الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - المنهج العلمي العقلاني
من خلال التحول الذي خطا إليه الفكر الغربي بالانسحاب من النصرانية إلى دين البشرية، وإلى إعلاء شأن العلم والعقل وإلى الإيمان المطلق بالعقل البشري والعلم الحديث بإمكانية وصوله إلى كل حقيقة بنفسه دون الاعتماد على أي مصدر آخر، ظهر فيهم المنهج العلمي العقلاني بأشكال عديدة منها منهج التفسير المادي التاريخي عند الماركسية، ومنهج علم النفس عند الفُرويدية، ومنهج علم الاجتماع عند المدرسة الاجتماعية، ثم سيطرت هذه المناهج على الفكر الغربي وأخرجته من مفاهيمه الأخلاقية بعد أن أخرجته من الدين كله، فظهر عصر الأيدلوجيات المعتمدة على العقل والعلم، والتي واجهت الأديان واعتبرت بديلة لها
(1)
.
5 - منهج مقارنة الأديان
إن أخطر ما قدمه المنهج الاستشراقي علم مقارنة الأديان من خلال مناهج بحث مختلفة، تنظر إليها من خلال قاعدة أساسية تقول: بأن الأديان ظاهرة اجتماعية ظهرت في الجماعة البشرية. وأنها لم تنزل من السماء ومن ثم تنكر أول ما تنكر الوحي والنبوة وينظر إلي الأنبياء على أنهم أبطال ودعاة حرية وعباقرة وأناس ممتازون عرفوا أَزَمات أممهم وقاموا لإصلاحها، وقد استمد المنهج الغربي الاستشراقي في هذا المفهوم من طابعه المادي الخالص الذي ينكر عالم الغيب لكل ما يتصل به من قيم وحقائق
(2)
.
ولا شك هذا محاولة لإخضاع الدين تحت مجال التأثير الاجتماعي وعلى القول بأن الدين مرحلة في حياة الأمم قد تجاوزتها بفضل العلم ومعطيات العقل البشري.
ويعد هذان العاملان من الركائز الأساسية للفكر الغربي ومناهجه
(3)
.
(1)
ينظر أخطاء المنهج الوافد الغربى لأنور جندي ص: 41.
(2)
ينظر المرجع السابق ص 73 - 83.
(3)
التراث والتجديد لـ د، حسن حنفي ص:55.
وبالجملة إن مناهج المستشرقين قامت على ركائز معينة وهي: نظرية الاستعلاء العنصري، وفكرة التطور والارتقاء الدارويني، ونظرية الشك الماركسي والعقلانية المادية الخالصة، والاعتماد الكامل على الفكر البشري، والإيمان الواثق بالاكتشافات العلمية الحديثة، والقول بأن الدين بشرية النشأة، والوقوف بالحيرة عند الشاهد الملموس، والرفض الشديد لعالم الغيب، وبهذه الركائز القاصرة هاجمت المناهج الاستشراقية مفاهيم الإسلام حين جاءت بالمنهج العلمي الأصيل في المعرفة القائمة على البرهان والدليل والتحرز من الهوى وإنكار مواريث الآباء والأجداد والتماس الحقيقة من خلال الإيمان بالله القائم على عقيدة التوحيد الخالص
(1)
.
ومن الحق أن منهج البحث الاستشراقي ليس له صلاحية أن يكون عامًا أو عالميًا لأسباب كثيرة منها: في أصوله ومقرراته الأساسية يختلف اختلافًا جزريًا عن منهج البحث الإسلامي، ولا يلتقي معه أبدًا، بينما يقرر المنهج العلمي الإسلامي اليقين لوجود عالمي الغيب والشهادة وتكاملهما، ويقبل مفاهيم الألوهية والنبوة والوحي ورسالة السماء المنزلة على الأنبياء والجزاء والبعث، ويشهد مفاهيمه في فهم الحياة وبناء المجتمع وتربية الإنسان، ويقف المنهج الاستشراقي قاصرًا عند حدود الملموس وكيانه ورسالته
(2)
.
"وبينما يتصف المنهج الإسلامي بالوجود في أزله وأبده، وبالحياة في إنشاء الله لها وإنهائها عند أجلها المسمى وإقامة النشأة الآخرة في حياة الخلود التي يتحقق فيها الجزاء والحساب، يقتصر المنهج الآخر على الظواهر التي لم يستطع العلم أن يتجاوزها ويقف بالإنسان عند حد الموت ولا يفهم شيئا وراء الموت" اهـ
(3)
وغير ذلك من الفروق.
(1)
ينظر أخطاء المنهج الوافد الغربي لأنور جندي ص: 59.
(2)
ينظر المرجع السابق ص: 21.
(3)
أخطاء المنهج الغربي لأنور جندي 58 - 59.
إن المنهج الاستشراقي الغربي مع ما فيه من النقائص وعدم الصلاحية جاء بصورة براقة، واستخدم جميع الوسائل المتاحة له، وفرض على النفسية والمزاج والروح الإسلامي، وقد جرى ذلك في النصف الأخير من القرن الماضي وفي النصف الأول من هذا القرن تحت تأثير النفوذ الاستعماري في محاولة لإخراج المسلمين من مواريثهم ومفاهيمهم وفرض أعراف جديدة عليهم مخالفة لجذورهم وأصولهم، فتأثر بعض المسلمين وأصبحوا فريسة للمنهج الوافد وتوصلوا إلى نتائج تعسفية عن عقيدة الإسلام ومصادرها، وفي الفصول القادمة محاولة لجمع مناهج أولئك المتأثرين وآثارها على عقائد المسلمين بالهند.