَام والتصوف ويظن هَؤُلَاءِ أَنهم اذا أثبتوا ذَلِك بِالدَّلِيلِ فقد أثبتوا غَايَة التَّوْحِيد وَأَنَّهُمْ اذا أشهدوا هَذَا وفنوا فِيهِ فقد فنوا فِي غَايَة التَّوْحِيد فان الرجل لَو أقرّ بِمَا يسْتَحق الرب تَعَالَى من الصِّفَات ونزهه عَن كل مَا يتنزه عَنهُ وَأقر بِأَنَّهُ وَحده خَالق كل شئ لم يكن موحدا حَتَّى يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده فَيقر بِأَن الله وَحده هُوَ الْإِلَه الْمُسْتَحق لِلْعِبَادَةِ ويلتزم بِعبَادة الله وَحده لَا شريك لَهُ والإله هُوَ المألوه المعبود الَّذِي يسْتَحق الْعِبَادَة وَلَيْسَ هُوَ الْإِلَه بِمَعْنى الْقَادِر على الاختراع فاذا فسر الْمُفَسّر الْإِلَه بِمَعْنى الْقَادِر على الاختراع واعتقد أَن
هَذَا الْمَعْنى هُوَ اخص وصف الْإِلَه وَجعل إِثْبَات هَذَا هُوَ الْغَايَة فِي التَّوْحِيد كَمَا يفعل ذَلِك من يَفْعَله من متكلمة الصفاتية وَهُوَ الَّذِي يَقُولُونَهُ عَن ابي الْحسن وَأَتْبَاعه لم يعرفوا حَقِيقَة التَّوْحِيد الَّذِي بعث الله بِهِ رَسُوله صلى الله عليه وسلم فان مُشْركي الْعَرَب كَانُوا مقرين بِأَن الله وَحده خَالق شَيْء وَكَانُوا مَعَ هَذَا مُشْرِكين قَالَ تَعَالَى {وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم مشركون} يُوسُف قَالَ طَائِفَة من السّلف تَسْأَلهُمْ من خلق السَّمَاوَات والارض فَيَقُولُونَ الله وهم مَعَ هَذَا يعْبدُونَ غَيره قَالَ تَعَالَى {قل لمن الأَرْض وَمن فِيهَا إِن كُنْتُم تعلمُونَ سيقولون لله قل أَفلا تذكرُونَ} الى قَوْله فَأنى تسحرون الْمُؤْمِنُونَ فَلَيْسَ كل من أقل بَان الله تَعَالَى رب كل شَيْء وخالقه يكون عابدا لَهُ دون مَا سواهُ دَاعيا لَهُ دون مَا سواهُ راجيا لَهُ خَائفًا مِنْهُ دون مَا سواهُ يوالي فِيهِ ويعادي فِيهِ ويطيع رَسُوله وَيَأْمُر بِمَا أَمر بِهِ وَينْهى عَمَّا نهى عَنهُ وَعَامة الْمُشْركين أقرُّوا بِأَن الله خَالق كل شئ وابتغوا الشفعاء الَّذين يشركونهم بِهِ وَجعلُوا لَهُ أندادا قَالَ الله تَعَالَى {أم اتَّخذُوا من دون الله شُفَعَاء قل أولو كَانُوا لَا يملكُونَ شَيْئا وَلَا يعْقلُونَ قل لله الشَّفَاعَة جَمِيعًا لَهُ ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض} الزمر وَقَالَ تَعَالَى {ويعبدون من دون الله مَا لَا يضرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شفعاؤنا عِنْد الله} الى قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ يُونُس وَقَالَ تَعَالَى وَلَقَد جئتموها فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة وتركتم مَا خولناكم وَرَاء ظهوركم وَمَا نرى مَعكُمْ شفعاؤكم الَّذين زعمتم أَنهم فِيكُم شُرَكَاء لقد تقطع بَيْنكُم وضل عَنْكُم مَا كُنْتُم تَزْعُمُونَ {الْأَنْعَام} وَقَالَ تَعَالَى {وَمن النَّاس من يتَّخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله} الْبَقَرَة وَلِهَذَا كَانَ من أَتبَاع هَؤُلَاءِ من يسْجد للشمس وَالْقَمَر وَالْكَوَاكِب ويدعوها ويصوم وينسك لَهَا ويتقرب اليها